الملحدون على الشيزلونج.. أسر مفككة.. أنماط شخصية معقدة تبحث عن "الشو".. والبحث عن الأفكار ضمن قائمة الأسباب
ما هى الأبعاد النفسية والاجتماعية للملحد، وهل يمكن التعامل معه علمياً، وتصويب أفكاره وتأهيله نفسيًا واجتماعيًا، وإعادته إلى الطريق المستقيم .
أسباب الإلحاد
في البداية أرجع أستاذ علم النفس أنور حجاب الإلحاد لسببين أساسين أولهما: نمط الشخصية والتي تتكون في الطبيعي من قدرات عقليه وسمات نفسية وقيم، والشخص الملحد يعانى من قدرات عقلية محدودة وتفكير يتسم بالجمود والتصلب وصعب تغييره، وسمات نفسية بها ضعف في التوازن الانفعالى، كما يملكون ميكانيزماتين وهما ميكانيزما التعميم وميكانيزما التبرير.
وأما السبب الثانى الأسرة المفككة، فهذه الشخصية بهذه المواصفات إذا وضعت في إطار أسرة مفككة لأب قاس جدا وأم غائبة نفسيا عند الطفل في إطار ذكائه المحدود وغموضه الفكرى وعدم قدرته على استيعاب هذه القسوة، كل ذلك يخلق لديه ميكانيزما أخرى وهى الإنكار، ويتجه إلى إنكار وجود الأب ويحذفه من الشعور وكأنه غير موجود فضلا عن عدم وجود الأم.
ولأن الأب والأم يمثلان للطفل مصدر السلطة الأولى يبدأ في إنكار السلطة هي الأخري، حتى يصل لمرحلة المراهقة التي من أهم سماتها التمرد، فيتحول الاعتماد الكامل على الأب والأم في الطفولة لتمرد وإنكار فيصبح الطفل منعزل اجتماعيا ومنطويا بعكس الطفل السوى الذي يستطيع التوازن بين الاعتمادية على الآباء والتمرد، وتنشئ لديه قيم ويتعلم العقيدة الدينية والحرام والحلال.
العزلة الاجتماعية
وأوضح أن الطفل غير السوي بعدما يصل لمرحلة العزلة الاجتماعية والانطوائية يرى نفسه مختلفا عن الجميع ويتجه إلى قراءة كتابات مختلفة عن الكتابات المعتادة مثل كتب الفلاسفة والملحدين، ومع زرع ميكانيزما الإنكار لديه منذ الطفولة ينكر وجود إله فهو ينكر جميع صور السلطة التي تقابله بعد ذلك، مثل سلطة الأستاذ الجامعى ومديره في العمل وغيرهم.
طرق التعامل
وعن كيفية التعامل مع الشخص الملحد في العلاج النفسي، يقول "جمال فرويز" طبيب نفسي: دورنا كأطباء نفسين أولا الكشف عن ما إذا كان هذا الملحد مريضا عقليا أما الإلحاد لديه مجرد فكر وسواسي مسيطر عليه، وبناءً عليه يتم التحدث معه للتعرف على طبيعة فكره اتجاه هذا الأمر.
وأشار "فرويز" إلى أن انتشار الفكر الإلحادي زاد في السبعينيات مع ظهور ثقافات جديدة للاشتراكيين والماركسيين والفكر الوهابي وخروج الإخوان المسلمين من السجون مما تسبب في حدوث مسخ ثقافى وازدواجية دينية وانهيار قيمى وأخلاقى.
كما أن ارتكاب الجماعات الإسلامية لأعمال مشينة باسم الدين مثل الإرهاب والقتل والرشوة، خلق لدى بعض الشباب ميكانيزمات التعميم وجعلهم يربطون بين تلك التصرفات والإله، فدخلوا في مرحلة فقدان الهوية الدينية.
والسبب الآخر من وجهة نظر "فرويز" متعلق بالجانب الأسرى، عندما يكون الأب والأم متزمتين ويعنفون أبناءهم للتقرب إلى الله، إلى أن ينفجر الابن فيجبرهم في ترك مساحة حرية له، فيعتقد الابن أن كل هذه المبادئ كاذبة بعد تنازلهم عنها، وأنه لا وجود للإله وأن كل هذه الأمور اختراع من خيال الآباء ليجبروا أبناءهم على طاعتهم.
ونصح "فرويز" الآباء بتحبيب أبنائهم في الدين، فعلي سبيل المثال إعطاؤهم هدايا في الصغر كمكافأة على صلاتهم الجماعة في المسجد، والبعد عن الإجبار والتعنيف لأنه يأتى بنتائج عكسية وخيمة تصل مع ضعيفى النفوس إلى الإلحاد.
السياق الفكري
ومن جانبه حدد "أحمد الباسوسي" استشاري علم النفس نوعين من الإلحاد الأول خاص بأصحاب الفكر والفلسفة حيث يعتمد سياقهم الفكري والمعرفي على رفض كافة أشكال المعرفة التقليدية القديمة التي راجت بين الناس عبر مئات السنين من دون دلائل منطقية أو علمية تؤيدها فقط هي موجودة في الأساطير والكتب القديمة.
ومن أشهر المفكرين الذين ذاع صيتهم في هذا السياق الفيلسوف والاقتصادي "كارل ماركس" الذي كتب عام ١٨٤٣ أن الدين زفرة الإنسان المسحوق، وأعتقد ماركس أن للدين بعض الوظائف العملية في المجتمع تشبه وظيفة الأفيون بالنسبة للمريض، فهو يقلل من معاناة الناس المباشرة، ويزودهم بأوهام طيبة ويقلل من طاقتهم واستعداداتهم لمواجهة الحياة عديمة القلب والروح التي أجبرتهم الرأسمالية أن يعيشوها.
مضيفا ذكر "ماركس" هذا الكلام في سياق رؤيته الفكرية المتعلقة بحتمية سيادة الاشتراكية كمذهب اقتصادي وأسلوب حياة ضد النظام الرأسمالي القاسي وسطوة رجال الكنيسة على عقول الجماهير في القرون الوسطى وما بعدها، حتى انتشرت موضة صكوك الغفران التي يشتريها الناس منهم حتى يدخلون الجنة.
وتابع النوع الثاني من الإلحاد هو الحاد العامة وهذا النوع غير منتشر كثيرا بين الناس من منظور أحصائي، حتى أن عدد 866 وفق ما أكدت دار الإفتاء المصرية مقارنة بعدد سكان يتجاوز مائة مليون لا يمثلون نسبة لافتة أو مزعجة، ويتعلق بظروف الشخص الاقتصادية والنفسية ودرجة تحمله لغموض الواقع وتحدياته والنسق المعرفي الذي يحكم استجاباته وقرارته.
الغريزة الإيمانية
وأشار "الباسوسي" إلى أن الإنسان لا يولد ملحدا وأنه يولد بفطرة غريزية دينية قدرية في الأساس، تلك الفطرة تجعل الإنسان على يقين تام بوجود قوى عظمى تتحكم في مصيره، يلجا إليها وقت الشدائد وتساعده في قهر الظروف وتيسر له حياته، هذه القوة العظمى هي الله، لذلك فإن مسألة الإيمان بوجود قوي عظمي "الله" غريزية لا يمكن الفكاك منها لأنها موروثة.
ولفت "الباسوسى" إلى أن أجدادنا المصريين القدماء فطنوا على التدين وانشغلوا به وأسسوا المعابد والإلهة لذلك يقال إن المصري متدين بطبعه، فلا يمكن أن يكون هناك أشخاص ملحدون لأن ذلك ضد الغريزة الفطرية، بل يوجد أشخاص تتلمس من سياقهم الفكري واستجاباتهم غير التقليدية أنهم ملحدون، حيث إنهم يعلنون أو يتصرفون ظاهريا بأنهم لا دينين ولا يؤمنون بوجود الله وهذا شأنه، ولكن لا يستطيعون نزع انفسهم من فطرتهم بوجود قوي عظمي، حتى الكفار كانوا يعتقدون بوجود قوي عظمي ولكنهم كانوا يجدونها في أصنام، أي أنه "ملحد باللسان وليس بالقلب والمشاعر".
وعلي الجانب الآخر، قالت سوسن فايد أستاذة علم النفس الاجتماعى بمركز البحوث الجنائى أن مفهوم الإلحاد هو عدم الاعتراف بوجود آله ورفض الدين، والملحدون هم فئة ترغب بالحرية والبعد عن القيود لإثبات الذات ولإشهار أنفسهم ولرغبتهم في مخالفة الواقع والتحرر من كل القيود.
الفراغ الفكري
وأرجعت "فايد" أسباب الإلحاد إلى انتشار الفراغ الفكرى وغياب الثقافة وخاصة الثقافة الدينية وتجاهل الاهتمام بالخطاب الديني الذي افتقد روحانيات الدين الحقيقي بما فيه من طقوس ولم يحقق الهدف منه في بث القيم المعنويه الرفيعة وتعليم القيم الدينية، أيضا أصدقاء السوء الذين يشجعون على التطرف والخروج عن السياق والواقع.
كما أن إهمال مادة التربية الدينية بالمدارس ووضعها على الهامش "تحصيل حاصل" لا تضاف للمجموع أضعف العقيدة، والسبب الرابع هو الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي اللذان يلعبان دورا كبيرا في إطلاق العنان للحرية وفتح باب للتطلع بدون سقف، ما أثر وجدان الشباب ودفعهم للخروج عن السياق.
وطالبت "فايد" بضرورة ترسيخ العقيدة الدينية الصحيحة عند تنشئة الأطفال، من خلال الاهتمام بدور المدرسة في تعليم القيم الدينية، وحث الآباء أبناءهم منذ صغرهم على التقرب إلى الله بالترغيب وليس الترهيب ومساعدتهم على الفهم الصحيح الدين.
وعلي الجانب الاجتماعي أيضا تقول سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن أهم الأسباب الاجتماعية للإلحاد هم الأصدقاء الذين يرافقهم الملحد في مرحلة المراهقة والشباب، وخاصة إذا كان هؤلاء الأصدقاء لا يعترفون بوجود الله، فصديق السوء تأثيره أسوء من العدو.
والسبب الثاني الكتب التي يخوضون في قراءتها ولا تخضع لاي رقابة، أما الأسرة فليست سببا أساسيا في ذلك بدليل أنه من الممكن أن يخرج من الأسرة الواحدة ابن منحرف وآخر غير منحرف.
وأضافت :" ساعد على انتشار ذلك أيضا إهمال الحكومة لتوظيف الفن في صالح الوطنية وبناء المصري والهوية المصرية، ولم تعتن بإخراج أغان وطنية كما كانت في القدم، فلا يوجد فن حقيقي أو أغان وطنية مثل التي تربينا عليها في الصغر كأغاني أم كلثوم وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ وغيرهم، فالفن والطرب المحترم السبيل الوحيد لجذب الشباب".
وقالت إن 60% من المصريين شباب يجب أن يتم احتواؤهم وعدم الاكتفاء بتنظيم منتدي للشباب مرة واحدة سنويا، فلا يمكن تركهم في الهواء الطلق وللأفكار الدخيلة تأثر فيهم وتلعب في أفكارهم، موضحة أن الشباب لا ينجذب سوي لأمرين "الرياضة والفنون" فيمكن استغلال المجالين للتأثير في أفكارهم وبناء عقيدتهم، فنحن بحاجة للاهتمام بالفن لأنه غذاء للروح وبدونه يعاني الإنسان من فكر متصحر.
وأكدت أن نسبة الأمية في مصر 30% ولا توجد دراسة واحدة توضح دور الأسرة الامية في تثبيت الدين في عقول الأبناء، ومدي نجاحها في بناء شخصيتهم المصرية وهويتهم وعقيدتهم، وتوعيتهم لضرورة اهتمامهم بالتربية في الصغر لإحاطة الطفل بكل سياج القوى الدينية.
وأوضحت خضر أن الأمية مع وجود العولمة تسببت في انهيار أخلاق المصريين، والتي جعلتهم يعتقدون أن الحرية هي ترك العنان لأبناءهم، ولكنها حرية مزيفة يترتب عليها بالضرورة تنشئة شخص ملحد، مؤكدة أن فيضان العولمة أحد أهم أسباب الالحاد، فإذا لم يحصن الشباب دينيا وقوميا وعلميا جيدا لم نستطع الحفاظ عليهم فلابد من الاهتمام بهذا الجانب كاهتمام الدولة بالتنمية، مشيرة إلى أن بناء المصانع أسهل بكثير من بناء الإنسان.
نقلًا عن العدد الورقي...،