رئيس التحرير
عصام كامل

حفيد صاحب "الجمجمة 5942" يحكي بطولات جده المصري في صفوف المقاومة الجزائرية

صاحب الجمجمة 5942
صاحب الجمجمة 5942 المناضل المصري موسى بن الحسن المصري

 

مساء الجمعة الماضي، وقف موساوي محمد واثنين من أشقائه، داخل دار الثقافة بالعاصمة الجزائرية الجزائر، لاستقبال جمجمة جده المناضل المصري موسى بن الحسن المصري الدرقاوي، المولود بمدينة دمياط، والذى استردت الجزائر قبل 3 أيام جمجمته مع رفات 24 جزائريا من شهداء المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي، كانت فرنسا نقلتهم الى أحد متاحفها فى العاصمة باريس قبل ما يقرب من 170 عاما.


 

شريط طويل من الذكريات مر أمام أعين الحفيد، حكايات الأب والأعمام عن الجد الذي أذاق الفرنسيين كل صنوف العذاب، رحلته من بلده الأم مصر الى الجزائر بلد المليون شهيد، مسيرته الطويلة فى صفوف المقاومة الجزائرية، وتفاصيل إنسانية أخرى ما زالت عالقة في ذهن أحفاده.



في ساحة مطار هواري بومدين، وبينما كان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، وكبار رجال الدولة ينتظرون وصول الرفات على احدى الطائرات القادمة من باريس، كان شعور كبير بالفخر والاعزاز يسيطر على "موساوي" هو وجميع أفراد أسرته، الذين أكملوا رحلة نضال جدهم المصري فى الجزائر:"شعور لا يوصف وفرحة لا مثيل لها أن تقف تستلم رفات جدك المناضل الذي يعرف الجزائريون جميعا قدره، كانت واحدة من أعظم لحظات حياتي شعرت وكأنه يوم عيد لنا ولجميع أفراد أسرة المناضل المصري موسى بن الحسن المصري الدرقاوي، ابن مدينة دمياط" .


بعد يومين من استلام السلطات الجزائرية "الجمجمة 5942" نظمت مراسم استقبال جنائزية رسمية لها مع بقية رفات ال 24 شهيدا من أبطال المقاومة ، بعدها نقلتها جميعا إلى قصر ثقافة "مفدى زكريا" لتمكين المواطنين من إلقاء النظرة الأخيرة عليها، قبل أن توارى الثرى، أمس الأحد، في مربع الشهداء بمقبرة العالية بالجزائر العاصمة:" الحضور كان كبير جدا من الشعب الجزائري، مئات الجزائريين قدموا من كل حدب وصوب يلقون نظرة أخيرة على أبطالهم وعلى من ساهموا فى تحرير الجزائر من الاستعمار، كانت لحظات تاريخية بكل تأكيد" .

 



أسئلة كثيرة تقف بلا إجابة حول رحلة ابن مدينة دمياط الى الجزائر، كيف سارت؟ وكيف ومتى انضم الى صفوف المقاومة؟ ولماذا لم يفكر هو أو أي من أبنائه وأحفاده فى العودة من جديد إلى الوطن الأم مصر؟، أسئلة يجيب عنها الحفيد قائلا:" سيرة جدي بدأت فى مدينة دمياط منذ مولده أوائل القرن التاسع عشر، فقد عاش يتيما بعد أن مات والده وهو طفل صغير، وتولى جده شئون تربيته، كانت طفولة صعبة كما حكى لوالدي وأعمامي، لكن الأمور سارت ومضى قطار الحياة، إلا أن حدثا صحيا خطيرا كان سببا فى تغيير مجرى حياته، ففى مرحلة الشباب هاجمه مرض خبيث فى رأسه، ونصحه البعض بطلب العلاج فى بلاد الشام وتحديدا فى سوريا، هناك فى دمشق قضى ما يقرب من العام، بعدها توجه الى تركيا وهناك تم تجنيده ضمن الفرق العسكرية العثمانية فى مدينة القسطنطينية، ومن هناك نقل الى الجزائر ضمن كتيبة عسكرية، لكنه لم يتحمل الأوضاع وفر هاربا الى تونس، قبل أن يعود مرة أخرى الجزائر ولكن هذه المرة مستقلا بعيدا عن سلطة الجيش العثماني".


الشيخ بوبكر أحد أبناء المناضل المصري

 

فى أيامه الأولى بالجزائر عكف المناضل المصري على دراسة العلوم الشرعية، وتلقاها على يد أحد الشيوخ المعروفين فى مدينة الأغواط، وحظى بحسن استقبال من أهالي المنطقة التى اختارها سكنا له، والتى اليها نقل فيما بعد الطريقة الشاذلية الصوفية، ولحسن سيرته وطيب معشره منحه أهالي المدينة أراضي وبعض الحدائق بل وبنوا له زاوية كان يقيم فيها الصلاة ويلقي دروسه الدينية، بعدها ذاع صيته، ووصلت شهرته الى مدن جزائرية أخرى كان من بينها "مدية" التي انتقل إليها فيما بعد.  



قضى موسى بن الحسن المصري 18 عاما من حياته فى قتال الفرنسيين فقد انخرط فى صفوف المقاومة فى بداية عام 1831  ، بدعوة من الشيخ بوزيان أحد كبار أعوان الأمير عبد القادر الجزائري.

وعن بداية نضال جده يحكى موساوي:" فى تلك الفترة اشتدت المواجهات بين جنود الاحتلال ورجال المقاومة الجزائرية وفى مقدمتهم الأمير عبدالقادر الجزائري أحد أعلام النضال فى الجزائر، وكلف الأمير الشيخ بوزيان بالتواصل مع مشايخ الطرق الصوفية للمشاركة فى مقاومة الاحتلال وكان جدي أحد الشيوخ الذين اتصل بهم بوزيان، ورحب على الفور بالانضام الى صفوف حركات المقاومة وأقنع مئات من شباب قبيلة نائل بالانضمام إليه".



كان المناضل المصري موسى بن حسن الدرقاوي خطيبا مفوها، وكانت خطبه ضد الاستعمار الفرنسي تلهب حماس الجزائريين، وكان دائما يوصى مريديه وأتباعه بالمقاومة في الأغواط والجلفة مرورا بسيدي مخلوف ومسعد والشارف والإدريسية.
وعقب انضمامه الى صفوف المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي،  انتقل ابن مدينة دمياط الى مدينة مسعد شمال الجزائر، ومن هناك تفرغ تماما للمشاركة فى ثورة "الزعاطشة" التى كان يجهز لها الأمير عبد القادر، يحكى الحفيد:" استمر جدي فى حربه ضد الفرنسيين الى أن نجحت قوات الاحتلال فى نهاية عام 1849 فى تحطيم بيت الشيخ بوزيان على من فيه وكان بينهم الشيخ موسى بن الحسن المصري الدرقاوي، ولشدة مقاومته واشتراكه فى كثير من العمليات التى أودت بحياة مئات الفرنسيين أصر القائد الفرنسي على الانتقام من جدي وأمر بقطع رأسه مع الشيخ بوزيان وتعليقهما على احد أبواب مدينة "بسكرة"، وبعدها تم نقل الجمجمة الى متحف الانسان بالعاصمة الفرنسية باريس وظل هناك لفترة تقترب من ال 170 عاما الا أن تكللت جهود الحكومة الجزائرية بالنجاح وعادت الجمجمة الى البلد الذي احبه ومات من أجله".



موساوي محمد حفيد المناضل المصري ابن مدينة دمياط 

 

رغم مرور عشرات السنين على هجرة الشيخ موسى من مصر الى الجزائر، واستقراره هناك هو وابنائه واحفاده جرت محاولات للتواصل مع الأهل فى مصر لم يكتب لها النجاح:"حاولنا أكثر من مرة الوصول الى أهلنا فى مصر فى مدينة دمياط لكننا لم ننجح فى ذلك ، بطبيعة الحال جدي ترك أهله منذ ما يقرب من 200 عام ، ووسائل الاتصال وقتها لم تكن متقدمة، وحتى الآن لم نتعرف الى أعمامنا فى مصر لكننا مستمرون فى البحث عنهم"



الجريدة الرسمية