التأمين التكافلى وإدارة الخطر فى الإسلام
أجمع العلماء على أننا نعيش حاليا عصر الأخطار، حيث شهدت العقود الأخيرة وقوع العديد منها على كل المستويات، وقد تجاوز تأثيرها الحدود الجغرافية للمكان الذى حدثت فيه فامتدت إلى أماكن أخرى كما امتدت آثارها أيضًا عبر الزمان إلى الأجيال القادمة التى لم تر النور بعد، وذلك على الرغم من التقدم العلمى الهائل فى دراسات التنبؤ بهذه الأخطار وطرق مجابهة آثارها السلبية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، الأمر الذى يؤثر على رفاهية الشعوب بشكل عام.
ويسعى الإنسان منذ القدم إلى إدارة الأخطار التى تواجهه وتأمين حاجاته الأساسية لضمان بقائه، ويعتمد فى حماية نفسه على التفاعل الديناميكى مع أفراد مجتمعه، وقد تطورت أشكال هذه الحماية بتطور المجتمعات البشرية.
ولقد ورد المفهوم الأساسى لإدارة الخطر فى الإسلام فى القرآن منذ أربعة عشر قرنًا، ومن أجمل قصص القرآن، قصة يوسف "عليه السلام" التى تضع المستقبل صوب نظرها لإدارة الخطر، وذلك فى قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ} يوسف: 3 .
ويمكننا أن نلحظ آيات محددة عن إدارة الخطر والاحتياط للمستقبل بالادخار من سنين الخصب إلى سنين الجدب فى أهم الأمثلة من خلال الوصف فى قوله تعالى: {وَقَالَ المَلِكُ إِنِّى أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ وَقَالَ الَّذِى نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِيقُ أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّى أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}.
ومن الواضح جدًا فى المنظور الإسلامى لإدارة الخطر أن الإسلام وهو يحثُّ المرء على بذل أقصى الجهود لتجنب الأخطار أو التقليل منها، يقر فى الوقت نفسه بأن مسعاه فى هذا الأمر مرهون بإرادة الله.
ولقد مارس النبى (صلى الله عليه وسلم) إدارة الخطر فى الأيام التى أعد العدة فيها للهجرة إلى المدينة، فقد طلب فى البداية من عليّ بن أبى طالب أن ينام فى فراشه وأن يغطى نفسه بعباءته الخضراء، وقد اتخذ هذه الخطوة لأن بيته كان محاطًا بالكفار يحاولون إلقاء القبض عليه أو قتله، ومع وجود عليّ فى فراش النبى، ركز الكفار أنظارهم على الفراش داخل البيت وترك النبى البيت دون أن يلاحظه أحد.
لذا فمن الضرورى أن تتخذ "الرقابة المالية" المزيد من الإجراءات المرنة لزيادة شركات التأمين التكافلى فى ظل توجه شعبى إسلامى لكى يكون مبدأ التكافل الاجتماعى دعامةً أساسية من دعائم المجتمع الإسلامى، وأن يكون مفهوم التكافل فى موضوع التأمين الإسلامى قائماً على جَمعِ القوى الإنسانية فى المجتمع بهدف المحافظة على دفع الأضرار عن البناء الاجتماعى وإقامته على أسس سليمة.