هل تسقط منظمة الصحة العالمية ؟
فجرت أزمة كورونا ملفا من أخطر الملفات على المستوى العالمي، وهو ملف المنظمات الدولية، ودور القوى الاستعمارية الكبرى في إدارة هذه المنظمات وتسخيرها لتحقيق مصالحها، وفرض هيمنتها عليها..
كثيرا ما بح صوتنا لتأكيد عدم موضوعية هذه المنظمات، وأنها دائما ما تكيل بمكيالين وفي بعض الأحيان بعدة مكايل، وأن الدول ذات النفوذ العالمي وصاحبة المساهمة الأكبر في ميزانيتها، دائما ما تكون هي صاحبة القرار، وتأتي على قمة هذه المنظمات الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنظماتها النوعية المختلفة، ومن بين هذه المنظمات منظمة الصحة العالمية، التى تصاعدت بداخلها الخلافات مع أزمة كورونا.
وهو ما دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاتخاذ قرار الانسحاب من المنظمة
بعد إخطار الكونجرس رسميا بذلك، وكان قد نص قرار الكونجرس عند الانضمام إلى المنظمة
في عام 1948 بأنه يمكن للولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب منها بعد الاخطار، بشرط
أن يتم الوفاء بالالتزامات المالية الامريكية بالكامل للسنة المالية الحالية للمنظمة..
وفي شهر مايو/ أيار الماضي، أصدر الرئيس الأمريكي ترامب قرارا بإنهاء العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية، وذلك لأنها منظمة لم تقم بدورها الملائم لمواجهة فيروس كورونا المستجد، وتعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر جهة مانحة لمنظمة الصحة العالمية بشكل عام، إذ أسهمت بما يزيد على 400 مليون دولار في عام 2019، أى ما يقارب 15% من ميزانيتها.
اقرأ أيضا:
سياسات التجويع الأمريكية لن تجدي مع سورية!
وتعد منظمة الصحة العالمية هى المنظمة الأبرز الآن على مستوى المنظمات الدولية فى ظل التهديد الذي تتعرض له البشرية في ظل جائحة كورونا، وقد أنشئت في 7 أبريل / نيسان 1948 وهو اليوم الذي يتم الاحتفال فيه بيوم الصحة العالمي، ومقرها الحالي في جنيف بسويسرا، ويديرها الأثيوبي تيدروس أدناهوم..
وتعد المنظمة هى السلطة التوجيهية والتنسيقية ضمن منظومة الأمم المتحدة فيما يخص المجال الصحي، وهى مسؤولة عن تأدية دور قيادي في معالجة المسائل الصحية العالمية، وتصميم برامج البحوث الصحية ووضع القواعد والمعايير وتوضيح الخيارات السياسية المسندة بالبيانات وتوفير الدعم التقني إلى البلدان ورصد الاتجاهات الصحية وتقييمها.
ويقول دستور منظمة
الصحة العالمية: إن الغرض منها هو توفير أفضل ما يمكن من الحالة الصحية لجميع الشعوب،
بالإضافة لتنسيق الجهود العالمية لمراقبة نشوء أمراض العدوى، وترعى المنظمة برامج للوقاية
والعلاج من هذه الأمراض وتطوير وتوزيع لقاحات ( تطعيمات ) آمنة وفعالة..
وقد تمكنت منظمة الصحة العالمية في عام 1980 من القضاء على مرض الجدري، وهو أول مرض يتم استئصاله بمجهود بشري، ووفقا لجهود المنظمة باتت الصحة في القرن الحادي والعشرين مسؤولية مشتركة تنطوي على ضمان المساواة في الحصول على خدمات الرعاية الأساسية، وعلى الوقوف بشكل جماعي لمواجهة الأخطار عبر الوطنية.
اقرأ أيضا:
العالم قبل وبعد كورونا.. والسيناريوهات المتوقعة!!
ومع انفجار فيروس
كورونا وانتشاره في الصين بدأت معركة تلاسن بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين
تحولت مع الوقت إلى حرب كلامية واتهامات متبادلة حول من هو مصدر هذا الوباء الذي اجتاح
العالم مخلفا أكثر من 12 مليون مصاب حتى الآن مرشحة للزيادة، أكثر من ربعهم بالولايات
المتحدة الأمريكية وحدها، وضاربا أكبر الاقتصاديات العالمية..
ومع ارتفاع وتيرة الاتهامات وجهت الولايات المتحدة الأمريكية سهامها إلى منظمة الصحة العالمية، التى لم تنصاع لأوامرها بتأكيد أن الصين هى مصدر الوباء، وبالفعل تطورت تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنظمة في محاولة للتغطية على فشل إدارته وتأخرها في تطبيق تدابير الحجر والتباعد الاجتماعي، وتأمين المستلزمات الطبية، مما أدى إلى انتشار الوباء بشكل كبير وفقدان السيطرة عليه داخل الولايات المتحدة الأمريكية..
وهو ما أدى إلى اندلاع التظاهرات داخل العديد من الولايات الأمريكية، فكان قرار ترامب بالانسحاب من المنظمة في محاولة لتحسين صورته أمام الرأى العام الأمريكي قبل الانتخابات الرئاسية التي تحل في الخريف القادم.
وقد تسبب القرار
في ردود أفعال غاضبة سواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو خارجها، حيث أصدر بعض
العلماء الأمريكيين بيان نشر في المجلة الطبية البريطانية الشهيرة "لانسيت"
يوم الخميس الماضي يعتبر الانسحاب من منظمة
الصحة العالمية غير قانوني، كما أنه يشكل تهديدا للأمن الصحي في الولايات المتحدة الأمريكية
والعالم.
اقرأ أيضا:
ليبيا في مفترق الطرق!
وأكد السيناتور الأمريكي بوب مينينديز عبر تغريدة له على موقع التواصل
الاجتماعي تويتر أن قرار الانسحاب في ظل الجائحة لن يحمي حياة أو مصالح الأمريكيين
بل يترك الأمريكيين مرضى وأمريكا وحيدة.
واستغل مرشح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة جو بايدن الموقف وأعلن نيته تمزيق قرار
الانسحاب من المنظمة حال فوزه بالرئاسة.
ومن جانبه أكد بيل جيتس أحد أكبر المانحين من القطاع الخاص لمنظمة الصحة العالمية وعبر حسابه على تويتر أن وقف التمويل للمنظمة أثناء أزمة صحية عالمية أمر خطير، فعمل المنظمة يبطئ انتشار كوفيد 19 وإذا ما توقف هذا العمل، فلا يمكن لأي منظمة أخرى أن تعوضها، فالعالم يحتاج إلى المنظمة الصحية العالمية أكثر من ذي قبل.
وقد جاءت ردود الفعل
الخارجية قوية حيث أكد رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل عبر حسابه على تويتر
نحن نأسف لقرار الولايات المتحدة الأمريكية بوقف تمويل منظمة الصحة العالمية في الوقت
الذي نحن بحاجة لعملها أكثر من أي وقت مضى.
اقرأ أيضا:
هل مصر جاهزة للحرب؟
ويؤكد وزير الخارجية
الألماني هايكو ماس أن أفضل الاستثمارات الآن تتمثل في تقوية منظمة الصحة العالمية
لتطوير وتوزيع الاختبارات واللقاحات.
ووصفت وزيرة الخارجية السويدية القرار بالمؤسف مؤكدة أن العالم يحتاج
إلى مزيد من التعاون، وليس أقل لمكافحة التهديدات العابرة للحدود على صحة الإنسان.
وعلى الرغم من قرار
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية إلا أننا ومن خلال
ردود الأفعال سواء الداخلية أو الخارجية يمكن التأكيد على أن القرار لن يؤثر على المنظمة
ولن يسقطها كما يراهن ترامب، بل يعد القرار نوعا من البلطجة التي تمارسها الإدارة الأمريكية
داخل أروقة المنظمات الدولية..
ويعد قرار الانسحاب أحد القرارات الكاشفة للوجه القبيح
للإدارة الأمريكية، التي تحاول فرض سيطرتها وهيمنتها على المنظمات الدولية وإجبارها
على إصدار القرارات وفقا لمزاجها حتى ولو كان ضد مصالح أعضائها أو مدمراً للمجتمعات
ومبيداً للشعوب، وهو الدور الذي يجب التصدي له من كل الأحرار في العالم، اللهم بلغت
اللهم فاشهد.