رئيس التحرير
عصام كامل

ليس الإخوان فقط !!


كان ذلك يوم 30 يناير 2011، حينما سأل فريد زكريا، الدكتور محمد البرادعى، من خلال قناة "السى إن إن" وقال له: "إحدى الرؤى التى تُشكل وسواسا لدى الأمريكيين، هى تلك الخاصة بالثورة الإيرانية، عندما تم استبدال ديكتاتور مؤيد لسياسات الولايات المتحدة، بنظام أسوأ بكثير ومُضاد للولايات المتحدة، وأكثر تهديداً للشرق الأوسط.. إن الناس قلقون فيما يتعلق بالإخوان.. هل أنت واثق أن مصر ما بعد مبارك، لن تمنح صعوداً لشكل من القوة الأصولية الإسلامية، والتى يمكنها أن تُعرقل ديمقراطية مصر؟".


رد البرادعى بمنتهى الثقة، بل بسخرية من السؤال فى حد ذاته: "إننى على ثقة تامة يا فريد!! أن تلك خُرافة، تم ترويجها من خلال نظام مبارك، بأنه إما نحن أو نظام شبيه بالإسلامى الأصولى المتحالف مع القاعدة!! إن الإخوان المسلمين، ليسوا مُتشابهين مع النموذج الإيرانى، وليس لديهم أى علاقة بالتطرف الذى رأيناه فى أفغانستان وفى أماكن أُخرى.. إن الإخوان هم جماعة دينية مُحافظة.. إنهم أقلية فى مصر ولا يشكلون أغلبية الشعب المصرى، ولكن لديهم الكثير من المصداقية، لأن كل الأحزاب الليبرالية الأُخرى، تم كتم صوتها فى الـ 30 سنة الأخيرة.

  وتابع : "إن الإخوان يفضلون دولة مدنية.. إنهم يفضلون دستورا به خطوط حمراء، بحيث يكون هناك مساواة فى الحقوق والواجبات بين كافة المصريين دون أن تكون الدولة مؤسسة على أُسس دينية.. ولقد تواصلت معهم على أساس أننا فى حاجة إلى أن نعمل معهم، لأنهم جزء من المجتمع المصرى، كما هو حال الشيوعيين المُضادين لهم هنا!! أنا على يقين أننى أستطيع أن أنفى الفكر الذى بيع للناس من قبل نظام مبارك، وأن أقول إنه لا يتوافق مع الواقع!! أنت تعرف يا فريد.. أننى أعمل مع الإيرانيين.. هناك فرق 100 % بين المجتمعين!!".

لقد كان الثوار يُهللون ويُكبرون للدكتور البرادعى، حينما قال هذا الكلام، تماماً كما يُكبر ويُهلل الإخوان لرموزهم عندما يقولون أى شىء!!.
 واليوم، حينما ثبُت عكس كلمات البرادعى، (وقد رأيت عكس ما قاله، مثلما رأى الكثيرون، منذ ما قبل 30 يناير، الذى تكلم فيه الدكتور البرادعى، ويبدو من الواضح أنه لم يكن مُتلامساً على الإطلاق مع الطبيعة المصرية، ومثل غيابه الطويل عن مصر، عدم إدراك للكثير من مُتغيراتها.. أو أنه كان مُدركاً، وفقاً لما يقوله أنصاره عنه من أنه يمتلك الرؤيا.. ولكننى لا أحبذ أن أقول هذا الكلام، لأننى لا أريد أن "أخون" الرجل!!).. أقول: واليوم حينما ثبُت العكس، لا يزال من أيدوا البرادعى فى كلماته السابقة، أيضاً يكبرون ويهللون له، مثل الإخوان الذين يكبرون لأى قرار يقول به أى قيادى إخوانى، سواءً كان القرار وعكسه خلال ساعات قليلة، وعلينا ألا ننسى الدكتور أبو الفتوح فى هذا الصدد أيضاً!!.

فالدكتور أبو الفتوح الإخوانى، (الذى يزعم أنه ليبرالى طيلة الوقت، خداعاً وإفكاً)، كان كاشفاً للغاية مع رفضه انسحاب الساسة من الجمعية التأسيسية الأولى للدستور، والتى كان يغلُب عليها طابع سيادة الفصيل الواحد المُتأسلم، وتوجيهاته لكتابة النصوص الإخوانية، ولقد قال فى بيان أصدره يوم الإثنين 26 مارس 2012: "إن هذا الانسحاب لبعض الأحزاب والشخصيات الوطنية، هو خُسارة نأسف لها".. ونفس هذا الرجل، كان قد رأى أثناء ما عُرف بثورة "25 يناير" وقبل تنحى مبارك، بأن "عمر سليمان شخصية وطنية".. ثم بعدها غير رأيه كلياً للعكس، وقال فى بدايات إبريل 2012، مع تقدم المُرشحين لخوض معركة رئاسة الجمهورية فى مصر: "إن ترشُح فلول الوطنى للرئاسة ما هو إلا "بجاحة" منهم، وأنه لا يُمكن أن نترك الساحة لفلول الوطنى من أمثال عمر سليمان وغيرهم"!! وبالطبع، فإن مؤيدى أبو الفتوح، يصفقون له، سواءً قال إن عمر سليمان شخصية وطنية أو أنه قال عنه ما قاله مالك فى الخمر، ويرون فيه الشخصية "الليبرالية الفذة"، ولا يهم فى هذا الصدد "إن افتخر علناً بإخوانيته أو بمحبته للفكر التكفيرى لسيد قطب، وليس بسنة الرسول، عليه الصلاة والسلام، حينما رفض أن يصف "أبو سفيان" بكونه "فلولاً"، حينما دخل مكة المُكرمة، وما أدراك من هو أبو سفيان، وما فعلت زوجته هند بنت عُتبة، فشتان بين الحاقدين الذين يريدون تقسيم مصر فى سبيل مصلحة فصيلهم الإخوانى، وإن أنكروا أخلاقيات الرسول عليه الصلاة والسلام، والذى بنى أُمة موحدة فى سبيل الله والحق!!

لا!! لا يمكن أن نظلم الإخوان ونعرض ما يقومون به وحدهم فقط ،على أنه "ثقافة الإمعات"، فهم تابعون لثقافة، كانت مُتبعة أيضاً من أعضاء الحزب الوطنى قبل ما عُرف "بثورة 25 يناير"، تجاه الرئيس السابق مبارك!! فالإخوان يوافقون رموزهم على أى شىء وعكسه، مثلما يفعل أتباع البرادعى أو أبو الفتوح أو حمدين!!! جميعهم، يجب وأن يوضعوا فى سلة واحدة، لأنهم يتبعون نفس الثقافة، وما تلك التى يطلقون عليها ثورة، إلا مُسيدة لما كان سائداً من قبل، من عبادة للفرد، حيث الجمهور يُصفق للرمز على أى شىء،.. وإياك أن تُهاجم هذا الرمز، وإلا أكلوك، لأنه "ربهم الأعلى"!! ربما يمكن أن نُرجع ما يقومون به، إلى ما وصفوه هم "بمُتلازمة ستوكهولم"، فى دفاعهم عن ثورتهم، التى لم تغير شيئاً، إلا فيما يتعلق بالوجوه وسيادة الفوضى وإحالة مصر إلى الخراب!!.

اهتفوا بالحق وله، وليس للأشخاص، فلا يمكننا أن نُغمض أعيُننا عن الحق، بينما نريده لبناء مصرنا الجديدة!!
والله أكبر والعزة لبلادى..

وتبقى مصر أولاً دولة مدنية..
الجريدة الرسمية