رئيس التحرير
عصام كامل

د. أحمد عبد الرحمن يكتب: ليس جهادا.. وليسوا مجاهدين!!

د. أحمد عبد الرحمن
د. أحمد عبد الرحمن


يحلو للبعض أن يطلق وصف المجاهد على كل من يقاتل خصومه فى البلاد الإسلامية، فيعتبرون قتالهم جهادا ومقاتليهم مجاهدين، فهم فى نظرهم يحاربون الظلم ويقاومون الاستبداد، ويردون الحكومات بأجهزتها إلى الإسلام من جديد، والسؤال الذى يطرح نفسه هل هذا الكلام صحيح مستقيم؟ هل الجماعات التى رفعت السلاح ضد حكوماتها وشعوبها جماعات جهادية؟


وللجواب نقول: هذه الأعمال ليست جهادا وأصحابها ليسوا مجاهدين للآتى: 
1 - الجهاد الشرعى يشترط فيه إذن ولى الأمر الحاكم.. وقد اشترط الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، بل أجمعوا على اشتراط استئذان الحاكم للخروج فى الجهاد، بينما هذه الجماعات تعلن القتال بغير إذن الدولة، بل إنها تعلن القتال ضد الدولة.. وللخروج من هذا الشرط أفتوا بكفر الحكومات وردتها حتى لا يلزمهم أحد باستئذانها.

 

وقد دار موقف الفقهاء من الجهاد دون إذن الإمام بين التحريم والكراهة، إلا ابن حزم وكلامه مردود؛ لاعتبارات كثيرة منها:
منع الفوضى وحسم مادة النزاع داخل الدولة الواحدة والمجتمع الواحد، ولا يسقط هذا الشرط إلا فى حالة دهم العدو البلاد وعدم وجود فرصة للإذن..
2 - الجهاد الشرعى يمنع قتال من لم يقاتلنا حقيقة أو حكما:
فلا يجوز قتال ولاقتل النساء والصبيان والشيوخ والرهبان والسفراء ومن فى حكمهم، وبذلك شرط الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، بينما هذه الجماعات قتلت الصغير والكبير والسفير والراهب والمرأة وكل من عارضها ووقف ضد مشروعها استهدفته وقتلت من قدرت عليه منهم.


وممن نقل الإجماع على قولنا: ابن الهمام وابن رشد وابن عبد البر والنووى وابن حجر وابن تيمية وغيرهم.. وكل الشبهات فى هذا الباب مردود عليها.


3 - الجهاد المشروع يمنع من قتال المعاهد والذمى والمستأمن:
والمستأمن هو الذى يدخل بلاد المسلمين بتأشيرة صحيحة فهى بمثابة عقد أمان له لا يجوز خرقه ولا مخالفته، وقد أجمع الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على عصمة هذه الاصناف وحرمة التعرض لهم،
بينما نرى جماعات العنف تبدأ أول ماتبدأ بغير المسلمين من مواطنى دولتهم، وكذلك يقتلون السياح، ويغيرون على دول الجوار ممن لهم مع دول المسلمين عهود ومعاقدات، فإذا جئت تذكرهم بعقد الأمان والمعاهدات الأخرى قالوا:
لقد أعطتهم إياها حكومات غير مسلمة لا نعترف نحن بها، وبالله عليكم من أدرى السائح أن حكومات بلادكم مسلمة او غير مسلمة؟


من أدرى الدول الأخرى أنكم لا تعترفون بحكامكم؟
وبنفس المنطق نسألكم: لو أنكم تملكتم الأمور، لاقدر الله، ثم جاءت فئة ولم تعترف بكم هل يباح لهذه الفئة نقض عهودكم وعقودكم؟
إن قلتم لا فقد ظلمتم، وإن قلتم نعم فقد كذبتم.
4 - الجهاد المشروع لا يبيح قتل السفراء ولا الدبلوماسيين ولا التعرض لأسرهم ولا أموالهم ولا نسائهم:
وهذا مبدأ إسلامي معروف بل وأقرته القوانين الدولية بينما الجماعات المعاصرة يقتلون السفراء ويفجرون السفارات لا يفرقون بين سفارة دولة واخرى بالرغم ان الاسلام حقن دماء سفراء الدول المحاربة، بل إنهم يقتلون البعثات المدنية والبحثية فضلا عن البعثات العسكرية والأمنية.. وممن قال بحرمة التعدى على السفراء والرسل الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، لكن جماعات العنف يتهمون السفارات والسفراء بالجاسوسية، ونقول لهم: ليس كل جاسوس جزاؤه القتل، وإنما توجد عقوبات أخرى، فضلا عن أن إيقاع العقوبة من اختصاص الحكومات وليس من شأنكم.
5 - الجهاد المشروع يمنع العمليات الانتحارية التى تسميها هذه الجماعات عمليات استشهادية:
وهذه العمليات عرفها الفقهاء قديما بالانغماس فى صفوف العدو، ومنعوها إلا بشروط، منها:
أ - وجود ضرورة يخشى على المسلمين ن لم ينغمس الشخص فى صفوف العدو.

ب - أن يحصل بالانغماس نكاية كبيرة فى صفوف العدو.

ج -إذا وجدت طريقة لأحداث النكاية بالعدو دون أن ينغمس فوجب عليه اتباعها ولا يجوز له الانغماس وقتل نفسه.
د - أن تتوجه هذه العمليات ضد من يجوز قتله من الكفار أى ضد جيش العدو المقاتل وليس ضد المدنيين ولاغير المقاتلين. 
هـ - ألا يترتب على هذه العمليات مفسدة أكبر من مصلحتها فكيف لو كانت تشوه صورة الإسلام والمسلمين وتصفهم بالانتحاريين والقتلة.
وبالرغم من أن كلام الفقهاء عن الانغماس فى صفوف العدو حيت يقتله العدو أما القائم بالعمليات التفجيرية فهو الذى يقتل نفسه بيده وفعله وليس يقتله العدو.
6 - الجهاد المشروع يمنع قتل الجنود المرابطين على الحراسة والأمن:
فمن الذى يحمى الحدود ويؤمن النساء والأطفال والأسواق والطرق ؟ ان الجندى المرابط للحراسة يعتبر رباطه جهادا فى سبيل الله.

قال الخطيب الشربينى عن فرض الكفاية فى الجهاد " بأن يشحن الامام الثغور بمكافئين للكفار مع أحكام الحصون والخنادق وتقليد الامراء".

واعتبر الهيثمى ترك الحدود بلا حراسة نوعا من الكبائر، فكيف بمن يقتل هؤلاء الجنود وقت الافطار او وقت الصلاة وهم مرابطون فى ثكناتهم لاشك ان فعله هذا ليس جهادا ، ولا مشروعا.
7 - الجهاد المشروع ليس مفروضا على النساء ابتداء:
انما يشرع للمرأة الجهاد والقتال اذا احتل العدو البلد المسلم فهى بذلك تدافع عن نفسها وعن غيرها، لكن لاتتطوع بالجهاد ابتداء كما هو معلوم، بينما جماعات العنف تستخدم النساء فى عمليات التفجير والحرب ونقل السلاح والتكليفات لأنصارها، بل تقدم النساء فى صفوف التظاهرات وتحتمى بهن، وتطلق عليهن مسميات مثل: الحرائر - أم الأبطال - أم الصابرين - أم المجاهدين - 7 الصبح - 11 بالليل ....... الخ.. اما ما يقال بخصوص قتال نسيبة وغيرها فله تفسيراته ولا يستدل به فى هذا الموضع.
8 - الجهاد المشروع يمنع الذبح والتحريق والتمثيل بالجثث:
وهذه الجماعات فى حربها تتبع سياسة الارض المحروقة فتخرب كل شىء وتحرق بالنار وتذبح بالسكين وهو مايسمونه بإدارة التوحش لإرعاب وتخويف الخصوم ووضع الاسلام للأسرى خيارين اثنين المن أو الفداء، ومن قال بجواز القتل ضبطه بحديث "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة ...."، والذبح بالسكين او التحريق بالنار ليس من الاحسان فى شىء، وكل ما استدلت به جماعات العنف فى هذا السياق مردود وله تصريفاته.
9 - الجهاد المشروع يوجب دعوة الكفار قبل البدء بقتالهم أو على الاقل يستحسن دعوتهم:
وهذا على تفصيل بين الفقهاء وكل ذلك فى حق الكفار الأصليين بينما جماعات العنف تقاتل دولها وجيوشها وشعوبها فهل يستوى هؤلاء واولئك ؟
هل يجب دعوة الكفار قبل القتال ولا تجب دعوة المسلمين قبل قتالهم ؟ .
10 - الجهاد المشروع يمنع قتل من قال لااله الا الله مالم يظهر منه مايناقضها:
فان ظهر منه ناقض لها وجبت دعوته للاقلاع عن هذا التناقض، وهذا كله موكول للحكام والقضاة المختصين، وليس للافراد ولا للجماعات، على حين اننا نرى هذه الجماعات يقتلون المسلمين فى كل بلد نزلوا فيه للحرب، بل إنهم يأتون بالرجل ويطلبون منه قول لا إله إلا الله ثم يقتلونه، يأتون بغير المسلمين يطالبونهم بالشهادتين فيقولونها ثم يقتلونهم.. وهذا كله بخلاف النصوص "فان قالوها فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم ......".. الحديث..
لكل هذه الأسباب وغيرها مما لم نذكره لايعتبر ما يجري فى بلاد المسلمين هذه الايام من القتال لا يعتبر جهادا شرعيا ولايعتبر أصحابه مجاهدين مهما توهموا وزعموا، إنما هو إرهاب وأصحابه إرهابيون..


الجريدة الرسمية