عباس العقاد : الوقاحة قضية مجتمع

فى حديث الشهر أجرت مجلة المجتمع العربى عام 1959 حوارا مع الاديب عباس محمود العقاد تحت عنوان (بيكاسو لايساوى عندى شئ) 
يقول المحرر: استقبلنى الأديب الكبير بلحمه وشحمه بإبتسامة أب حنون ، كان يرتدى بالطووكوفية وطاقية من لون واحد ومن الصوف ،يرتدى نظارة طبية على عينيه ، وجدت فى صالونه كوبا من الليمون ينتظرنى .

جلست أتأمل العقل الكبير وكان ذهنى يرسم صورة لسارة التى احبها العقاد وعاش يكتب قصتها للناس ثم سالته :لماذا يكتب عن العبقريات ؟
قال ضاحكا :لانها دليل على الالوهية 
سألته:كيف يكون الانسان عبقريا ؟
قال :العبقرية لا تصنع بل تخلق ، انها موهبة ، هى شئ فذ ،ولكن ثبت علميا أن الذين يمتعون بالمادة السنجابية يصبحون عباقرة ، والمادة السنجابية هى مادة داخل العقل تحفظ كل شئ وتخزنه ، وهى تجعلك تميز بين صوت الدبوس وصوت القنبلة الذرية ، ولو حرم الانسان هذه المادة سمع صوت الدبوس مثل صوت القنبلة الذرية والعكس ، ان المادة السنجابية يقاس بها العبقريةحتى ان العلماء قالوا ان موطن العبقرية موجود فى التلافيف ولكنى اجزم انها موجودة فى الطبقة السنجابية .
سالته:ماهى رسالة الادب الاجتماعية ؟
قال :اذا عبر الادب عن الشعور تعبيرا صادقا فهو أدب له رسالةاجتماعية حتى أدب المديح والثناء والهجاء، وما يسمى بأدب المناسبات لأننا إذا رجعنا لهذا الادب وجدنا انه ممثل لجميع الصفات اللازمة للمجتمع .
سألته :ما رايك فيما يقال ان الشعر الحديث ينقرض ؟
قال:أنا لا أقرأ شعرا مزيفا فى صيغة نثر ، ومايقال ان الشعر ينقرض اسطورة مضحكة وكلام فارغ ن وأنا أقترح أن يوضع الشعر الحديث تحت بند النثر ، بل النثر السخيف .

في ذكرى ميلاده.. "سارة" لغز العقاد في حياته وبعد وفاته
سألته:لماذا اختفت المجلات الادبيةالجادة ؟
قال :هذا راجع الى عجز الاداة الصحفية وليس نقص الرغبة لدى القراء 
سألته:ماهو مفهوم الفن عندك ؟وهل يجب ان تكون اللوحة هادفة ؟
قال: الفن هو خلق انسانى يقوم به انسان له ملكات خاصة فى مجال الحس والادراك والعبير والاداء..ذلك هو الفنان، وانا لا اعترف بما يسمى الأدب الهادف ولكنى أؤمن بمذهب الفن للفن ، ويكفى ان الاديب يؤدى واجب الفن ليكون قد أدى واجبه
سألته : ما رأيك فى بيكاسو وشكسبير ؟
قال: بيكاسولا يساوى عندى شيئا ولا اعرف هل هو كاهن ام مصور ،أما شكسبير فلا يوجد من شعراء العالم من يساوى ابن الرومى فى ملكة التصوير الفنى حتى شكسبير .
سأله :هل مجتمع اليوم العلمى اسعد من مجتمع الماضى ؟ 
قال:ان مجتمعنا ليس سعيدا لسبب بسيط وهو انه ليس ادل على شقائه من ان اكثر افراده يتهمونه بانه سبب الشقاء فكل انسان يتخلى عن مسئولياته ويلقيها على المجتمعوقد قرأت رأيا لاستاذ الجيل لطفى السيد ــ أنا أخالفه فيه ــ يقول ان المجتمع الحاضر أرقى من الماضى وان اكبر مصائب المجتمع هو قضية النفاق ،ومع احترامى له أقول أن هناك قضية اجتماعية أكبر من مصيبة النفاق وهى قضية الوقاحة ، لان النفاق قد يوجد مع الحياء وهذا وازع اجتماعى لا غنى عنه ولكن الوقاحة توجد مع الاباحة والتطاول على المقامات وجميعها صفات تدل على اعراض من التحلل والانطلاق بعيدا عن العرف والعقيدة . 
سأله : ما رأيك فى وسائل الثقافة سينما ،اذاعة ، صحافة ؟
قال:كلها وسائل لايمكن فصلها عن بعضها وهى ترتقى بارتقاء الافراد لكنها ليست الدليل على الارتقاء وان بعضها متعثر غلبت الجهالة على المستمعين والنظارة والافة الكبرى التى تسيطرعلى الفنون هى الجهل والدليل ان اى فيلم لابد يوضع فيه رقص وهز بطن وخناقة ولا توجد افلام تعبرعن واقعنا بصدق .