رئيس التحرير
عصام كامل

وزير الري.. الرجل الغرقان في دوامات الخضة والاندهاش

فيتو

بسبب تراجع هواية القراءة والمطالعة عندي، لم أكن قرأت ولا رأيت ولا سمعت ولا عَرَفْتُ شيئًا عن الرجل الطيّب الدكتور محمّد بهاء الدين، وزير الريّ والموارد المائيّة في الترقيع الأخير لوزارة طاقيّة الإخفاء التي يقودها المواطن المعجزة هشام قنديل.


وعندما شاهدتُ الرجل بهاء الدين للمرة الأولى يتحدّثُ على شاشة التلفاز، أدركتُ أنّه بريء مثلنا تمامًا ولا يعرفُ سببا لاختياره لهذا المنصب في هذه الظروف القاسية المهبّبة التي تتطلّب مواطنا سريع التفكير والحركة والتنفيذ، وعلى وعيٍ كاف بالمخاطر التي تتكالبُ علينا فيما يخصّ صراع المياه الذي قد يفضي إلى عواقب وخيمة ولا يعلم مداها إلا الله.

والدكتور الوزير متفائل، يأسان، متفاجئ، مندهش، موافق، معترض، متردّد، قلِق، فرحان، زعلان، بينَ بينَ، يعني باختصار ستجد كلّ ما تريده لديه، كلّ المتضادات حاضرةٌ فيه في لحظةٍ واحدة، وتشعر أنّه في حالة توهان تذكّرني بحالة القروي الغلبان رجب (عادل إمام) عندما ذهبَ إلى المدينة للمرّةِ الأولى ضمن أحداث الفيلم التافه "رجب فوق صفيح ساخن".

ولأنني بطيء المتابعة، فقد قلتُ ـ في عقل بالي: في هذه الظروف المائية الحالكة، كان ينبغي على مكتب الإرشاد (بوصفه الحاكم الفعلي للبلاد في هذه المرحلة المقندلة) أن يأتي بوزير للريّ والموارد المائية على علم بكلّ هذه المخاطر وعلى دراية كافية بتاريخها وتفاصيلها، ولديه عدة حلول أو سيناريوهات للتعامل معها، أما هذا الرجل المخضوض المتفاجئ أوتوماتيكيًّا (من تلقاء نفسه يعني).

فكبيره أن يجلس تحت توتة تمرّ بجوارها قناة في غيط عمك الحاج عبد ربّه، ويا حبّذا لو كانت المياه تجري في القناة على إيقاع ركية نار تحتضن ـ في جانبٍ منها ـ برّاد شاي عتيق مثقوب من الناحيتين ولا أذن له، ومن الجانب الآخر عددا من كيزان الذرة المسروقة من غيطان الجيران، والبقيّة معروفة من حكايات أبو رجل مسلوخة وأمنّا الغولة وثلاثي زعيط ومعيط ونطّاط الحيط.

غيرَ أنّ النفسَ الأمّارة بالمعرفة والنخربة فيما وراء هذه الشخصيات ألفُجائيّة، قادتني للسؤال عن هذا الرجل الصالح الذي جيء به من الدّار للنار، فبدا أمامنا وأمام الدنيا كلّها مرتبكا مرتعشا لا يملك من أمره شيئا، ولا يعرف كيف يردّ أو ماذا يقول، فكانت صدمتي فادحة وأقسى من وضع الرجل وأفجع، إذ وجدته ذا علاقة قديمة ووثيقة بوزارة الري والموارد المائية والحاجات دي.

وليس غريبًا عن مطبخ الكارثة ولا بعيدًا عن موقع الفرن، وتوصّلتُ إلى أنه قد شغل منصب رئيس قطاع التخطيط بالريّ منذ عام 2002 حتى 2003، ثمّ منصب رئيس قطاع الخزانات بوزارة الري والقناطر الخيرية منذ عام 2003 حتى 2005، ومن عام 2005 إلى 2007 وكيل أول للوزارة ورئيس مصلحة الريّ، ومنذ بلوغه سن المعاش في2007 أسند إليه منصب المنسق العام لمشروع الخطة القومية للموارد المائية والريّ وحتى ترشيحه لمنصب وزير الريّ.

كما شغل عددا من المناصب أهمها عمله كمدير لمعهد الهيدروليكيا ثم كنائب لرئيس المركز القومي لبحوث المياه ثم عمل رئيسًا لمصلحة الريّ والتي تعد أهم قطاعات وزارة الريّ (!!!) ضع ألف علامة تعجّب، واستأجر ألف نائحة وأقم جنازة حارة تليق بتشييع النيل والكرامة الوطنيّة.. فإذا كانت هذه المقطورة من المناصب المتدرّجة والمتعرّجة في دهاليز وزارة الريّ والتنقيط وتُرعها وقنواتها وسراديبها المختلفة والمتصلة ببعضها في آنٍ واحد.

وبعد كلّ هذه السنوات يخرجُ الرجل ويداه فارغتان لا تحملان شيئا من خبرة ولا تجربة ولا أي شيء يخصّ "الموضوع" ويبدو أمام الجميع "أبيض يا ورد" هكذا ؟ يا نهار أزرق من النيلة في أقل من سنة تحت قيادة مولانا الرئيس المؤمن تكبّدنا خسائر ما كانت أبدًا في الحسبان، ولا مرّت بها بلادنا طوال تاريخها التليد وفي أسوأ حالات ضعفها.

السيّد الرئيس منذ البداية داس دولة القانون، واعتبر مصر كلّها هي تلك المجموعة المنتمية إلى الجماعة المحظورة، وما عداهم فهم أقلية مارقة لا تستحق الاهتمام أو الالتفات، غير أننا كنا نتقبّل الأخطاء الفادحة والفاضحة بنوع من الصبر ونقول: ربّما مع الأيام واكتساب الخبرة تنصلح الأحوال، ولكن عندما جاءت الضربة القاضية بالإعلان غير الدستوري المستبد ـ 22 نوفمبر 2012م.

وتقهقرت مصر آلاف السنين إلى الوراء، وسقطنا في مستنقع العشوائية والارتجال والارتباك، ولبسنا شيئًا يشبه الحقنة الشرجيّـة اسمه مجلس الشورى، أجمعت كلّ دوائر القانون المعروفة وغير المعروفة على بطلانه وعدم شرعيته، ومن ثمّ بطلان كل ما ينتج عنه من قوانين وتشريعات، ولكنّ أسماع الجماعة لا تسمع إلا ما يروقها، ولا تنصت إلا لصوت غرورها واستبدادها واستعلائها المتورّم، ولو كانت قدّمت شيئًا يستحقّ، أو أنجزت إنجازا واحدا يليق بهذا الشعب ودماء شهدائه، لصفّقنا لها وأيدناها وساندناها مع غرورها واستعلائها وتورّمها.

لكنها لم تقدّم سوى الخراب والتهميش والتخوين، ليتم لها التمكين والتكويش والتهام ما تبقّى من روح الثورة ومن أحلامنا المسروقة، وكعادة كل عصر، وجدت المحظورة من المنافقين وركّاب الموجة ما يفوق أحلامها، أولئك ذوي الميول النفاقية والعمل كخبراء تجميل يزيّنون للناس كل الأفعال الهباب التي ترتكبها الجماعة خلف ستار السيّد الرئيس، هناك مواطنون لا يأتيهم النوم إذا باتوا شرفاء ـ بدون قصد ـ عندما يضع الواحد منهم رأسه على الوسادة ويحصي نفاقاته فلا يجد، يطير النوم من عينيه ويسهر يكتب شعر الغزل الصريح في عيون الجماعة وانقطاع الكهرباء وسد النهضة الذي يسمّيه البعض سد الألفيّة حتى لا يختلط الأمر على ضعفاء البصر أمثالي ويخلطون بين نهضة إثيوبيا ونهضتنا التي لا مثيل لها !

تنتشر الكائنات الإخوانية في الصحف وعلى شاشات التلفاز وفي خرابات الانترنت، فترى منها ما يحيلك على الفور إلى ظلمات ما قبل التاريخ، وتجد مصر العظيمة تجرُّ بعنفٍ وبقسوة لتُحشَر في مقبرة التخلّف والاندثار، وإذا كان أعضاء المحظورة لهم الحق في تجميل ما اقترفت أيديهم وقلوبهم، ولهم العُذر بعد أن نسوا عقولهم في صندرة المرشد، فما عُذرُ أولئك المتطوّعين الذين ينثرون الغبار في عيوننا، ويعرضون بضاعتهم المغشوشة في الطريق العام مثل فتيات الليل اللاتي يتسكّعن على نواصي الشوارع المظلمة؟

يتملّكني الاشمئزاز إلى درجة التقيّؤ عندما أرى أحدا من هؤلاء والكلام يتدلدق من شدقيه كالعنزة المبشومة، وأشعر أنه ـ بالرغم من أناقته الشكلية ـ يحمل تحت طيّات ملابسه وفي تكوينه أخلاق المومس التي تمارس أفعالها من باب الهواية أو "الطفاسة " إذ لا تحتاج فخامتها إلى المال، بل قد تكون زوجة لرجل محترم يُسكنها في بيت جميل ويوفّر لها ما لم يخطر ببالها من رفاهية. 

الكائنات الإخوانية كالشرائط المسجّلة، إذا قال أحدهم: كاك كاك كاك، يرد الآخرون: كاك كاك كاك، وإذا قال: واك واك واك، انطلق الآخرون: واك واك واك، بالكربون، على الفضائيات، وفي الصحف، وفي فضاء الانترنت الذي جعلوه مثل المراحيض العمومية لسوء ما يصنعون فيه، ولذلك تجد المصكوكات الآتية: أعطوا الرئيس فرصة فقد صبرتم على مبارك ثلاثين عاما // التركة ثقيلة والفساد فوق ما كنّا نظن // هذا أوّل رئيس منتخب ولن يذهب إلا بالصندوق // مجلس الشورى أعظم مجلس في تاريخ مصر وكل تشريعاته صحيحة // لا بدّ من تطهير القضاء مهما تكن التحديات //... إلخ إلخ إلخ... فإذا قلت لهم: هل مصر حقل تجارب حتى نصبر على مُرسيكم هذا ثلاثين عامًا أخرى فنفيق بعدها ولا نجد مصرنا على الخريطة ؟ يقولون: أنت خائن وعميل وفلول وتعمل ضد مصلحة الوطن !! أين مصلحة الوطن في فكر هؤلاء وتصرفاتهم وأعمالهم ؟ لم أرها ولم أرَ أثرًا يدل عليها.
 
مشكلة سدّ النهضة ليست وليدة اليوم، وليست مفاجئة إلى الدرجة التي تخضّ السيّد وزير الري، المشكلة بدأت منذ عصر محمد على باشا صاحب النهضة الحقيقية لا النهضة الوهميّة أو الفوتوشوب التي روّجها الإخوان من خلال باعتهم الجائلين المتسكّعين على نواصي الفضائيات والصحف المخرومة، ثم تجددت التهديدات مع الزعيم المرعب جمال عبد الناصر ومن بعده الرئيس الدكر أنور السادات ومن بعده الرئيس المخلوع الفاسد الـ.. كذا كذا، وكلهم وأدوا الأفكار في المهد، وأرغموا الآخرين على احترام حقوقنا، لأنهم كانوا رؤساء بجد، زعماء بجد، قادة لدولة عظيمة بجد، ولم يكونوا مجرد أرقام تمر على الكراسي الفارغة. 

السيّد الرئيس محمد مرسي يتجاهل الآخرين بشكل جارح ومهين، وأكرر.. لقد جلست أتابع خطابه الممل أمام أهله وعشيرته في استاد القاهرة بمناسبة احتفالات السادس من أكتوبر، وانتظرت أن يذكر اسما واحدا من أسماء أبطالنا أو شهدائنا أو زعمائنا فلم يذكر، ونفحنا خطابا يصلح أن يُقالَ في أية مناسبة، ومثلما جرحنا نحن ورثة الحزن والإحباطات لتجاهله شهداءنا وأبطالنا، فقد جرح الأشقاء في إثيوبيا عندما التقى بالأخ أسياسي أفورقي رئيس أريتريا وتطرّقا إلى مشاكل المياه ولم يذكر اسم إثيوبيا ولا رئيسها ولا أي عيّل من عيالها، وعندما ذهب للمشاركة في المؤتمر الأخير لم يحاول الاقتراب ومدّ الجسور وكان كلّ ما يحمله هو الخطبة الطويلة التي تتنافى ومثل هذه المؤتمرات الدولية فقطعوا عليه الصوت (وحسنا فعلوا، فهذا أهون من فتح الميكروفون على شخير الوفد كله في قطر الشقيقة)، وبعد أن عاد السيد الرئيس من أديس أبابا بأربع وعشرين ساعة تلقينا صدمة تحويل النيل الأزرق إيذانا ببداية بناء السد (لن أقول: سدّ النهضة ما دامت بتوجعهم)، وبعد وقوع الفاس في الرأس شاهدنا ردود فعل وزير الري المخضوض المتفاجئ المندهش، ثم شاهدنا على الهواء مباشرة جلسة فتّة الستّ باكينام، ورأينا الطريقة المقززة التي يلهط بها كلّ من مجدي أحمد حسين وأيمن نور ومحمد أنور السادات (التقليد)، وكان ما كان لتصبح مصر أكبر دولة مفضوحة بسبب هذه البلاهة وهذا التهريج !

الكارثة لم تبدأ بعد، ولذلك أقترح أن تكون جلسة الحوار الوطني السريّة المقبلة تحت التوتة في غيط الحاج عبد ربّه، وأن يرتدي الجميع الزي الرسمي للغيط: الجلابيب (الجلاليب) البلدي، وأن يتناولوا الفتّة القرديحي من مطبخ السيّدة باكينام، وتحت رعاية وزير الري والموارد المائية قبل إلغاء الوزارة، فلن يكون عندنا ري، ولا موارد، ولا مائية، اللهم إلا إذا جلسنا بالجرادل والجراكن تحت المزاريب المشروخة في انتظار المطر، وعندها، سيليق بنا إنشاء وزارة الأمطار والعواصف الرعدية، ولا مانع ـ عندي ـ من أن يكون وزيرها الرجل الطيب المندهش لله في لله.. محمد بهاء الدين !!.
الجريدة الرسمية