رئيس التحرير
عصام كامل

لا أحد برىء فى النزيف السورى


يشترك الرئيس بشار الأسد والمعارضة السورية فى اعتقاد كل منهما أنه سيخرج منتصراً من المواجهة الحالية إذا استمر فى طريق القتل والتدمير.
هما يشتركان أيضاً فى العيش فى عالم من الوهم أو الخيال صنعه كل من الطرفين بيديه، فالنظام يعتقد أنه سيهزم المعارضة فى أسابيع، والمعارضة تعلن منذ سنتين أن النظام سيسقط بعد شهرين.

بعد ذلك أزيد أن الرئيس اجترح معجزة فى خطابه الأخير، فقد عارض الحل الذى اقترحه (واسمه الصحيح اللا حل) العالم كله خارج القوقعة (أو الفقاعة بلغته) التى يعيش بداخلها، فرفضه المجلس الوطنى فى الخارج وهيئة التنسيق فى الداخل، وكل أطياف المعارضة من الوطنى المعتدل إلى الإرهابى القاتل، ورفضته معهم دول الشرق والغرب. طبعاً إيران أيدت إلا أن السبب ربما كان أنها كتبت اللا حل مع الرئيس السورى.
لا أحد برىء فى النزيف السورى المستمر، لا الرئيس أو المعارضة، أو الدول العربية التى دعمت المعارضة لأسبابها، وليس لحماية الشعب السورى، أو الولايات المتحدة التى قالت الشىء ثم عكسه بانتظام، أو الدول الأوربية التى لم تقدم غير الإدانات والوعظ، أو الصين المتحفظة، أو روسيا المترددة.
مفوضة حقوق الإنسان فى الأمم المتحدة نافى بيلاى قالت إن 60 ألفاً من السوريين قتلوا حتى الآن، والرقم ربما كان 50 ألفاً وربما وصل إلى مئة ألف، فهو تقديرى والحقيقة ضائعة بين إنكار النظام ومبالغات المعارضة.
هل يعقل أن يقتل عشرات ألوف السوريين ويعجز مجلس الأمن عن عقد جلسة واحدة للبحث عن مخرج يحمى أرواح الناس؟ مرة أخرى، لا يوجد أبرياء فى الموضوع السورى فالكل مسئول (وأنا من هذا الكل ففى البداية لم أتصور أن النظام سينتحر وعنده مخارج عدة من الأزمة التى بدأت بتظاهرات سلمية).
هل ينتظر العالم أن يقتل مئة ألف سورى آخر قبل أن يتحرك لإنقاذ شعب رأيته دائماً واسطة العقد فى المجموعة العربية؟
معلوماتى من المعارضة السورية أن 70 فى المئة من سلاح الجيش الحر هو غنائم من الجيش السورى، و30 فى المئة دعم خارجى، ومن الرقم الأخير 15 فى المئة من دولتين عربيتين وخمسة فى المئة من شيوخ سلفيين فى الخارج للسلفيين المحليين، وخمسة فى المئة من أفراد سوريين يقيمون خارج بلادهم، وخمسة فى المئة من أفراد سوريين يملكون السلاح فى الداخل. هل هذا صحيح؟ أنقله كما سمعته.
أمس قرأت معلومات أمريكية عن أن النظام السورى كان يعد قنابل كيماوية أكثرها من مادة سارين لاستعمالها ضد الثوار، وأن إسرائيل نبهت الولايات المتحدة التى اتصلت بروسيا لإقناع النظام بتجنب استخدام أسلحة الدمار الشامل، وهذا ما حدث.
لا أدرى مدى صحة المعلومات وإن كنت أميل إلى تصديقها، فالنظام على ما يبدو قادر على ارتكاب ما يرفض الناس جميعاً مجرد التفكير به، وثمة دليل يومى هو تدمير المدن بالمدفعية الثقيلة وغارات الطائرات الحربية.
المنطق يقول إنه إذا استعمل النظام أسلحة كيماوية فنهايته ستأتى فى أسابيع، لا أشهر، لأن العالم الخارجى بما فيه الولايات المتحدة سيضطر إلى التدخل. يتبع ما سبق أن المنطق نفسه يقضى بابتعاد النظام عن استخدام مثل هذه الأسلحة حتى لا يعطى خصومه عذراً شرعياً لدخول سوريا وإسقاطه.
غير أن المنطق هو آخر ما رأينا فى المواجهة المسلحة داخل سوريا، والرئيس الذى لم يبق له حليف واحد فى العالم سوى إيران يقدم نفسه على أنه الحل، فكأنه يتكلم من داخل تلك القوقعة أو الفقاعة التى يجلس بداخلها، ويرفض أن يرى الحقائق الدامية حوله.
هو أصاب فى حديثه عن إرهابيين والقاعدة ومجرمين ضمن التحالف العسكرى ضده، إلا أنه مسئول عن وجودهم. فمنذ أول تظاهرة سلمية فى آذار (مارس) 2011 ارتكب النظام الخطأ تلو الخطأ، فكأنه حليف مع أعدائه يساعدهم على تنفيذ «الأجندة» الخارجية التى تحدث عنها.
هذا النظام لا يملك أسباب البقاء، والشعب السورى يستحق شيئاً أفضل من المعارضة الحالية التى تزعم أنها تتحدث باسمه، والأزمة ستطول بين خصمين يتنقلان بين الخطأ والجريمة، والضحية الشعب السورى.
نقلاً عن الحياة اللندنية
الجريدة الرسمية