رئيس التحرير
عصام كامل

عزازيل.. "وش السعد" على يوسف زيدان

يوسف زيدان
يوسف زيدان

"لكل امرئ شيطانه، حتى أنا" مقدمة كهذه، كفيلة بهدم كل تصوراتك عن عوالم الروايات التقليدية والسريعة التي راجت في السنوات الأخيرة.. مقدمة تخمن من وراءها أنك تقرأ لكاتب مشاكس، لا يود منك أن تقرأ بعينيك، وإنما بعقلك.. يمكنك تخمين أنه يوسف زيدان، وأنها "عزازيل" .


لا جدال حول كون رواية "عزازيل" للكاتب الروائي والمفكر يوسف زيدان، هي واحدة من أعظم المؤلفات الأدبية العربية، والرواية التي تعتلي عرش اصدارات زيدان منذ طرحها في نسختها الأولى حتى اللحظة، رغم العديد من الروايات التي طرحها فيما بعد، إلا أن "عزازيل" لم تقبل التنازل عن عرشها، ولم يقبل جمهور زيدان ايضًا، فهي وجه السعد الذي فتح لزيدان أبواب الجوائز والتكريمات والانفتاح على العالمية من خلال الترجمات إلي لغات أجنبية، خاصة بعد فوز الرواية بالجائزة العالمية للرواية العربية .


قمة العرش التي تعتليه رواية "عزازيل" لم يكن ابدا ليأتي من فراغ، فالسماء لا توزع الحظ، ولا تمنح "البوكر" الجوائز على سبيل الهبة، وانما تؤتي من اجتهد وتوافرت فيه عوامل النجاح، وهو التكامل نفسه الذي قدمته الرواية للجمهور الذي رأى انها رواية استثنائية، تحمل الكثير من الجديد على الرواية العربية، سواء على صعيد الفكرة أو السرد، والحبكة، والموضوع الشائك .


فبداية من عنوان الرواية، الذي سلب استغراب الجمهور من وقع الاسم الذي لم يكن متداول الاسم العبري القديم للشيطان، إبليس، الذي يُعَدُّ شخصيةً رئيسةً في الرواية، غير أنه يتخذ صورةً أخرى، غير الصورة النمطية.. ثم ينتقل فضاء الرواية إلي متنها وفكرتها التي تأخذك في رحلة مع  مجموعة من اللفائف المكتوبة باللغة السيريانية والتي كانت مدفونة داخل محيط القلعة الخاصة بالقديس “سمعان العمودي” الواقعة في سوريا، والذي قام يوسف زيدان بترجمتها في هذه الرواية، لتعرض الرواية السيرة الذاتية لـ "هيبا" الراهب المسيحي المصري الذي كان يعيش في القرن الخامس الميلادي وما ورد عن تنقله من صعيد مصر إلى الإسكندرية ثم تنقله إلى فلسطين فشمال سوريا في الوقت الذي تبنت فيه الإمبراطورية الرومانية المسيحية كديانة.



خصوصية الرواية تكمن في كونها لا تحرم القارئ من أي متعة يستطيع الوصول إليها، فالتاريخ واحداثه متوفر في مسار الأحداث والانسانية والشكوك والاسئلة تنسكب من كلمات كل صفحة تمر عليها في الرواية، التي تعرض شكوك هيبا وتساؤلاته عن الإيمان والله والحياة .

"لماذا انطفأ كل شئ؟ نور الإيمان الذى كان يضيئ باطني، شموع السكينة التى طالما آنست وحدتي، الاطمئنان إلى جدران هذه الصومعة الحانية.. حتى شمس النهار أراها اليوم مطفأة وموحشة" .

أما ثالث النقاط الرئيسية التي ساعدت بنجاح الرواية، هو كونها تغوص بكل ما تملك في عالم لم تطرقه الرواية العربية فيما قبل إلا على استحياء.. حيث فتح زيدان باب التاريخ الديني، لنطل من خلاله على صراع الكنيسة وتداخل أحداث تلك الفترة، وأثارت الرواية الكثير من الجدل لتناولها الخلافات اللاهوتيه حول طبيعة المسيح والسيدة العذراء وعرضها لشكوك هيبا وتساؤلاته وسيطرة غرائزه فى حبه لأوكتافيا ومرتا، كما عرضت اضطهاد المسيحيين لليهود ومحاولات طردهم خارج أسوار الأسكندرية وهدم معابد الوثنيين وقتل هيباتيا والتمثيل بجثتها بتحريض من بابا الأسكندرية، كما أشارت إلى أن الصراع بين آباء الكنيسة كان رغبة فى الوصول للسلطة، وعلى الرغم من كون الرواية قد تعرضت للهجوم والاتهامات حول مدى مصداقية الأحداث التاريخية في الرواية، الا ان هذه الاتهامات تم تبريرها، بأن بعض الأحداث عُدلت لتناسب السياق الدرامي على اعتبار أن الرواية ليست تاريخية.

ولكن الاتهامات التي وجهت إلي عزازيل لم تتوقف عن حدود التاريخ، وانما تشعبت لتصل إلي الاتهام بسرقة أو تقليد الرواية واخذها من رواية "اسم الوردة" للكاتب أمبرتو إيكو .

وبعيدا عن الاتهامات التي دات حول الأحداث التاريخية والدينية لم تكن وحدها من ساعدت في رواج الرواية، وانما لعبت لغة الرواية دور الأساسي، حيث تميزت الرواية بلغتها الفصيحة، وأدبياتها التي لا تجدها قي سواها .. لتبقى "عزازيل" محتفظة بعرشها .
الجريدة الرسمية