العدالة تنتصر لضحايا عقوق الأبناء
حينما تتلاعب شهوة المال بالعقل، تغيب العاطفة نحو أقرب الناس إلى الإنسان حتى لو كان الأب نفسه.. سبب الوجود في تلك الدنيا، والموصى به من قبل الخالق عزَّ وجل، فتنقلب المعايير لدى أصحاب تلك الشهوة..
فيبررون لغاياتهم
جميع الوسائل، بسلسلة ادعاءات وأكاذيب، فيحاولون قلب الأمور، بينما تنتصر العدالة
في النهاية للمظلوم، لأنه مهما ضعفت دفوعه أو خارت قواه أمام المعارك القضائية، فإن
عدالة السماء لا تجامل، وحتمًا تتدخل لإنصافه.
وهكذا نتعاطى مع الأحكام الصادرة من محكمة
جنح الدقي الجزئية بحبس شقيقين، أحدهما عامين والآخر لمدة عام، بعد ثبوت إستيلائهما
على أموال وممتلكات والدهما المحجور عليه، وتعمدهما حرمان أشقائهما القُصَّر وزوجة
والدهما من حقوقهم المالية بالمخالفة للقانون..
لماذا يعمل القضاة بالجهات الإدارية؟
وذلك اعتداداً بقاعدة قضائية مفادها، أن الإثبات محور منظومة القضاء بكل أنواعه، وبموجبه يُصدر القاضي حكمه بعد إنزال ما ثبت من وقائع على صحيح نصوص القانون فيما يُسَمى بالتكييف القانوني للفعل، ومن ثم يصل إلى منطوق حكمه، لكن أصعب قواعد الاثبات، تلك التي تدور في فلك القضاء الجنائي، والتي بموجبها يُرجِح القاضي بين الأدلة، فيطرح بعضها ويقبل الأخرى؛ استنادًا لسلطته التقديرية.
نعرض اليوم لقضية إنسانية في المقام
الأول قبل كونها قانونية، فقد أصدرت محكمة جنح الدقي الجزئية الأحكام المُشار إليها
على الشقيقين، فتضمَّنت حيثيات الحكم الأول في القضية رقم 12927 لسنة 2019 أن المتهم
(رجل أعمال) تم تعيينه قيمًا بلا أجر على أموال وممتلكات والده المحجور عليه واختلسها
لنفسه إضرارًا بأصحاب الحقوق، رغم كون أموال والده كانت أمانة معه كونها وديعة يُحافظ
عليها ويردها الى أصحاب الحقوق حين طلبها، إلا أن المتهم وبفعله قام بتغيير يده
على هذه الأموال من «يد أمانة» إلى «يد مالك» هو وشقيقه.
مرتكبًا عن عمد فعلًا جرَّمه
القانون وتصرف في المال تصرف المالك، وهو يعلم أنه يتصرف في شيء ليس له عليه سوى الحيازة
الناقصة، الأمر الذي رتب ضررًا تَمَثَلَّ في أن مال المحجور عليه أصبح خارج نطاق
ملكية المحجور عليه وضررًا على أولاده القصر وزوجته المجني عليها يتمثل في حرمانهم
من مال المحجور عليه مستقبلا كورثة شرعيين .
قصة سقوط أستاذ جامعي مراهق (2)
وأضافت المحكمة أن المال المنقول محل الجريمة
هو مملوك للمحجور عليه، وأنها لا تطمئن للعقود العرفية التي يستند عليها المتهم من
أن المحجور عليه باع هذه المنقولات قبل توقيع الحجر عليه بثلاث سنوات كونها تخالف
الثابت من المحضر رقم 13206 لسنه 2016 جنح الدقي والذي يتضمن بلاغ المحجوز عليه بشخصه
بقيام أولاده ومن ضمنهم المتهم باستغلال مرضه وسلب ثروته لحرمان أولاده القصر من
زوجته الثانية من أمواله..
وتخالف أيضا الثابت من المحضر رقم 81 أحوال بتاريخ1 / 9 /2017، بشأن بلاغ المجني عليها وزوجها المحجور عليه بقيام المتهم وآخرين بالحصول
على توقيع المحجور عليه ببيع جميع أملاكه بطريق الغش .
واطمأنت المحكمه لهذه الأقوال؛ كونها لصاحب
المال نفسه وقبل الحجر عليه وأمام جهة رسمية وموظف عمومي لم يثبت في هذه المحاضر وجود
أي آفة عقلية أو سلوك غير طبيعي للمبلغ فيها ومن ثم تطرح المحكمة هذه العقود ولا ترى
لها أي جدية في الإثبات الجنائي في الواقعة.
هل كُنت سببًا في فقد عزيزٌ لديك؟
وكان استلام المتهم لأموال المحجور عليه
محل جريمة التبديد سواء قبل الحجر عليه أو بعد الحجر عليه على سبيل الأمانة، إلا أن
المتهم قام بتغيير يده علي هذه الأموال من يد أمانة إلي يد مالك، وأضفى على هذا التغيير
سببا قانونيا لا تطمئن له المحكمة وفقا لسلطتها التقديرية؛ حيث أن المال الخاص بالمحجور
عليه أصبح خارج نطاق ملكية المحجور عليه مستقبلا و الورثة الشرعيين، ولاسيما أن المحكمة قد تيقنت وثبت في عقيدتها ارتكاب المتهم للفعل محل التجريم، فقضت بحبسه عاما.
وفي القضية رقم 1802 لسنة 2020 قضت محكمة
جنح الدقي بحبس المتهم (وهو شقيق المتهم فى القضية السابقة) سنتين مع الشغل لقيامه بتبديد ثروة المحجور عليه
والده واختلاسها لنفسه إضرارًا بأصحاب الحقوق، ومن هنا وازنت المحكمة بين الأدلة
ورجحت كفة الحق، لتقضي برده إلى أصحابه الأطفال القُصر وزوجة والدهم.. وللحديث بقية