رئيس التحرير
عصام كامل

مصر بعد كورونا.. أساتذة الإعلام يطالبون بتجديد الخطاب الإعلامي.. تقديم رسالة يفهمها الجميع ضرورة.. ومواجهة الشائعات الأهم

فيتو

تدريجيًا.. تعود الحياة إلى طبيعتها المفقودة. أكثر من مائة يوم مرت على غزوة "كورونا" إلى مصر. الشلل التام اجتاح جميع المجالات والقطاعات. ما حدث في مصر حدث ولا يزال يحدث في العام. وبالتزامن مع الغزو الكورونى.. تفاقمت أخطار وتحديات جسيمة في الداخل والخارج كانت ولا تزال الشغل الشاغل لصانع القرار.

 

 

تحديات

 

في ليبيا عدو يتربص ولا يريد الخير لأم الدنيا. وفي أديس أبابا.. يتآمر القوم على الأمن المائي المصري. وها هي الحياة الطبيعية تعود إلى الشارع المصري، حتى تعود الدماء إلى الأوصال المتجمدة في القطاعات الاقتصادية، فما أكثر من فقدوا وظائفهم ومصادر رزقهم بسبب الفيروس الصيني القاتل.

 

عاد المصريون إلى الحياة وعادت إليهم الحياة، ولكن في ظل تدابير وإجراءات احترازية لا بد منها، حتى لا نعود إلى نقطة الصفر. ولعل الحياة بعد كورونا تختلف جذريًا عن الحياة قبلها؛ لذا فإن الرهان على وعي المصريين لا يزال قائمًا ولا بد أن يكون رابحًا.

 

وعى المصريين لا يجب أن يكون مرتبطًا بالخوف من كوفيد 19 فحسب. نعم الخوف على الحياة فرض عين، ولكن الخوف على الوطن يكاد يكون من مقاصد الأديان. تحتاج مصر الآن وأكثر من أي وقت مضى إلى حالة من الوعي الشامل، الوعي بأخطار جائحة غاشمة، والوعي بضرورة البناء لتعويض ما فقدناه خلال نحو أربعة شهور، الوعي بأعداء حقيقيين يتربصون بوطن بأكمله، يهددون أمنه القومى وأمنه المائى، ويساعدهم في الداخل أذرع شيطانية لا تخشى في الله وفى الوطن لومة لائم. الوعى بخطاب إعلامي يجمع ولا يفرق، يبني ولا يهدم.

 

مصر تواجه معارك حقيقية تتطلب اصطفافًا وطنيًا خالصًا، لا يعرف المساومة ولا الانتهازية.. وفى هذا الملف.. تنكأ "فيتو" بعضًا من الجراح، وتفتح كثيرًا من المسكوت عنه، ففى مثل هذه المحن.. يكون الصمت خيانة، والتغافل إهدارًا للأمانة.. 
 
الخطاب الإعلامي


على المستوى الإعلامي، يقول الدكتور حسن عماد مكاوي عميد جامعة القاهرة السابق: إن الرسالة الإعلامية لابد أن تكون موجهة أكثر الفترة القادمة، بحيث تكون مقتصرة على الفرد وليس الجماعة، ليكون تأثيرها أكثر فاعلية على المستقبل.

 

وتتناول نصائح بالإجراءات الاحترازية التي تتماثل في "تباعد اجتماعي وارتداء الكمامة واستخدام المطهرات بصفة مستمرة غسل اليدين"، كما ينبغي أن تركز الرسالة الإعلامية على أن عودة الحياة ورفع حظر التجوال ليس معناه انحسار الوباء ولكن جاء ذلك لإعادة دوران عجلة الاقتصاد وتعويض الخسائر التي كبدتها الفترة الماضية.

 

 

رسالة تصل للجميع

 

وأوضح "مكاوي" أن نسبة الأمية بين المصريين مرتفعة، ويجب أخذ ذلك في الاعتبار عند تصميم الرسالة الإعلامية، كما أن هناك عدم إدراك من بعض المواطنين لواقع الأزمة، لذلك يجب تنبيه الشركات وأصحاب العمال إلى ضرورة الاهتمام بتوعية عمالهم وإجبارهم على اتخاذ الإجراءات الوقائية وبتطبيق ذلك ستصبح تلك الإجراءات عادة لدى العامة.

 

كما ينبغي على وسائل الإعلام التركيز على العمالة غير المنتظمة وتوجها اهتمام كبير لها وتصميم الرسائل الموجهة لها بما يتلائم مع وعي أصحابها وأفكارهم، والتركيز على أن المرض بالفعل قدر من الله ولكن "إعقلها وتوكل" وهناك فرق كبير بين التوكل والتواكل.

 

وذكر "مكاوي" أن وسائل الإعلام التي لابد من التركيز عليها الفترة القادمة التليفزيون والإذاعة ومواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة أن الرسائل الإعلامية في تلك الفترة تصل للمستقبل وفقا لنظرية الاتصال على مرحلتين أو مراحل متعددة، بمعنى أنها تنتقل من المواطن الواحد لأكثر من مواطن آخر، وهذا النوع من الاتصال له دور كبير في توصيل الرسالة بطريقة فعالة ومؤثرة.

 

 

الترغيب


أما عن الأسلوب المفترض استخدامه في الرسالة الإعلامية فأكد أنه يفضل استخدام استمالة الترغيب أكثر بكثير من الترهيب، بزيادة الحافز لدى الشعب والبعد عن ذكر الجوانب المأساوية وقصص إنسانية للمصابين، مشيرا إلى أن التهويل في استخدام استمالة التخويف يأتي في كثير من الأحيان بنتائج عكسية ينتج عنها مزيد من الاستهتار.

 

وعلي الجانب النفسي، يقول أنور حجاب أستاذ علم النفس، أنه ينبغي على الإعلام أن يركز الفترة القادمة على الكلمات والألفاظ غير المتكررة والتنوع في طريقة عرض الرسالة، وتبسيطها بحيث يستطيع الأمي إدراكها، والتشبه بالأمثال والتأكيد على أن بعض دول الخليج تضاعفت فيها عدد الإصابات بصفة كبيرة بعد رفع الحظر لعدم وعيهم الكافي بأن عودة الحياة لطبيعتها ليست دليلت على وقف تفشى الفيروس لكنه ما زال مستمرا وأن قانون الحياة مضطر للعودة مرة أخرى.

 

القصص الإنسانية

 

وأوضح حجاب أن القصص الإنسانية لها تأثير على جذب انتباه قطاع كبير من المجتمع، كما أنها تؤثر على عاطفة المتلقي، ولها دور كبير في تغيير السلوكيات، كما يجب وضع الأمور في وضعها الطبيعي بعيدا عن التهويل أو التبسيط والوقوف على الحقيقة بشكل جدي، والاعتماد أكثر على المعلومات الدقيقة التي يحصل عليها الإعلام من الجهات الرسمية واسناد المعلومات لمصادرها المختصة بما يزيد من مصداقيتها، ليدرك المجتمع خطورة الوضع الحالي.

 

ويزيد من درجة الوعي الفردي والمجتمعي لتفادي أكبر خسائر ممكنة، في المقابل ينقل الإعلام عدد الحالات التي شفيت من الفيروس وهي أعداد كبيرة لترسخ الأمل في قلوب الناس، وبذلك يكون قد أدي الإعلام مهمته على أكمل وجه. 

 

مواجهة الشائعات


قال الدكتور محمد المرسي، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة: إنه في ظل ما تواجهه مصر من تحديات متعددة سواء في مواجهة انتشار فيروس كورونا أو مواجهة الشائعات والأبواق الإعلامية الممولة والمغرضة أو مواجهة الفكر الإرهابي المتطرف أو التحديات الاقتصادية على المستوي المحلي والدولي.

 

فإن كل هذه التحديات تستدعي اصطفاف وطنيا ودعما لما تقوم به الدولة لما تتخذه من إجراءات لمواجهة هذه التحديات، مشيرا إلى أن مؤسسة الإعلام هي إحدى المؤسسات المهمة التي يمكن أن تقوم بدور فاعل ومؤثر لتحقيق الاستقرار والتنمية المنشودة للوطن والمواطن.

 

وذلك من خلال خطاب إعلامي يتوافق ويتسق بفكر وتخطيط ورؤية لمواجهة هذه التحديات لتحقيق الاصطفاف الوطني المطلوب في هذه المرحلة.

 

وأكد أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة في تصريحات خاصة لـ«فيتو»، أن مصر تواجه الكثير من التحديات التي تستوجب إعادة النظر في الخطاب الإعلامي، لذلك لابد أن يكون الخطاب الإعلامي أكثر تفاعلا وتناغما مع الخطاب السياسي خاصة في ظل التحديات والأزمات التي تمر بها مصر الأزمات.

 

وأشار إلى أن مهمة وسائل الإعلام تكمن في التوعية بالوباء والحد من التهويل والتهوين، مؤكدا أن الإعلام هو الوسيلة الأقوى والأسرع في نشر وإيصال الخبر والمعلومة، مطالبا الحكومة بتوحيد الخطاب الإعلامي في أزمة كورونا الحالية وذلك لتفادي أي تناقض بين تصريحات المسؤولين.

 

محاور الخطاب الإعلامي

 

وأشار إلى أنه يجب أن ينطلق الخطاب الإعلامي من ثلاث محاور أساسية وهي المحور الأول هو تقديم خدمة إخبارية متميزة تتسم بالتكامل والشفافية لنشر الحقائق بكل ما يحدث على الساحة وفي التوقيت المناسب حتى يرتبط المواطن بوسائله الإعلامية ولا يتجه لوسائل إعلامية مغرضة.

 

وتابع المرسي قائلا: إن المحور الثاني هو تكثيف دورها الأساسي في التثقيف والتنوير والخدمة العامة وأيضا نشر المعرفة من خلال التحليلات والتعليقات والآراء والخلفيات المعرفية لكافة الجهود التي تبذلها الدولة لعبور هذه التحديات ونشر المعرفة أيضا بالايجابيات والتركيز عليها وعرض السلبيات حال وجودها لكن بهدف البناء وليس بهدف الهدم.

 

وأضاف أن المحور الثالث هو الاهتمام بشكل أكبر بالتوعية في كافة المجالات لتحقيق الوعي العام لدى المواطن والذي يدفعه للمشاركة الفاعلة والمساهمة في بناء الوطن وأيضا الاهتمام بالتوعية في مجالات محددة أهمها الإرهاب والفكر المتطرف والشائعات وكيفية التعامل معها.

 

وأوضح الدكتور محمد المرسي أن لوسائل الإعلام دورا مهما خلال الفترة القادمة خاصة مع بدايات عودة الحياة الطبيعية وتخفيف بعض الإجراءات الخاصة بمواجهة فيروس كورونا وما يتبعه من أهمية التركيز على تنمية الوعي لدى المواطن لاتخاذ كافة إجراءات السلامة والالتزام بما تتخذه الدولة من إجراءات وفقا لطبيعة المرحلة، وهو ما قامت به وسائل الإعلام فعليا خلال الفترة الماضية، واستحقت إشادة الجميع بها وهو أيضا ما يستدعي استمرارية قيامها بهذا الدور التوعوي الفاعل بشكل مكثف وأكثر تركيزا خلال الفترة الصعبة المقبلة.

فيما قالت الدكتورة رشا سمير، أستاذ الإعلام والعلاقات العامة: إن مصر تواجه في الفترة الحالية مجموعة من التحديات سواء من الجبهة الداخلية أومن الجبهة الخارجية، وهذا يلقي عبء كبير على وسائل الإعلام>

 

الهوية الوطنية

 

وأكدت الدكتورة رشا سمير، أن مصر الآن في أمس الحاجة إلى خطاب إعلامي مهني يحافظ على الهوية الوطنية، والقيم والأخلاقيات الثابتة، مشيرة إلى أنه يجب تنقية الخطاب الإعلامي من مفردات الكراهية والحقد والتقسيم والتفتيت والعنف والاستقطاب، والتخلي عن الأخبار مجهولة المصادر، أو مجهولة المصادر، أو وهمية المصادر من الخطاب الإعلامي، فالدقة مقدمة على السبق في الخطاب الإعلامي.

 

وأشارت سمير أنه يجب أن يكون الخطاب الإعلامي خطابًا مهنيًا خالصا، لا خطابا يعبر عن شخصية مقدم الخبر، كما يجب مراعاة المسئولية في كل كلمة تكتب أو تقال عبر وسائل الإعلام، وكذلك يجب تحليل مضمون الخطاب الإعلامي بشكل دوري، مع وجود آليات لقياس أثر الخطاب الإعلامي على الجمهور وخاصة الوسائل الإلكترونية، للوقوف على مكامن الضعف والقوة والصواب والخطأ فيه باستمرار، وذلك لتصويبه أولًا بأول وفقًا لمقتضيات المرحلة التي نمر بها.

 

وأوضحت أنه يجب أن يبنى الخطاب الإعلامي في الوقت الحالي على خطة إستراتيجية وإعلامية واضحة ومحددة، وليس خطابا عشوائيا، ويكون الهدف الأساسي للخطاب الإعلامي هو زيادة الوعي لدى جموع الشعب وحثهم على الاصطفاف إلى جانب الوطن ونبذ الضغائن والمصالح الشخصية، مؤكدة أن الوطن يحتاج من الجميع الوقوف وقت الشدة، ومن المؤكد أنه باصطفافنا جميعا بجانب بعض سنعبر بالوطن من هذه المرحلة العصيبة إلى بر الأمان.


فيما قالت الدكتورة لارا عبدالوهاب: إنه يجب أن يكون الخطاب الإعلامي خلال الفترة القادمة في حالة توحد؛ وذلك لأن مصر في حالة حرب جديدة وهي ليست حرب أسلحة ومعدات ثقيلة فقط إنما هي حرب نفسية شديدة جدا وحرب شائعات وتخوين تهدف إلى تقسيم الوطن وفئاته المختلفة للعب على وتيرة حروب الجيل الخامس، لذلك يجب على جميع الصحف الاصطفاف نحو هدف واحد فقط وهو مصلحة مصر.

 

وأكدت لارا عبد الوهاب، أن الإعلام في الأزمات يعتبر هو السلاح الأكثر فاعلية وتأثيرها في عدد كبير من المواطنين، مشيرا إلى أن الإعلام البديل أصبح له تأثير فعال في تحريك الموازين وفرض سيطرته، لذلك أصبح لزاما على من يتعاطون مع الإعلام بكل ألوانه ضبط خطابهم وتوحيد حتى لا يتم الترويج للأكاذيب وإحراج القيادة السياسية، وأشارت إلى أن ضبط الخطاب في الإعلام المرئي والمقروء يجب أن يمتد لمنصات التواصل الاجتماعي أيضا، التي يستخدمها الكثيرون في توصيل رسائله، والتي قد يتم أساء استخدامها لتشويه مصر.

 

موضحة أنه يمكن أن يكون بعث رسائل بطرق غير مباشرة مثلما حدث في القمة الأفريقية المصغرة وهي إرسال الرئيس عبد الفتاح السيسي برسالة غير مباشرة عن طريق لوحة قرآنية خلفه مكتوب فيها إن مع العسر يسرا، وعلي اليمين واليسار صورة النيل وهو ما يؤكد عدم تهاون مصر والسماح بأي ضرر يلحق بحق مصر في مياه النيل، وغيرها من القضايا التي يتم بعث الرئاسة برسائل غير مباشرة للجهة المضادة.

 

وتابعت قائلة: كذلك الدور الإعلامي الذي لعبته الدراما في إنتاج متميز، جعل الجميع يصطفون خلف القوات المسلحة وما تقدمه من خدمات وحماية للوطن وهو ما يعرف بالقوى الناعمة، مؤكدة أنه أفضل في الفترة الحالية هو إبراز قوة الدولة المصرية من خلال الصحف عن طريق على سبيل المثال التأكيد على قوة مصر العسكرية وأنها الدولة القوية وتواجه تحديات كبيرة للغاية، وأكدت أن مصر قد نجحت في تطبيق إجراءات الإصلاح الاقتصادي؛ لأن من أحد الأسباب القوية هو وقوف الصحف على اختلاف توجهاتها وهي الصحف القومية والخاصة والحزبية، خلف الحكومة المصرية وتأييدها.

نقلًا عن العدد الورقي...،

الجريدة الرسمية