بالفيديو..هيكل: مبارك جرف مصر ومرسي عراها.. الرئيس لا يملك قطع العلاقات مع سوريا وعليه أن يفرق بين الدعاية والسياسة.. أذهلني الشباب بأفكارهم المتجددة.. إذاعة الحوار الوطني حول سد النهضة كارثة
حلقات شبهها البعض بالاستثنائية في ظل حالة التخبط السياسي الذي يعيشه الوطن الآن، عندما يكون الحوار مع الأستاذ فلابد وأن ننصت إليه، نتابعه بعناية.. نرصد أرائه الصائبة في قضايا عجز سياسيون عن حلها.. محمد حسنين هيكل يفتح قلبه للإعلامية لميس الحديدي على قناة "سي بي سي" في حلقات يتحدث فيها عن مصر خلال عام.. بما مرت به من أحداث حرجة في حلقة حملت عنوان "مصر أين وإلى أين؟".
في البداية تحدث هيكل عن المشهد الراهن بعد اقتراب عام على حكم الرئيس مرسي قائلًا: "بأمانة شديدة، شهر يونيو الحالى يعتبر شهرًا كاشفًا وخطيرًا في تاريخ هذا البلد وهذا النظام، وهناك 3 كوارث وقعت على مدى 3 أسابيع متلاحقة، كل واحدة منها تكفي لإسقاط نظام بمفردها، كانت البداية في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، بمؤتمر الحوار الوطني لمناقشة أزمة النيل الذي أذيع على الهواء، وعندما شاهدته حزنت وأحبطت.
وأكد أنه عندما جاء الأسبوع الثاني، فوجئنا بالمؤتمر الذي عقد بقصر المؤتمرات حول قصر النيل الذي بدأ بأغنية عن النيل وهذا غريب، ولا أعلم لماذا اختيرت هذه الأغنية، وانتهى المؤتمر بأن كل الخيارات مفتوحة، ولا أعلم لماذا استعار قصيدة ليس لها علاقة بالنيل وكان الأحرى أن يستعين بقصيدة لا تخطئها عين، وهي قصيدة أحمد شوقى الشهيرة عن النيل التي غنتها "أم كلثوم" وهي "أيها النيل"، بدلًا من استخدام قصيدة لا تمت للموضوع بصلة، وأرى أنه اجتماع غريب انتهى بعبارة غريبة، وهي أن كل الاحتمالات مفتوحة، وهي عبارة لا يملك أن يقولها ولا يملك أحد في العالم أن يقولها، ثم جاء الاجتماع الثالث تجاوز فيه الرئيس الخط المسموح.
ثم تحدث "هيكل" عن الخطوط المسموح بها لأي رئيس، قائلًا: "هناك عدة مسائل، أولها أنه لا يملك أي رئيس أن يتجاوز حدود الأمن القومي المصري، والأمن القومي لأي بلد محدد باستمرار بالجغرافيا والتاريخ أو بالممارسات المتبعة التي لا يملك فرد أو نظام حتى أن يغير فيها، والأمن القومي المصري يستند إلى الوجود في سوريا والعلاقة بها لا تقبل المناقشة، وإذا خرجت من سوريا وفقدت التأثير على الوضع في سوريا، ستخرج مصر من آسيا بالكامل، إضافة إلى انحسارنا في أفريقيا، وأرى أنه اتخذ قرارًا يخالف القرار الإستراتيجي المصرى يتعلق بالأمن القومى المصري".
ثم تطرق الكاتب الكبير إلى قضية قطع العلاقات مع سوريا، موضحًا أن الرئيس لا يملك أن يُخرج مصر من سوريا، ومن أغرب الأمور التي حدثت أن الدولتين الكبار اجتمعتا، ومندوب الجامعة العربية في الأمم المتحدة قال لا حل لهذا الصراع الدائر في سوريا سوى تدخل القوتين، وهذا موقف متشابك ولا أريد الولوج فيه بالتفصيل لكن الموضوع عند القوتين أفضى إلى أمور هامة، أولًا أن هناك مفاوضات وهناك حل سلمى، وليس ثمة مناقشات في شىء غير ذلك، إضافة إلى مؤتمر "جنيف2"، وأن هناك محاولة تدخل وأنه يجب أولًا أن يتوقف الاقتتال هناك، ما حدث في تركيا والمشهد السورى يضع لنا صورة عامة بأن الأزمة السورية ستحل أو على الأقل في طريقها للحل.
ثم أجاب عن سؤال من يسائل الرئيس؟ بـ "هذه مسألة مهمة جدًا وأنا أرى أننا في موقف خطير جدًا، وأرى أن الرئيس تصرف تصرفات خاطئة وعليه أن يراجع نفسه، فقراره يختلف مع قواعد الأمن القومى المستقر عليها، فهو ليس قرارًا عاديًا يمكن التغاضى عنه، فقد عزلنا عن آسيا وجعل مصر محاصرة في أفريقيا، وأود أن أشير إلى أن قراراته متناقضة فهو من دعاة رفض التدخل الأجنبى في سوريا، ومع ذلك يطلب فرض حظر على الطيران الجوى الذي لن يتحقق إلا بضرب الدفاعات الأرضية لسوريا، أنت أمام مشهد جديد أنت وضعته ورسمته وستستمر هذه التداعيات".
ثم أضاف "هيكل" أن "مرسي" قادم من حزب الحرية والعدالة، وتنظيم الإخوان، وهو جاء رئيسًا وبدعمهم وبأموالهم، وإذا لم يكن هناك من يحاسب أو من يراجع أو يعدل فهناك أمر خطير.
وأجاب "هيكل" ردًا على سؤال "هل تنصح مرسي أن يتنازل ليس فقط عن هذه القرارات بل وعن الحكم؟"، قائلًا: "أنا واحد من الناس التي تفرق دائمًا، خاصة في ضوء التطورات الأخيرة، بين "الشعبية" و"الشرعية"، فالشعبية بطبيعتها تتـأرجح صعودًا وهبوطًا، وهى لا تؤثر في الشرعية لأنه يحاسب عليها في نهاية المدة، لكن المشكلة أن الذي حدث في الأسابيع الثلاثة الماضية تجاوز كبير لدرجة لا يمكن معها أنه لا يمكن التساهل فيه، أو ورَدّه للتجربة والخطأ ما لم يصحح.
وردًا على سؤال، "لا يمكن أن أنهى هذه الفقرة دون التعرض لتظاهرات 30 يونيو المرتقبة، هذه الطاقة من الشباب التي ظهرت في مجموعة "تمرد" التي دعت إلى الانتخابات الرئاسية المبكرة وتلاحم الناس معها، كيف ترى ذلك؟"، قال: "أرى أن كل الأطراف الموجودة في الساحة إما حائرون من الموقف أو أقل قدرة من الموقف، الجزء الذي يسعدنى في هذا المشهد هو الطاقة المتجددة لهذا الشباب، لأنه كان موجودًا في 25 يناير وكان موجودًا في الميادين، وكنت أتصور أن الروح خملت في هذا البلد لكن الشباب أدهشنى جدًا لأننى وجدت فيه طاقة متجددة وأفكارًا تلائم كل مرحلة".
قال: "أنا خائف جدًا من عناصر الانفلات لأن الإخوان من الممكن أن تعمل حسابها والمؤسسات أيضًا وأنا آسف جدًا أننى لن أستطيع أن ألوم انفلات الشارع ما دامت السلطة منفلتة تتخذ مثل هذه القرارات ومشهد الاجتماعات، فكيف أحزن على طفل أو ولد صغير يلقى الطوب على المبنى، وأنا أرى أحدهم يقوم بحرق البلد، وإذا أحببتى أن تتحدثى عن الانفلات، فالانفلات الحقيقى في هذا البلد هو انفلات سلطة".
وأضاف "هيكل"، "أنا خائف جدًا لأننا نواجه موقفًا في غاية الصعوبة ولا أحب أن أستخدم هذه الألفاظ والتعبيرات وأتمنى أن يقول أحدهم للرئيس أنت أمام شيئين، أنت أمام قضية كبيرة جدًا لكن نزلت عليها أزمة طارئة، وأرجوك قبل أن تقارب القضية قم بحل الأزمة الطارئة، بمعنى أن لديك مشكلة مياه النيل التي عالجها "مبارك" بالإهمال، و"مرسي" يعالجها بالارتجال، وبين الإهمال والارتجال ثمة مصالح حيوية لهذا البلد حياة أو موت تضيع فأنت أمام أزمة محتقنة نظرًا لإساءة التصرف مرات كثيرة جدًا".
وأوضح أن أزمة الدكتور مرسي أنه لم يقرأ الملفات أو يطلع على أوراقك بالقدر الكافى، ومن الممكن أن تكون السلطة جذبتك بأكثر مما قامت بشدك المسئولية، لكن في هذه المشكلة، مشكلة مياه النيل، أرجو أن تنحى السلطة جانبًا، وأن تنظر للأزمة أولًا، ومطلوب الآن تخفيف حدة التوتر مع إثيوبيا، الرئيس مرسى سافر مرة إلى جدة، وقال لقد استعدنا موقفنا في المنطقة العربية، وسافر مرة ثانية إلى أفريقيا، وقال استعدنا دورنا الأفريقي، القضايا لا تحل بهذه الطريقة أبدًا، لا أحد يقول لى إن زيارة لوزير خارجية أنهت الاحتقان، الحقيقة أن الأوضاع محتقنة جدًا لأسباب معقدة أكثر مما تبدو على السطح.
وأريد أن أقول له: راجع ملفاتك جيدًا وأوراقك، لأننا كنا في عام 2007 أو 2008، على وشك أن نحل هذه الأزمات أو على الأقل نتوصل إلى حل في ذلك الوقت، ووفقًا للوثائق الموجودة أمامى، فإن الحكومة الأمريكية حذرت الحكومة المصرية في هذا الوقت، وقالت: "خلى بالكم مياه النيل قنبلة موقوتة وستنفجر ما لم تتقدموا لعلاجها" وبالفعل ضربت أجراس الإنذار، وبدأ الناس يتقدمون، بشكل من الأشكال دخلنا في مفاوضات أدت إلى اتفاقية "عنتيبي" بما فيها الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل واتفق على كل شىء، لكن ظلت هناك مادة واحدة وهى المادة "34" أو "35" لم يتفق عليها، الخاصة بالتعهدات التاريخية والحقوق الموروثة عن الاتفاقيات.
وعن رأيه في الاجتماع الذي أذيع على الهواء، قال: "هذا المؤتمر عرّى مصر، بمفهوم التعرية تحولنا من التجريف إلى التعرية، هذا الكلام لا يليق، وهذه الثلاثة أسابيع الكارثة الفظيعة".
وعبر عن رأيه تجاه كلمة الرئيس مرسي بأن كل الخيارات مفتوحة، قائلًا: "أعتقد أن هذا تعبير سيئ، أولًا لأنه لا توجد دولة بوسعها أن تقول إن كل الخيارات مفتوحة في أي شىء، ونحن نتعامل معه لا بد أن نقدر أولًا حجم المصلحة، ثانيًا ما الوسائل للعمل فيها، وهل هي مقبولة من عدمه؟ لا بد أن ينسى كل من يتحدث العمل العسكري لأنه مستحيل، لأسباب أولها لا يليق أخلاقيًا على فرض أنه ممكن لكن هو غير ممكن، العمل الوحيد المسموح هو أن تفعلى مثلما فعل الراحل عمر سليمان، عندما كانت هناك محاولة لاغتيال "مبارك" في أديس أبابا، من خلال محاولة عمل حرب عصابات من خلال إريتريا لكى تزعجى النظام الإثيوبي، لكن السؤال هل أستطيع عمل ذلك والدخول في حرب عصابات مع إثيوبيا وإلى أين ستذهب بى الخطوة؟ موضوع مياه النيل ليس جديدًا، وموضوع العمل العسكري غير مقبول لغياب مدى الطيران، وعلينا أن نفكر إذا كان بين دول حوض النيل وهى 11 دولة، 10 منها ضدنا ونحن بمفردنا، وجنوب السودان أيضًا؟".
وحول سياسة الارتجال التي تبناها مرسي فوصفها الكاتب الكبير بأنها "أوصلتنا للأسف الشديد إلى مأزق لا بد أن نجد لنفسنا مخرجًا منه، وهو مؤتمر على مستوى القمة الذي أتحدث عنه يزيل الاحتقان أولًا قبل التفاوض، من خلال عزل الأزمة عن الموضوع، وأول الأمور في إدارات الصراعات هو الفصل بين الملح والضروري والضاغط والتوتر، ثم تقدمى إلى الموضوع وكيفية حله، وما الوسائل التي يمكننا استخدامها، وعلينا ألا نتحدث خارج المكان".
وعن نهر النيل وعدم معرفتنا عنه الكثير وكيف كان التعامل طوال العهود والسنوات السابقة مع النيل، قال: "تحضرنى الآن مقولة شهيرة لـ"تشرشل" يقول فيها: من أراد أن يتحدث في السياسة فليقرأ التاريخ قبل أن يعرج على السياسة، ولكن رد عليه أديب آخر اسمه "ساموسيت" قائلًا إذا تكلمنا في التاريخ ربما ندخل في أمور كثيرة ونتوه جدًا، لكن على من يقرأ التاريخ أن يجد لنفسه بداية، وأن يجد لنفسه النهاية، ويحاول وهو يتابع أن يركز على عصر أو فكرة أو شخصية، وعودة إلى النيل نحن أخذناه في عصور قديمة، ويجب أن نعرف أن نهر النيل ينبع من حيث لا تعرفين ولا يمكن أن تتخيلى منابعه، والفكرة التي ظلت سائدة أن هذا النهر ينزل من السماء وتحديدًا من القمر، وفى العصر الإسلامى أن هذا النهر هو من أنهار الجنة، ولم يبدأ بحث حقيقى لاكتشاف منابع النيل".
وعن أسرار مياه النيل قال: "لا توجد أسرار عندما يقولون ثمة أسرار أضحك، ما الأسرار، المنابع كلها تحت، وليس لدينا سوى التصرف الذي يبدأ عند أسوان، ولا يزيد حجمه على 60 مليار متر مكعب، ماذا لدينا؟ المهندسون القدامى الكبار قدموا لنا رصدًا مهمًا لذلك، ولكن على أية حال إنجلترا كانت مهتمة بمياه النيل".