جريمة عبدالله كمال
هذه محاولة ليست مدفوعة الأجر.. بريئة من كل أنواع المجاملات لإنصاف مهنى من طراز فريد.. وصحفى يعتز بمبادئه فى زمن صار فيه الثبات على الموقف تهمة.. والتمسك بالمبدأ جريمة.. وربما تكون تلك المحاولة مبررا للكتابة عن شىء جميل فى زمن ساد فيه القبح وتصدر فيه أنصاف الموهوبين المشهد.
عن عبدالله كمال أتحدث.. ليس فقط لأنه صاحب مدرسة صحفية من طراز فريد، وليس لأنه أحد نجوم جيل الوسط فى بلاط صاحبة الجلالة وليس لأنه صاحب تجربة ــ سواء اتفقت أو اختلفت معها ــ رائدة فى مؤسسة روزاليوسف، حيث نجح فى إمداد المهنة بجيل واعد من شباب الصحفيين.. أعطاهم الفرصة، وأفرد لهم المساحات الواسعة داخل المطبوعة التى كان يرأس تحريرها سواء على صفحات الجريدة اليومية أو المجلة الأسبوعية، ولكن لأنه أصبح مثالا على الحال المايل الذى وصلت إليه مصر بعد وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم وتفرغ قياداتها لتصفية الحسابات مع من كشفوا آلاعيبهم طيلة السنوات الماضية.
أعرف أن عبدالله كمال محسوبا على النظام السابق وأدرك تماما أن الكتابة عنه والإشادة به قد تدخلنى نادى "الفلول" من أوسع أبوابه، وقد تجعل أصدقائى ومعارفى من المنتمين للجماعة التى وصلت إلى الحكم فى ظروف غامضة يصبون على اللعنات.. لكن هذا أو ذاك لن يمنعانى من إعطاء الرجل ما يستحق والوقوف إلى جواره فى وجه حملة ظالمة تستهدف النيل منه وتشويه سمعته.. لا لشىء سوى أنه رفض التلون وأعلنها صريحة فى نفس يوم تنحى الرئيس السابق أنه لن ينقلب على آرائه.
إن جريمة عبدالله كمال الوحيدة أنه رفض منذ البداية أن يبيع مبادئه وأصر على التمسك بأفكاره رغم أن زملاءه من رؤساء تحرير "عهد مبارك" بدلوا مواقفهم كما يبدلون ملابسهم وسارعوا إلى الارتماء فى حضن الإخوان طلبا للعفو والغفران.. كان بإمكان "كمال" أن يسير فى الركب وأن يتبرأ من الماضى لكنه اختار الطريق الأصعب وقرر الدفاع عما يعتقد أنه صحيح حتى النهاية مهما كلفه الأمر، ورغم أنه جرت محاولات متكررة للزج باسمه فى قضايا فساد وتربح إلا أن تحقيقات جهاز الكسب غير المشروع معه كانت تنتهى عادة بالإفراج عنه لعدم ثبوت أى تهمة فى حقه.
قبل 6 سنوات جمعنى أول لقاء بالأستاذ عبدالله كمال.. يومها ذهبت لأحاوره ضمن سلسلة حوارات مع نجوم الصحافة نشرتها فى صحيفة "الموجز"، بعدها صارت بيننا علاقة إنسانية جعلتنى أواظب على زيارته فى مكتبه كلما سمح وقته، وأحيانا كنت ألتقيه مصادفة على مقهى "فيينا" بشارع القصر العينى فى وسط القاهرة.. والحق أقول إنه فى كل اللقاءات التى جمعتنى به تعرفت عليه عن قرب ورأيته محبا لوطنه مؤمنا بأفكاره الى أبعد مدى متصديا للأفكار المتطرفة التى لا تتفق مع طبيعة المصريين المتسامحة.