قوافل السلام.. تطبيق عملي لرسالة الأزهر العالمية
لا جدال في أن الأزهر الشريف الذي يمتد تاريخه لأكثر من ألف عام له تأثير عظيم في تاريخ الأمة وحضارتها؛ بل لا نعدو الحقيقة إن قلنا في حضارة العالم العربي والإسلامي كله، وفي نفوس المسلمين في شتى بقاع الأرض.
وفي العصر الحديث يواكب الأزهر الشريف مستحدثات العصر، مٌحاولًا بكل ما أوتي من قوة أن يكون الحصن الحصين لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف والحرص على تطبيقها بشكل صحيح.
وما أن توجد جائحة أو كارثة هنا أو هناك، تتجه القلوب بعد الاستعانة بخالقها نحو الأزهر الشريف لما أرساه خلال تاريخه في نفوس الملايين حول العالم بأنه البيت الكبير الذي يسع الجميع، المختلفين معه قبل المتفقين.
وقد رأينا العديد
من رؤساء ووزراء وسفراء العالم في القديم والحديث يبادرون إلى معرفة هذا الصرح العتيق
الذي يعلم الناس العلمَ والخير، سواء حول سواري مسجده أو داخل فصول معاهده أو في قاعات جامعته.
مؤتمر الأخوة الإنسانية.. تحديات جديدة
وقد أدرك الأزهر
على طول تاريخه أهمية التواصل مع الجميع، سواء في داخل مصر أو خارجها ليوصل رسالة السلام
التي جاء بها دين الإسلام. وحديثا، وبعد انتشار العديد من الأفكار المغلوطة حول الإسلام
والمسلمين بسبب ما تقوم به الجماعات الإرهابية والمتطرفة وتنسبه إلى الدين الإسلامي،
وهو منها براء، وكذلك بسبب ما تقوم به بعض وسائل الإعلام الغربية الداعمة لليمين المتطرف
وخطاب الكراهية الذي يتبناه، كان لزامًا على الأزهر الشريف أن يكثف دوره في التواصل،
وعلى نطاق أوسع.
فما كان من شيخ الأزهر
فضيلة الإمام الأكبر، أ. د. أحمد الطيب رئيس مجلس حكماء المسلمين إلا أن قرر استحداث
مجموعة من الهيئات والبرامج من بينها برنامج جديد في ثوب جديد وهو برنامج "قوافل
السلام". وهو عبارة عن مجموعات من علماء الأزهر وشبابه الواعي المدرك لقيمة السلام
العالمي وأهمية ترسيخه في المجتمعات المختلفة.
وقد جابت هذه المجموعات العديدَ من قارات العالم ودوله؛ ليقوم بحملات توعوية هنا وهناك من شأنها توضيح الصورة الحقيقية للدين الإسلامي الحنيف والتأكيد على أن ما تقوم به جماعات العنف بعيدٌ كل البعد عن التعاليم السمحة والثوابت الصحيحة التي جاء بها الدين الخاتم.
وقامت القوافل بعقد
محاضرات وورش عمل وندوات توعوية داخل الكنائس والمساجد والجامعات وغيرها من المؤسسات الدينية والثقافية في العديد من الدول
مثل إسبانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة وألمانيا وكولومبيا والعديد من الدول
الإفريقية، تجاوزت أكثر من عشرين دولة حتى الآن..
الاتحاد الأوروبي يشيد بدور الأزهر في مواجهة التطرف والإرهاب
وقد كانت ضمن برنامج قوافل السلام في مراحله الأولى. وخلال هذه الفعاليات أديرت نقاشات وحوارات تفاعلية لأعضاء القوافل مع الطلاب والأكاديميين والمثقفين وعلماء الأديان، حول مختلف القضايا التي تهمهم، وخصوصا ما يثار عبر بعض وسائل الإعلام من معلومات مغلوطة عن الإسلام. ويوضح أعضاء كل قافلة زيف تلك الادعاءات مستشهدين بنصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ونماذج ومواقف عملية من التاريخ الإسلامي.
وأستحضر هنا صورة
أو صورتين عايشتُهما على أرض الواقع حينما شرفني فضيلة الإمام الأكبر وكلفني برئاسة
قافلة السلام إلى أمريكا الجنوبية وتحديدًا إلى "كولومبيا" خلال عام
2017. وتتلخص الصورة الأولى في أننا كنا نعقد محاضرة في كل جامعة من الجامعات طبقا
لبرنامج القافلة، ولكن إحدى الجامعات التي عقدنا بها إحدى المحاضرات طلبت منا أن نخصص
لها محاضرة أخرى في اليوم التالي، ثم طلبت ذلك في اليوم الثالث..
وكنا كل يوم نتفاجأ
بأضعاف العدد عن اليوم السابق، وكل يوم يجرنا مسار الحديث إلى إشكاليات حول تعاليم
الدين الإسلامي، ويفاجئون بدورهم بأن نصوص القرآن التي نتلوها عليهم وترجمتها مختلفة
تماما عن كل النظريات التي استقوها على مدار سنوات كثيرة.
أما الصورة الثانية
فهي أنه خلال عودتنا من إحدى المحاضرات إلى مقر الإقامة، كنا نسير في بعض طرقات العاصمة
الكولومبية بوجوتا، وفي أحد الشوارع تصادف مرور مجموعة من الشباب الذين يُمثّلون برنامج (IDIPRON) والذي أطلقته الحكومة للعمل على تأهيل الشباب للتغلُّب على المشاكل التي
يتعرضون لها، وطلب هؤلاء الشباب التعرف علينا، وسألونا لماذا نرتدي هذا الزي
"زي الأزهر" تحديدا. وأعطت القافلة لهؤلاء الشباب لمحةً سريعةً عن الإسلام،
وهو ما لاقى ترحيبًا بالغًا منهم، وحرَص الشباب على التقاط الصور مع أعضاء القافلة.
شيخ الأزهر: القيم الأساسية للأديان السماوية تدعو للإخوة
الجدير بالذكر أن
أعضاء مرصد الأزهر لمكافحة التطرف شاركوا في القوافل التي أرسلها مجلس حكماء المسلمين
لما لديهم من معرفة وإتقان للغات الأجنبية الخاصة بتلك الدول وتسلحهم بالمعرفة والثقافة
الإسلامية اللازمة للتحاور مع مختلف الأطياف والتوجهات.
وختاما، أؤكد على
أن برنامج قوافل السلام الذي أطلقه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء
المسلمين هو برنامج مهم قد آتي ثماره في مراحله الأولى، وكانت نظرة الإمام الأكبر ثاقبة
حين قرر إيفاد تلك القوافل إلى هذه الدول تحديدا، إذ أن هناك العديد من شباب تلك الدول
متطلع للتعرف على تعاليم الإسلام السمحة. وهناك فرق كبير بين من يسمع ومن يرى، وتكون
النتيجة مرضية حينما نخاطبهم بلغتهم التي يفهمونها، فتصل الرسالة إليهم دونما إبهام.
ولذا فإنني أؤكد
مرة أخرى على أن إيفاد أعضاء مرصد الأزهر وأبناء كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر
كان إحدى الاستراتيجيات التي أسهمت بشكل كبير في نجاح تلك القوافل وإيصال رسالة السلام
الحقيقة التي تعبر عن جوهر الدين الإسلامي الحنيف.