مولانا.. حكايات يوسف زيدان مع الصوفية
"الصوفي هو المنهمك في عشقه ومشاهداته، الناظر في الكون بعين القلب، لذا يرتبط التصوف بالفن والأدب، وبالشعر الذي يحلِّق فوق الآفاق" من هذا المنطلق تعامل المفكر الدكتور يوسف زيدان مع الصوفية باعتبارها حالة عشق جمالية تعيش بصحبته في عالم بديع من الفن والإبداع.
بنكهة مميزة وأسلوب فريد جاذب لمحبيه، كتب زيدان الرواية والقصة وحقق في التراث، كما تعمق في فقه الحب والعشق، واستطاع بطريقته أن يتقرب من الشباب، وأن يصنع عالما خاصا ومذهبا مختلفا عن غيره، ليصبح جمهوره بمثابة "مريدين" لفكره وفلسفته.
تفسيرا وتحقيقا، شرحا وتفصيلا، أنعش يوسف زيدان المكتبة العربية، بالعديد من الكتب والدراسات الهامة، اقتحم موضوعات وملفات بروح صوفية خالصة فاحت من بين كلماته، هذه الروح التي غمرنا بها صاحب "النبطي" جعلته يستحق لقب"مولانا"، و الذى أطلقه عليه المفكر الراحل مصطفى محمود.
ومن أشهر ما قدمه يوسف زيدان، وأظهر فكره، كان تحقيقه الذي جاء بعنوان "شرح مشكلات الفتوحات المكية" للشيخ الصوفي الأندلسي محيي الدين ابن عربي، والمكوُن من 37 سفر و560 باب، كما وُصف بأنه من النصوص الصوفية الموغلة في التعمق وأن لغته رمزية وبها إشارات إلهية.
وعن أحد أهم الشخصيات في الفكر الصوفي، أصدر يوسف زيدان كتابين بارزين وهما "عبد الكريم الجيلي.. فيلسوف الصوفية"، و"الفكر الصوفي عند عبد الكريم الجيلي"، ويتحدث فيه زيدان عن القطب الصوفي عبد الكريم الجيلي.
والمتأمل في فكر عبد الكريم الجيلي يجد أن المواضيع التي تناولها تدور حول نظريَّة الفكر الوجوديّ، أي نظريَّة وحدة الوجود، حسب الفكر الصوفيّ.
كما تناول يوسف زيدان، الإمام الصوفي الشهير عبد القادر الجيلاني في "ديوان عبد القادر الجيلاني" و"عبد القادر الجيلاني باز الله الأشهب"، وتمثل هذه المؤلفات التيار السائد في تأليف زيدان فيما يتعلق بالتصوف، حيث نجد مؤلفاته أقرب إلى التصوف الفلسفي من فروع التصوف الأخرى.
ويطرح يوسف زيدان في كتابه "الفكر الصوفي.. نظرية الوحدة، الانسان الكامل"، أفكار ومناقشات عن أشهر نظريتين صوفيتين وهما "الإنسان الكامل" ونظرية "الوحدة"، والتي يصعب على الكثيرين فهمها بشكل جيد، بعيدا عن الشروط الموضوعية والسياق التاريخي من جهة، وتلقائية الحس الحضاري عند الصوفية من جهة أخرى.
لم يكتف زيدان بكل هذه الكتب في شتى مجالات وقضايا وشخصيات الفكر الصوفي، بل تطرق أيضا لعلم آخر من رواد ذلك المنهج، من خلال دراسة وتحقيق في كتابه "فوائح الجمال وفواتح الجلال" عن القطب الصوفي نجم الدين كبرى، حيث يضم هذا الكتاب دراسة هى الأولى باللغة العربية عن الصوفي الكبير نجم الدين كبرى، ذي العلم الهائل، والذى تنسب إليه الدراسات الصوفية المعاصرة، على الرغم من دوره الكبير فى التاريخ الثقافي، أما التحقيق فهو إخراج لنص من أروع النصوص الصوفية في تاريخ الإسلام.
وفي عالم الشعر ولطيف الكلام، قدم يوسف زيدان كتابا بعنوان "شعراء الصوفية المجهولون"، ويتحدث فيه عن شعراء الصوفية غير المشهورين، بعيدا عن شعراء الصوفية الذين نالت أشعارهم شهرة واسعة مثل الحلاج، الشبلى، الجيلانى، ابن الفارض، ابن عربى، التلمسانى، النابلسى، وذلك كون دواوينهم المنشورة تكفى لمعرفتهم وتؤكد شهرة أشعارهم.
كما أن تأثر يوسف زيدان بالصوفية، لم يتوقف عن أعماله في مجال ذلك الفكر بل تطرقه ليطغى على أسلوبه في بعض ما أصدره من كتب وروايات آخرى، حيث نجد أن تأثير المنهج الروحاني للصوفية برز في كتابه "فقه الحب"، والذي هو عبارة عن فقرات مكتوبة بلغة شاعرية، والمقصود منها توجيه الأنظار إلى الجانب الإنسانى، نظرا لتفشى الكراهية الشديدة وقت إصداره.
الكتاب يأتى لإعادة التوازن للعقل الجمعي عبر التذكير بهذه المعانى الإنسانية، حيث مزج زيدان في كتابه بين روحانيات الصوفية وتمكنه اللغوي من صناعة جُمل وتركيبات مُبهرة، اعتمد فيها على الزخارف اللغوية مستخدما الكثير من المحسنات البديعية، فجاءت عباراته القصيرة متنوعة بين الجناس والطباق والتضاد والاستعارات المكنية.
وعن تأثره بالصوفية أيضا، حملت قصة أهم رواياته "عزازيل"، معاني ومفاهيم ومفردات صوفية دينية طبقها على المسيحية، حيث تناولت الرواية الخلافات اللاهوتية المسيحية القديمة حول طبيعة المسيح، ووضع السيدة العذراء.