رئيس التحرير
عصام كامل

مؤسسة أمريكية في ذكرى 30 يونيو: جماعة الإخوان كانت تسعى للسلطة بأي ثمن.. قدمت وعوداً مزيفة للسيطرة على المواطنين.. ومرسي فشل

مظاهرات 30 يونيو
مظاهرات 30 يونيو

المتأمل في مسارات مرحلة حكم الإخوان الخطرة في تاريخ مصر، يكتشف بجلاء جهل التنظيم بعلوم ‏الديمقراطيات الناشئة، التي تفسر وتشرح كيفية إدارة البلدان التي خرجت من الديكتاتورية ‏إلى الديمقراطية دون استعداد كامل يُمكن هذه الدول من إقامة مؤسسات ديمقراطية تحقق ‏طموحات الشعوب.

 

والغريب أن التوقيت الذي بدأت تنشط فيه الإخوان مع العديد من القوى الأخرى، للإطاحة ‏بالرئيس الأسبق حسني مبارك في بداية الألفية الثانية، كانت هناك مؤسسات سياسية عالمية ‏مهتمة بالتغيير السلمي في العالم، تناقش تحديات الديمقراطيات الناشئة، ولكن لم تلتفت ‏الإخوان ولا أي قوى معارضة أخرى لهذه التحديات الخطيرة قبل الإقدام على محاولة تغيير ‏السلطة وتعريض أمن وسلامة البلاد للخطر.

 

مدرسة كينيدي  

ويمكن القول إن أهم الذين طرحوا هذه التحديات آنذاك أساتذة في مدرسة كينيدي وهي مؤسسة دولية تخلد ‏اسم الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي، وتخصص بعض جهودها للإجابة على كل الأسئلة المثارة ‏تفصيليا منذ عام 2005‏‎.

 

وتقول دراسة "كنيدي" إن أي حزب أو تيار مدني يسعى للحكم في مرحلة ما بعد التغيير ‏بالدول، يحتاج بدلا من الغوص في سيناريو التمكين الذي سارعت إليه «الجماعة» لتحقق ‏حلمها التاريخي في سرقة الحكم وتحويل مصر إلى ذراع طولى للتنظيم في بسط مشروعه ‏العالمي، إلى التفكير في كيفية خلق مؤسسات راسخة لصيانة نزاهة وشفافية الانتخابات في ‏المراحل اللاحقة، وحتى يحدث ذلك يجب بناء وتعزيز مؤسسات حقوق الإنسان، ووضع ‏نواة لمؤسسات المجتمع المدني.

 

وتكشف ميريلي جريندل، أستاذة التنمية الدولية التي نشرت الكثير من البحوث حول هذه ‏القضية، أن أخطر ما يواجه الديمقراطية الناشئة عدم تحقيقها ما وعدت به، فأثناء الثورات ‏يفرط النشطاء والساسة في بيع ما يمكن توقعه من الديمقراطية وخاصة وعود التنمية ‏الاقتصادية والحرية الشخصية وحقوق الإنسان والمساواة، وهو ما فعلته الإخوان بالفعل، ‏لدرجة أنها أطلقت وعودا لتحقيق إنجازات خرافية بعد 100 يوم فقط من إنتخابهم.

 

وجاء ‏مرسي ولم يفعل شيئا إلا الفشل الذريع على كل المستويات، وتوضح جريندل أن الديمقراطية ليست دواءً لكل داء، وخاصة التنمية الاقتصادية، وتؤكد أن ‏هذا ما حدث في دول مثل كوريا الجنوبية وتايوان، حيث سبق الإصلاح الاقتصادي ‏الديمقراطية، وبالتالي كل الوعود الكاذبة التي أطلقها الإخوان في سبيل السيطرة على الحكم، ‏كانت تكشف عن قناع مزيف يريد السلطة بأي ثمن. ‏

 

مركز وايزر

مركز وايزر للديمقراطيات الناشئة، أطلق أيضا دراسة في نفس الوقت الذي كانت تخطط ‏الإخوان فيه للقفز على مقعد الحكم، وأكد أن المجتمعات التي استُهلكت في ماض استبدادي ‏يجب عليها أولا البحث عن صياغة عادلة للعلاقات الاجتماعية ‏التي توسع حكم الشعب حتى لاتتجنى على هذه الديمقراطية الوليدة أي من الفئات الشمولية ‏سواء كانت دينية أو حزبية، وتسوقها لصالحها، ما ينعكس على تهديد الديمقراطية نفسها، ‏وهو ما حدث بالحرف بسبب محاولة الإخوان اختطاف الثورة لصالحها.

 

ونظم المركز ندوة عالمية عام 2008 من وحي النشاط السياسي المكثف للإجهاز على السلطة في العديد من ‏البلدان ومنها مصر بعنوان"علم اجتماع الديمقراطيات الناشئة" وأشار فيها إلى ضرورة ‏الانتباه من الساعين الجدد إلى الحرية، لمعرفة كيفية صياغة المؤسسات الديمقراطية ‏وتطوير عدالة انتقالية وتوسيع الحريات والحقوق، إذا ما نجحوا بالفعل في مسعاهم لتغيير ‏أنظمة الحكم.

 

وشدد المركز إلى ضرورة التركيز في السنوات الأولى على تنمية ثقافة مسئولية الحرية في ‏المجتمع، حتى تصبح الديمقراطية لغة الجميع، وتعبر من خلالهم عن دولة تسعى لأن تكون ‏محل ترحيب من المجتمع العالمي.‏ هذا الحراك الشديد في المؤسسات العالمية التي سعت لنشر ثقافة الديمقراطية كان مواكبا ‏لنفس الفترة في منتصف بداية العقد الأول من الألفية الجديدة.

 

وقال: كل النشطاء الذين خرجوا ‏خارج مصر للتدرب على كيفية التحول الديمقراطي يعرفون ذلك بما فيهم شباب الإخوان، لكن التنظيم أدار ظهره تماما لتمكين كوادره من أي علوم من شأنها تطعيمهم بأدوات ‏الديمقراطية الحقيقية التي قد تقضي على القطط السمان في الجماعة، وعلى مشروعهم ‏الرجعي المتطرف لإدارة البلاد، إذا ما تمكنوا من حكمها.‏

 

واشار المركز الى تجاهل الإخوان التحديات التي تواجه الديمقراطية الناشئة في مصر بعد نجاح ثورة 25 يناير ‏عام 2011، وركزوا مع حلفائهم من التيارات الدينية على جعل "الصندوق" هو اللعبة ‏الوحيدة المسموح بها من كل منتجات الديمقراطية، التي تشترط عمل بيئة تعددية وتسامح وتنوير ‏وعقد اجتماعي "دستور" على مقاس الجميع وليس الأغلبية أو ما يحقق مصالح التيارات ‏الدينية فقط.

 

وأكد تجاهل الإخوان ماحدث في البلدان الناشئة وانهيار الديمقراطية فيها، رغم وجود العديد من ‏التجارب التاريخية المعروفة مثل تايلاند وفنزويلا، مرورا بالتراجع الديمقراطي في دول مثل ‏الإكوادور والمجر ونيكاراجوا والفلبين وبولندا وتركيا.

 

وقال المركز ان جماعة الاخوان حاولت الاستفادة من صعود الشعبوية والتفات بلدان كثيرة في العالم إلى الديمقراطية السيادية على الطريقة الروسية التي تعطي سلطات واسعة للرئيس، وحتى ‏تتجنب مخاطر الفوضى التي يمكن أن تعصف بالبلاد التي خرجت من الحكم الشمولي حديثا.

 

‏ولجأ مرسي لتحصين قراراته محتميا بجحافل من الإسلاميين الذي لا يفرق معهم إلا الرئيس ‏الذي يطلق لحيته ويصلي الفجر في جماعة وليذهب الجميع إلى الجحيم. ‏

 

تصرفات الإخوان التي كادت أن تدمر ما تبقى من مؤسسات في مصر، يمكن قياسها على ‏رأي الدكتور دانيال زيبلات، وهو أستاذ بجامعة هارفارد الأمريكية، فالرجل يرى أن ‏الاستقطاب الحزبي المكثف هو أحد مظاهر الانحلال في الديمقراطية الناشئة، خاصة إذا ما ‏بدأ الخصوم السياسيون في اعتبار بعضهم البعض أشد الأعداء بسبب تصرفات الحزب الحاكم ‏الجديد التي تنتهك المعايير الديمقراطية، ما يؤدي في النهاية إلى تآكل الديمقراطية نفسها ‏وتدميرها. ‏

 

واتبعت الإخوان نهجا متطرفا مع شركاء الثورة، وعندما وصلت إلى الحكم، واعتبرت نفسها ‏هي وأنصارها الإسلاميين مفوضين من الله لتسويق شعارات الدين والشريعة في كل فعالية ‏سياسية تحاول من خلالها ابتزاز المعارضة ومؤسسات القوة في مصر من جيش وشرطة ‏وقضاء، ما وضع البلاد على حافة الحرب الأهلية.

 

إجهاض الديمقراطية  

وبحسب "دانيال" هذه التصرفات تضرب الديمقراطية في مقتل، إذ ترفع من روح الانتقام ‏ومشاعر القسوة عند الجميع، فيصبح الاحتيال والعنف جزءًا من المعادلة السياسية، مايزيد ‏من رقعة الفقر والصراع وعدم المساواة، وهو ما حدث للبلاد خلال حكم الإخوان.

 

وقال دانيال: خلق التنظيم فراغا كبيرًا ولم يهتم ببناء مؤسسات حرة لملء الفراغ الناتج عن التغيير، ‏وسارع في تشويه الإعلام والصحافة وحاول إحياء الديكتاتورية من باب خلفي عن طريق ‏السيطرة على كل مؤسسات الحكم في البلاد.

 

ولفت الى ان الإخوان خنقوا أيضا أهم ممر لإنجاح الديمقراطية الناشئة في مصر وهي حرية التجمع والضغط من ‏أجل الإصلاح، وأطلقوا مليشياتهم تهاجم كل من يقول كلمة أو يتظاهر ضدهم، وسدوا كل ‏أبواب المعارضة السلمية ضدهم، التي كانت تسعى لتزويد المواطنين بخيارات سياسية، ولم ‏يعد هناك مفرًا من إسقاطهم عن الحكم.

 

وفي الوقت الذي أجمع غالبية علماء الديمقراطية الناشئة على أهمية وجود اقتصاد حر لإطلاق ‏العنان لإبداع المواطنين وخلق الرخاء والفرص والاستقلال الاقتصادي عن الدولة، أطلقت الإخوان ‏وأنصارها حملات لإمطار المصريين بفتاوى متشددة على فضائياتها المتطرفة للترويج لما يسمى ‏بالاقتصاد الإسلامي لإعطاء المواطنين المزيد من حقن التخدير بمشروعهم الوهمي، والاستعانة بهم في ‏حرب الاستقطاب ضد معارضيها.

 

و‏ رسمت الإخوان مشروعها على الرمال، بدلا من أن تسعى لنقش الديمقراطية الناشئة المصرية على ‏الصخور، ففشلت وانتهت إلى غير رجعة، ولاتزال تحاول دفع المجتمع إلى الفوضى والصراع والإرهاب ‏على أمل العودة من جديد. ‏

الجريدة الرسمية