شهادات صحفية مصرية وبريطانية على مجزرة دنشواي
فى مثل هذا اليوم 27 يونيو 1906 صدر حكم تاريخى ظالم عرف باسم "مجزرة دنشواى"، بمعاقبة 21 من المصريين.
وتراوحت الأحكام بين الإعدام والسجن والجلد،
بتهمة قتل ضابط إنجليزى أثبت الطب الشرعى إصابته بضربة شمس.
وترجع قصة هذه المجزرة التى وقعت أثناء الاحتلال الانجليزى لمصر، إلى قيام
خمسة من أفراد الجيش الإنجليزى برحلة لصيد الحمام إلى قرية دنشواى بالمنوفية،
وأثناء قيام أحدهم بصيد الحمام الموجود على أجران القمح، وكان الجرن يخص الشيخ
محمد عبد النبى مؤذن القرية، أخطأ الضابط التصويب على الحمام، وأصاب أم محمد زوجة
المؤذن، واشتعلت النيران فى الجرن، فهجم شحاتة شقيق المؤذن على الضابط الإنجليزى
لانتزاع البندقية منه، وشاع الذعر وأقبل الأهالي، وأحاطوا بالضابط القاتل، وأطلق
زملاء الضابط النيران، وأصابوا شيخ الخفراء، فحمل أهل القرية بالطوب والنبابيت على
الضابط، وجردوا زملاءه من أسلحتهم، وهرب أحدهم إلى الطريق الزراعى، إلا أنه أصيب
بضربة شمس ومات.
وما أن عرف جنود الكتيبة الانجليزية الرابضة بكمشيش حتى سارعوا نحو القرية
الصغيرة دنشواى، وفى طرقهم شاهدوا زميلهم المصاب بضربة الشمس وأحد الفلاحين يسقيه
الماء فانهالوا على الفلاح ضربا وهشموا رأسه بكعوب البنادق.
ثارت ثائرة قادة الاحتلال، وصدرت التعليمات بالقبض على الأهالى جزافا،
وجعلوا من المسجد معتقلا لهم لحين التحقيق معهم، وقبل مرور أسبوع على الحادث أصدر
بطرس غالى، وزير الحقانية، قرارا بتشكيل محكمة مخصوصة برئاسته لمحاكمة المتهمين،
تكونت من اثنين من قضاة الإنجليز وأحمد فتحى زغلول رئيس محكمة مصر، وتولى الادعاء
المحامى إبراهيم الهلباوى.
في عيدها القومي.. محافظ المنوفية: "دنشواي" ملحمة خلدها التاريخ | فيديو
وبالرغم من ثبوت وفاة الإنجليزى بضربة شمس، حسب الطب الشرعى، صدرت الأحكام
بالإعدام شنقا لأربعة من الفلاحين، والأشغال الشاقة المؤبدة لاثنين.. منهما مؤذن
القرية، والسجن 15 سنة لواحد، وسبع سنوات على ستة منهم وسنة مع الشغل والجلد
للباقين علنا فى موقع الحادثة.
وعلقت المشانق، وتم تنفيذ الإعدام والجلد علنا بطريقة وحشية.
وتعليقا على هذه المجزرة هاجم تصرف
الاحتلال الكثيرون من الكتاب والأدباء، وفي مقدمتهم: أحمد شوقى وحافظ إبراهيم
وقاسم أمين والرافعى والزعيم مصطفى كامل.. فكتب الصحفى أحمد حلمى ــ جد الشاعر
الفنان صلاح جاهين ـــ فى جريدة "اللواء"، يندد بما حدث فقال: "كاد
دمى يحترق فى عروقى بعد تلك المجزرة والمشاهد الفظيعة، فلم أستطع الوقوف فقفلت
راجعا، وصوت السياط يرن فى أذنى يلهب أجساد الفلاحين، وانتشرت المآتم فى كل بيت
وعمت الأحزان، اقشعر بدنى، وأدركت مبلغ الهوان المصرى فى نظر الاحتلال، وتحققت أنه
لا كرامة لأمة، ولا لأي من أبنائها بغير الاستقلال".
كما نددت الصحف البريطانية نفسها بالحدث، فكتب "فالنتين تشيرول":
ليس هناك إنجليزى يقرأ قصة شنق هؤلاء التعساء دون أن يشعر بالندم ووخز الضمير،
وانعدمت ثقة الفلاحين فى عدالة بريطانيا.
وانتقد جورج برنارد شو الأحكام الصادرة فى هذه القضية مخاطبا الشعب المصرى:
"إن كل رجل نشأ فى وادى النيل، ويخضع للحكم البريطانى بعد حادثة دنشواى أو
يقبل من بريطانيا أي عهد يستحق الشنق".