رئيس التحرير
عصام كامل

«الجهاد» وجه شرعي لـ«الإرهاب».. العائدون من سوريا يشكلون خطرًا على مصر.. اغتيال السادات نقطة فاصلة في تاريخ الجماعة الجهادية.. ألبانيا وأفغانستان محطتا «ترانزيت» استعدادً

الجماعة الإسلامية
الجماعة الإسلامية - صورة أرشيفية

أعادت دعوة الجماعة الإسلامية المصريين للجهاد في سوريا خلال الأيام الماضية، للأذهان دعوة سابقة من سنوات للجهاد في ألبانيا وأفغانستان والذين تم رفع أسمائهم من قوائم ترقب الوصول وعادوا ليهددوا متظاهري 30 يونيو المقبل.


هنا يمكن الإشارة إلى أن "جماعة الجهاد" أنشئت في مصر أواخر السبعينات، خلال فترة نشأ بها العديد من التنظيمات والقوى والجماعات الإسلامية المتطرفة التي تسعى إلى هدم النظام القائم وإقامة نظام حكم إسلامي مستخدمة العنف وسيلة رئيسية للوصول إلى هذا، وكان من أبرزها تنظيم الجهاد الذي نفذ عملية اغتيال الرئيس السادات عام 1981 وأعدم على إثرها 5 من أعضائه البارزين، هم: "محمد عبد السلام فرج الذي يعتبر مؤسس التنظيم، خالد الإسلامبولي، عبد الحميد عبد السلام، عطا طايل وحسين عباس.

وكذلك هناك الجماعة الإسلامية التي نفذت مجزرة الأقصر عام 1997 ضد الأجانب وأسفرت عن مقتل 68 شخصًا منهم 58 سائحًا أجنبيًا وجرح 24 آخرين.

وبالعودة مرة أخرى إلى الجهاديين في ألبانيا، نكتشف أن هذا البلد كان إحدى المحطات التي لجأ إليها أفراد التنظيم كمحطة انتقالية، إما طلبًا للعمل والمأوى أو كمحطة للسفر إلى الدول الأوربية الأخرى، وتحديدًا بعد مضايقات السلطات الباكستانية للأصوليين العرب على أرضها، حيث عمل العديد من أعضاء التنظيم في الجمعيات الخيرية هناك كما اتخذوا من مؤسسة التراث مركزًا للإدارة والتنظيم.

ولعل من أشهر الشخصيات التي سلمتهم ألبانيا لمصر "أحمد النجار" المتهم بعملية سطو مسلح على منزل المستشار الألماني في العاصمة اليونانية أثينا لتوفير الدعم المالي للتنظيم، ومن الذين سلمتهم ألبانيا أيضًا شوقي سلامة، عصام عبد التواب، على سلامة، كما طالبت مصر بتسليمها عبدالمنعم نعيم، محمد نجيب ياسين، وفي فترة من الفترات شكلت ألبانيا مصدرًا من مصادر الدعم المالي للتنظيم عبر بعض التبرعات.

ومنذ إلقاء القبض "على النجار"، بدأت عناصر التنظيم في التساقط، حيث اعترف "النجار" على عدد كبير من شركائه وأدلى بمعلومات تفصيلية حول الدعم الذي تلقاه من قيادات جماعة الجهاد الإسلامي وعلى رأسهم أيمن الظواهري وعادل عبدالمجيد وثروت صلاح شحاته في بريطانيا، حيث كان ينتمي لتنظيم الجهاد الذي أسسه عبود الزمر ومحمد عبدالسلام فرج وقام بعملية اغتيال الرئيس السادات عام 1981 خلال العرض العسكري في ذكرى احتفال مصر بنصر أكتوبر العظيم.

وفى ذلك الوقت حكمت المحكمة العسكرية عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات فقط وتم الإفراج عنه في نهاية عام 1984، وخلال الفترة من تاريخ الإفراج عنه وحتى الآن لم يتوقف النجار عن ممارسة أنشطته التنظيمية المحظورة، وعمل بعد خروجه على إحياء تنظيم الجهاد عام 1988 من خلال تجنيد بعض العناصر في منطقة ناهيا بمحافظة الجيزة، إلا أن أجهزة الأمن المصرية ألقت القبض على مجموعته فيما عرف في ذلك الوقت باسم منظمة القصاص الإسلامي.

وعقب الإفراج عنه مرة أخرى، حاول النجار تشكيل مجموعة تنظيمية أخرى للقيام بعمليات مسلحة والعمل على قلب نظام الحكم إلا أنه قرر الهروب من مصر نهائيًا بعد أن كشفت أجهزة الأمن المصرية أعضاء التنظيم المتطرف الذي تزعمه النجار والذي كان يخطط للإضرار بالاقتصاد المصري عبر تفجير حي خان الخليلي السياحي بمنطقة الأزهر الشريف.

"النجار" استطاع الدخول إلى الأراضي اليمنية وأقام في مدينة صنعاء لفترة قصيرة كان خلالها على اتصال بالرجل الثاني في التنظيم الذي شارك في تفجير "خان الخليلي" والذي كان مختفيًا عن أعين أجهزة الأمن المصرية قبل إلقاء القبض عليه وهو المتهم يوسف الجندي والذي كان يقيم في منطقة كرداسة غرب القاهرة.

وتواصلت الاتصالات بين النجار والجندي طوال فترة بقائه في صنعاء وحتى تم الكشف عن شخصية الجندي وإحالته إلى المحاكمة وصدور الحكم ضده بالأشغال الشاقة المؤبدة في القضية رقم 60 لسنة 1994 جنايات عسكرية.

وخلال محاكمة التنظيم أصيب النجار بالفزع الشديد من أن يعترف يوسف الجندي على مكانه بالتفصيل ويكشف عن تفاصيل دوره في المنطقة، الأمر الذي يدفع الحكومة المصرية بتقديم طلب للسلطات اليمنية لتسليمه فقرر الهرب من صنعاء إلى إحدى العواصم الأوربية ليطلب اللجوء السياسي على غرار ما فعله قادة التنظيم من قبل.

كان "النجار" قد قال في التحقيقات التي أجريت معه، إنه عرف أن الحكومة اليمنية قد بدأت في التعاون الكامل من الناحية الأمنية مع السلطات المصرية ولذلك قرر الهرب من اليمن وأثناء التحقيقات معه، وقال النجار: "فكرت في أن أحد قادة الجهاد الهاربين منذ فترة طويلة يمكنه مساعدتى في ذلك فاتصلت بعادل عبدالمجيد الحاصل على حق اللجوء السياسي في بريطانيا والمقيم في العاصمة لندن، وعادل يدير من هناك مكتبًا إعلاميًا باسم مكتب الدفاع عن الشعب المصري يهاجم من خلاله الحكومة المصرية عبر نشر المطبوعات والمنشورات المعادية للنظام، وعندما أبلغته بالموقف قام بمساعدتي بأن أرسل لى 1500 دولار أمريكي ليتمكن من مغادرة اليمن".

وبالفعل نجح "النجار" في الهروب عبر أوراق سفر مزورة ووصل إلى ألبانيا، ومع وصول النجار إلى ألبانيا بدأ رحلة جديدة من العمل التنظيمي الذي يهدف إلى إعادة إحياء تنظيم الجهاد الذي تلقى ضربات مكثفة على أيدي الحكومة المصرية في كل مرة حاولت قيادته إحياءه من جديد.

وطبقًا للاعترافات المسجلة للنجار في ملف التحقيق معه، أضاف أنه عقب ذهابه إلى ألبانيا عمل مدرسًا للغة العربية والدين في مدرسة تابعة لإحدى الجمعيات الخيرية الإسلامية واستطاع خلال أشهر قليلة أن يحظى بثقة المسئولين بهذه الجمعية من المسلمين الألبان الذين أسندوا إليه مهمة إدارة الجمعية بالكامل.

ووفقًا للاعترافات فإنه خلال هذه الفترة بدأت الاتصالات تتجدد مرة أخرى مع قادة الجماعة في لندن ومع الدكتور أيمن الظواهري زعيم تنظيم الجهاد في الخارج، في حين كان الاتصال بكل من عادل عبدالمجيد وثروت صلاح شحاته سهلًا، حيث أضاف: "كانت المحادثات الهاتفية مع الدكتور الظواهري تتميز بصعوبة شديدة خاصة بعد أن انكشف مكان إقامته في جنيف في سويسرا وقرر الهرب إلى جهة أخرى غير معلومة حتى بالنسبة للنجار نفسه".

وذكر المتهم أيضًا في اعترافاته أن قادة الجماعة في المهجر لم يتراجعوا عن أفكارهم وما زالوا يعملون على تشكيل تنظيم مسلح على درجة عالية من التنظيم والتمويل والتخطيط والإدارة لتحقيق أهدافهم في الاستيلاء على السلطة في مصر، حيث يرى أن هذا الهدف ما زال يراودهم منذ فشل الانقلاب الذي دبره تنظيم الجهاد عام 1981 ونجحت الحكومة المصرية في ضرب التنظيم وتصفيته بالكامل.

وأكد في اعترافاته أمام نيابة أمن الدولة العليا أن الظواهري قد بويع من قبل أعضاء جماعة الجهاد في الخارج منذ عدة سنوات، وأن عبود الزمر قائد الجماعة السابق ومؤسس تنظيم الجهاد، وهو ما يفسر سبب التضارب بين قيادات الجماعات في السجن وبين الهاربين في الخارج تجاه مبادرات وقف أعمال العنف التي أعلنها قادة السجن ورفضها بعض قادة المهجر.

وفى اعترافاته أيضًا، ذكر "النجار" أن البناء التنظيمي لجماعة الجهاد حاليًا أصبح شديد التعقيد، نظرًا لأن عددًا كبيرًا من القيادات يعيش في الخارج، وكل من يعيش داخل مصر يحرص على عدم تعريض نفسه للمخاطر، وأضاف أنه لا يعرف جميع أعضاء الجماعة ولا طبيعة المهام الموكلة إليهم، ولكنه يعرف أن المحامي الهارب في لندن ثروت صلاح شحاتة هو المسئول عن جناح الأمن داخل التنظيم من خلال تأمين العضوية وحماية المعلومات والوثائق والتعامل مع محاولات الاختراق، فيما يمكن تسميته بجهاز مخابرات الجماعة الذي يتولى عمليات التأمين والحفاظ على التنظيم وتطهيره.

وبالإضافة إلى "النجار"، هناك عادل عبد المجيد الهارب إلى لندن أيضا باعتباره المسئول عن الجناح الاجتماعي للتنظيم ورعاية أعضائه داخل وخارج مصر وتوفير الأموال اللازمة للأعضاء سواء في حالات الهروب خارج مصر أو في حالة الاحتياج للأموال لأغراض معينة داخل البلاد.

وبحسب الاعترافات المذكورة لـ"النجار" أيضًا فإن الدكتور أيمن الظواهري، الذي يقيم حاليًا في منطقة غير معلومة بالنسبة لشركائه في التنظيم، هو الذي يتولى القيادة ويرسل تكليفاته لأتباعه سواء عبر الاتصالات التليفونية أو الفاكس أو البريد الإلكتروني، ويحرص الظواهري على بقاء التنظيم على صورة تجمعات عنقودية منفصلة، يتكون كل عنقود من عدد محدود من الأشخاص تحت قيادة أحد الموثوقين بإخلاصهم للجماعة.

كما تقوم كل مجموعة بالتدريب على مهام محددة وصغيرة وفي حالة القيام بعمل كبير ومتكامل يقوم قائد التنظيم بتوزيع التكليفات على المجموعات المختلفة في سرية شديدة حتى تكتمل عناصر المهمة والهدف من هذا التوزيع الدقيق للأدوار هو عدم الكشف عن جميع أعضاء التنظيم دفعة واحدة، ففي حالة انكشاف إحدى المجموعات لن يستطيع أعضاؤها الإدلاء بأية معلومات تفصيلية إلا في حدود ما يعرفونه عن زملائهم في هذه المجموعة فقط.

والآن ومع تدهور الأوضاع في سوريا، انتشرت دعوات بعض رموز التيارات السلفية للشباب المصري بالذهاب لمشاركة إخوانهم في سوريا في ثورتهم على نظام بشار الأسد، فهناك تختلط الثورة على الظلم بالصراع الطائفي بين السنة والنصيرية المتطرفة، وهي دعوات تثير هواجس الأمن القومي حول طبيعة الجهات المنظمة لسفر الشباب إلى سوريا بعيدًا عن رقابة الدولة، ما يطرح أسئلة قد تكون إجابتها صعبة، فمن يقف خلف سفر هؤلاء الشباب، وهل يريد حقًا نصرة الإسلام أم تدريب الشباب على حمل السلاح تمهيدًا لتشكيل ميليشيات مسلحة ومدربة، وما الضمانة ألا يتشرب هؤلاء الشباب بعد عودتهم من سوريا العقلية الجهادية التكفيرية ويتحولون كما كان في الثمانينيات إلى خطر على الأمن القومي، ليعيد للذاكرة دعوة الرئيس السابق السادات فتح باب الجهاد لدعم المجاهدين الأفغان في مواجهة الغزو السوفيتي، وحينها احتل المصريون المرتبة الأولي من حيث العدد بالنسبة للمجاهدين العرب في أفغانستان، إلا أن عودتهم إلى مصر حملت أفكارًا تكفيرية كادت أن تفجر المجتمع وهو ما عانت منه مصر لسنوات طويلة، وهو السيناريو القابل للتكرار مع العائدين من سوريا.

ومنذ أحداث ثورة 25 يناير توافد إلى القاهرة العديد من قيادات وأعضاء الحركات الجهادية التي أسهمت بشكل أو بآخر في أحداث سبتمبر، وكان لها دورها الكبير في العملية من خلال الانضمام إلى تنظيم القاعدة في أفغانستان.

وطوال السنوات الماضية وبعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان في أكتوبر عام ٢٠٠١ بعد شهر واحد من أحداث سبتمبر تفرق الكثير منهم في العديد من الدول المجاورة، فانقسموا إلى قسمين الأول وهو الأبرز إلى إيران حيث عاشوا فيها بشروط محددة على رأسها شبه تحديد لإقامتهم وعدم التعامل مع الإعلام أو الاتصال بذويهم في مصر أو في أي بلد في العالم وعدم الإعلان عن وجودهم في إيران، والقسم الثانى ذهب إلى باكستان لكن الغالبية العظمى منهم قتل في عمليات مسلحة أمريكية نتيجة التعاون الكبير بين باكستان وأمريكا.

تردد في الآونة الاخيرة أن عدد العائدين إلى مصر من الجهاديين وصل إلى نحو أكثر من ٥٠٠ إسلامى عادوا من مختلف بلاد العالم، وهؤلاء ينقسمون إلى قسمين الأول وهم الذين فروا من مصر بعد اندلاع أحداث العنف والصدام بين الدولة المصرية والجماعات الإسلامية عقب أحداث المنصة، التي راح ضحيتها الرئيس الراحل أنور السادات، وظلت عمليات الخروج منذ ذلك الحين وحتى بداية التسعينيات، كان أبرز وقت لها عندما كانت الدولة المصرية إبان الحرب السوفيتية الأفغانية، تسمح لهم بمغادرة البلاد «للجهاد» ضد السوفيت في أفغانستان واستقر معظمهم في أفغانستان وباكستان ثم دول أوربا الشرقية وانخرط غالبيتهم في تنظيم القاعدة، وقتلوا سواء في الحرب الأمريكية على أفغانستان أو في المطاردات الواسعة التي تشنها واشنطن، وتم أسر آخرين في معسكر جوانتانامو، ووضعتهم الأجهزة الأمنية المصرية على رأس المطلوبين لديها، وحصل غالبيتهم على أحكام بالإعدام والسجن في محاكمات غيابية داخل مصر.

أما القسم الثانى ينتمون إلى الحركات الجهادية لكنهم فروا إلى خارج البلاد من الملاحقات الأمنية، خوفًا من الزج بهم في قضايا وهمية فاتجه معظمهم إلى عدد من البلاد العربية، وحصل معظمهم على حق اللجوء السياسي.

الجريدة الرسمية