رئيس التحرير
عصام كامل

ماك شرقاوي : قوة مصر الدبلوماسية ستمكنها من حسم قضية سد النهضة سلميا

الدكتور ماك شرقاوي
الدكتور ماك شرقاوي

أكد الدكتور ماك شرقاوي، المحلل السياسي، والمتخصص في شئون الشرق الأوسط، أن المقارنة بين حجم المياه في كل من مصر وإثيوبيا، هي مقارنة غير عادلة. 


وأوضح الدكتور ماك شرقاوي، خلال بث مباشر من العاصمة الأمريكية واشنطن مع مبادرة Let Nile Flow، أن إثيوبيا يسقط عليها ما يزيد على 960 مليار م3 من الأمطار سنويا، بينما يسقط على مصر فقط 1.5 مليار م3، كما أن إثيوبيا لديها 12 حوضا نهريا إحداها نهر النيل، بينما مصر ليس لديها سوى نهر النيل فقط.


وأشار شرقاوي، إلى الجهود الضخمة التي تبذلها الدبلوماسية المصرية تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي في هذه القضية، موضحا أننا نحتاج إلى دعم قضيتنا بقوة داخل الكونجرس.


وحول إذا ما كانت الانتخابات الأمريكية ستلقي بظلالها على سير المفاوضات، ألمح إلى أن الانتخابات الأمريكية هي لعبة سياسية، وحتى إذا كان لدينا تغيير في السياسة الأمريكية، ومهما كان من سيفوز أو سيأتي إلى البيت الأبيض، فإنه سيكون داعما لمصر لأنها قضية عادلة.

 

وأكد المحلل السياسي، أن مصر لديها الكثير والكثير من القوة والقوى الدبلوماسية التي تستطيع استخدامها، وأن مصر لديها قوة المعاهدات الدولية، وهذا ما يدفعها لعدم استخدام القوة العسكرية، في هذه القضية، قائلا: "أستطيع أن أؤكد وبقوة أنه لن تكون هناك مواجهة عسكرية بين مصر وإثيوبيا في هذه القضية، وسيتم حلها من خلال الدبلوماسية، أنا متفائل جدا لذلك".


وقال الدكتور ماك شرقاوي، إن الولايات المتحدة لديها علاقات قوية مع مصر وإثيوبيا، ونعم إدارة الرئيس ترامب تدعم مصر في هذه القضية، لأنها عادلة بالنسبة لمصر، ولكن إدارة الرئيس الأمريكي أيضا لديها علاقات مع إثيوبيا، باعتبارها أكبر دولة في القرن الأفريقي.


وتابع أن ما تفعله الولايات المتحدة لا تضغط على دولة مقابل دولة، ولكنها تحاول إحداث التوازن في القارة الأفريقية، وبين دول القارة، وهذه هي لعبة السياسة، وعلى سبيل المثال، الصين لها استثمارات ضخمة مقدرة بمئات المليارات من الدولارات في أفريقيا، وكذلك روسيا وفرنسا وإيطاليا، فلعبة السياسة في أفريقيا هي لعبة توازنات، وهذه التوازنات تلقي بظلالها في علاقات هذه الدول الكبرى مع دولة بحجم وقوة مصر في المنطقة.


وأوضح المحلل السياسي، أن هذه المفاوضات يجب الوصول فيها إلى اتفاق إلزامي مع إثيوبيا، بتطبيق البنود التي سيتم الاتفاق عليها، وذلك لأن إثيوبيا لديها تاريخ سيئ في إدارة المياه على نهر الأومو وبحيرة تركانا، مع كينيا والصومال، أدت إلى كوارث.

 

وتابع، أن هذه الأفعال وهذا التاريخ يلقي بظلاله على سير المفاوضات بالطبع، فضلا عن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، أمام برلمان بلاده، عندما أخبر أنه يستطيع حشد الملايين لمواجهة القوى المسلحة، رغم حصوله على جائزة نوبل للسلام!

 

وأكد المتخصص في شئون الشرق الأوسط، أن مصر لن تدخل في صراع مع إثيوبيا، إذا وضعت إثيوبيا في اعتبارها أننا في منطقة واحدة، وأن لدينا نفس المصير، وأنه يجب أن ننشر السلام بيننا وفي المنطقة، وإذا آمنا بذلك، يمكن أن تستفيد إثيوبيا من الخبرات المصرية في توليد الكهرباء، مخاطبا الأشقاء في إثيوبيا: "نحن لا نريد استعماركم، لا نريد سوى نشر السلام والتعاون بيننا وبينكم".

 

وأشار الدكتور ماك شرقاوي، إلى أن قوانين الأنهار الدولية للأمم المتحدة لعام 1997، تدحض ما تروجه إثيوبيا عن أمور تتعلق بسيادتها على نهر النيل، لافتا إلى أنه وفق القانون الدولي، فإن جميع الدول لديها نفس حقوق السيادة على النهر المشترك.

 

وقال إن ما تفعله الإدارة الإثيوبية أنها لا تخبر الشعب بالحقيقة، وهذا يجب ألا يكون، أفريقيا يجب أن تكون قوية، لافتا إلى أن هذا ما فعله الرئيس عبدالفتاح السيسي، عندما كانت مصر رئيسا للاتحاد الأفريقي، ويمكن أن نرى ذلك بوضوح، فقد قادت مصر العديد من المحافل الدولية لدعم الدول الأفريقية، ودعمت العديد من الأنشطة والمشروعات في أفريقيا، لتنمية الدول الأفريقية كافة دون استثناء، فكيف يعقل أن مصر تريد إلحاق الضرر بإثيوبيا أو أنها لا تريد أن تحقق مصالحها في التنمية، هذا غير حقيقي.


وخاطب الشعب الإثيوبي قائلا: إنه يجب على الشعب الإثيوبي أن يعي أن مصر دولة أفريقية، يجب أن يعي أن مصر ليست ضدهم أو ضد تنميتهم"، متابعا: "كما أن عليهم أن يعلموا أن مصر لن تعاني كذلك".

وأشار إلى أن الخطاب الموجه للشعب الإثيوبي يجب أن يعي أن هذه المياه ليست مياها إثيوبية، ولكنها مياه أنزلها الخالق، وهي مياه دولية، تعبر الحدود، وتعتمد عليها مصر والسودان، معاودا خطابه للإدارة الإثيوبية: "لا تلعبوا بالنار، اجلسوا وتفاوضوا لنصل إلى اتفاق عادل، تريدون توليد الكهرباء، نعم يمكنكم فعل ذلك، انتهوا من الاتفاق مع مصر وستولدون الكهرباء".


وعن بناء سد النهضة، أوضح الدكتور ماك شرقاوي، إنه تم الإعلان عن تركيب 16 توربينا لتوليد الكهرباء، لافتا إلى أنه وفق الدراسات لن تستطيع إثيوبيا توليد هذه الكمية من الكهرباء التي أعلنت عنها، متسائلا: "فلم إذن تحتاج لكل هذه التوربينات؟"، فضلا عن أن معامل أمان السد ضعيف جدا، وهو يشير إلى مخاطر انهياره بسب الطبقة الصخرية التي بني عليها السد، مؤكدا أن هذا السد لديه العديد من المشكلات الفنية، قائلا "في رأيي.. هذا السد تم بناؤه لينهار!".

 

وأوضح سبب اعتقاده بأن هذا السد تم إنشاؤه لينهار، أنه إذا تم رسم خط على خريطة إثيوبيا من الشمال إلى الجنوب، سيكون الجزء الأيمن جيد للزراعة وتنفيذ العديد من مشروعات التنمية، ولكن الجزء الأيسر بسبب طبيعته الجغرافية، سيكون غير صالح لتنفيذ مثل هذه المشروعات، وبالتالي إذا كانت إثيوبيا تريد التنمية، كان من الأفضل لها أن تبني هذا السد بالقرب من بحيرة تانا مثلا، وسيكون في هذا الموضع مناسبا لتوليد الكثير من الكهرباء، وسيكون متاحا لاستخدام المياه التي سيختزنها للزراعة، وبالتالي فليس هناك حاجة إلى بنائه في منطقة بعيدة جدا.


وتابع، لماذا تبني سدا بهذا الحجم بالقرب من الحدود السودانية؟، لماذا اختيار هذه المنطقة بعينها؟، لماذا لم تختر أرضا ثابتة ليست على فالق لبنائه؟، لافتا إلى أن إثيوبيا يجري على أراضيها 11 نهرا أخر غير النيل الأزرق، تستطيع استخدامهم لتوليد الكهرباء، وبتكلفة أرخص من بناء هذا السد، كما أنه إذا كنت تريد بناء السد لتوليد الكهرباء، فأين هي البنية التحتية، وشبكة النقل التي نفذتها لنقل هذه الكهرباء من خلالها، يجب أن تكون لدى المجتمع الدولي هذه الرؤية. 

 

وقال: إن إثيوبيا أعلنت البدء في ملء بحيرة السد في أول يوليو، ثم تراجعت وقالت بعد أسبوعين، متسائلا: "كيف يمكن تخزين المياه، وأنت لم تنتهِ بعد من تجهيز بحيرة السد لاستقبال المياه؟!".


وحول اعتقاده في نجاح وساطة الاتحاد الأفريقي في الوصول إلى اتفاق عادل لملء وتشغيل سد النهضة، قال إنه غير متفائل بنجاحها، معللا أسباب عدم تفاؤله، بأن رئيس الوزراء الإثيوبي أعلن بعد 48 ساعة من لقاء رؤساء وقادة الدول الثلاث مع رئيس الاتحاد الأفريقي، أنه سيملء السد خلال أسبوعين، منوها، أن ذلك لم يكن بداية جيدة.

 

وفي السياق ذاته، أوضح أن مجلس الأمن يعطي حاليا الفرصة للاتحاد الأفريقي للوصول إلى حل في القضية، والخروج باتفاق عادل يرضي جميع الأطراف، إلا أنه إذا لم تنجح وساطة الاتحاد الأفريقي، ستعود القضية من جديد إلى مجلس الأمن، متأكدا أنه من المتوقع ألا يتم ملء السد إلى بعد اتفاق. 

 

وأشار المحلل السياسي، إلى أن زيارة الرئيس الإريتري، لها العديد من الدلالات الدبلوماسية، لافتا إلى أن الدبلوماسية الدولية لا تعرف اللون الأسود أو الأبيض، ولكنها دائما تقع المنطقة الرمادية، فالدبلوماسية تعتمد على من سيقف بجانبك، من سيدعمك، من سيساندك، قائلا: "لا أريد التحدث عن عصور سابقة ابتعدنا فيها عن أفريقيا، ولكنه كان قرارا خاطئا، ويبدو أنه كان عملا لعزل مصر عن أفريقيا"، وتابع: "إلا أن مصر عادت من جديد إلى أفريقيا مع قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي". 


وقال إن مصر داخل مجلس الأمن لديها دعم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا، إلا أن الصورة لا تزال غير واضحة بالنسبة للصين.
وأشار الدكتور ماك شرقاوي، إلى أهمية تكوين مجموعات للضغط "لوبي" داخل الولايات المتحدة، للضغط ولتوضيح الرؤية المصرية، سواء في هذه القضية أو في قضايا أخرى، قائلا: "لا أطلب أن تفعل ذلك الحكومة المصرية، أو أجهزة الدولة المصرية، ولكن يجب أن يفعل ذلك المستثمرون ورجال الأعمال في مصر، أن يساعدوا في إنشاء وتكوين مجموعات للضغط في الولايات المتحدة، على غرار ما تفعله دولا أخرى، منها على سبيل المثال إثيوبيا، فالدبلوماسية الدولية لا تعرف الحب والكره، ولكنها تعرف المصالح المتبادلة، والاهتمامات بين الدول.

 

وتعجب الخبير في شئون الشرق الأوسط مما يروج له "اللوبي الإثيوبي" في الكونجرس الأمريكي، من ادعاءات بأن مصر تريد استعمار إثيوبيا، قائلا: "كيف يفكرون كذلك؟!"، لافتا إلى أن المصريين يحتاجون على الأقل 100 مليار م3، على الأقل، للوصل إلى نصيب فرد من المياه تقترب من حد الفقر المائي المحدد عالميا، في وقت تبلغ فيه حصة مصر التاريخية من مياه النيل 55.5 مليار م3، وهي حصة ثابتة منذ أن كان تعداد المصريين نحو 20 مليون نسمة، لافتا إلى أن هذه كارثة، إلا أن إثيوبيا مازالت تساوم مصر على هذه الحصة الصغيرة، وهذه كارثة أخرى.

وألمح إلى خطط مصر قصيرة وطويلة الأجل التي وضعتها، لتنمية مواردها والحفاظ عليها، موضحا انتهاج الدولة المصرية لأسلوب الري الحديث، وبرامج تطوير الري الحقلي، لاستخدام مياه أقل، كما أصدرت الدولة قرارات بالحد من زراعة المحاصيل الشرهة للمياه، مثل الأرز.


وأشار إلى خطاب الرئيس السيسي في الأمم المتحدة، واصفا الخطاب بأنه كان رائعا، خاصة عندما قال إن المياه النيل بالنسبة لمصر "مسألة حياة"، ولم يقل إنها مسألة مميتة، ولم يلوح في خطابه لاعتداء أو حرب.


وعاد ليؤكد للشعب الإثيوبي، والإدارة الإثيوبية: "لا نريد إلحاق الضرر بكم، لا نريد استعماركم كما تروجون، كل ما نريده هو أن نتعاون معكم لتحقيق التنمية والسلام"، مؤكدا أنه إذا وضع الإثيوبيون ذلك في اعتبارهم، سنصل لنقاط اتفاق عديدة، فمصر لم تؤذِ أي دولة أخرى، ولم تعتد على أي دولة من قبل.


وأوضح الدكتور ماك شرقاوي، أن هناك فرصة لفريق التفاوض المصري، وهناك فرصة للمفاوض المصري أن يضيف العديد من الملفات الهامة إلى القضية، مشيرا إلى أنه يمكننا الوصول إلى محكمة العدل الدولية، ومصر تعلم كيف تفعل ذلك، على غرار ما فعله المفاوض المصري الذي استطاع استعادة طابا. 
وأكد أن كل القوانين الدولية، تؤكد عدم الإضرار، وإذا لجأت مصر إلى القانون الدولي ستفوز، وإذا لجأت مصر إلى محكمة العدل الدولية ستفوز، وإذا وصلنا إلى الأمم المتحدة ستفوز مصر.


واختتم حديثه قائلا: "الإثيوبيين رائعون، يجب أن تصلهم الحقيقة، نحن أفارقة، يمكن أن نكون في هذا معا، لا تريد مصر احتلالكم ولا تريد استعماركم، ولكن نريد أن نتعاون سويا لتحقيق التنمية المشتركة". 


وأشاد الدكتور ماك شرقاوي بحلقات البث المباشر باللغة الانجليزية التي أطلقتها مبادرة  Let Nile Flow، مشددا على دور الإعلام ومثل هذه المبادرات في مخاطبة العالم الخارجي، لدحض الافتراءات التي يتم الترويج لها داخل وخارج إثيوبيا، قائلا: "أنتم تقومون بعمل عظيم".


وتعد مبادرة Let Nile Flow أول حملة إعلامية، تصدر في ٤ لغات (العربية - الإنجليزية - الفرنسية - السواحيلية)، أسسها مجموعة من شباب الصحفيين المصريين، لدعم جهود الدولة المصرية، في قضيتها العادلة تجاه ملف المياه، ولتأكيد الالتفاف الشعبي خلف الدولة المصرية، وفريق التفاوض المعني بملف سد النهضة.

 

كما تهدف الحملة إلى تفنيد الادعاءات والرد على المزاعم الإثيوبية، تجاه قضايا المياه في مصر، من خلال معلومات موثقة من مصادر وجهات محلية وعالمية رسمية.

الجريدة الرسمية