كورونا.. وأزمة الدور الاجتماعي للدولة
رغم أن تداعيات كورونا المستجد لم تنته بعد، إلا أن بعض الباحثين والمعنيين بالتنمية في معظم دول العالم قد تجاوزوا الحديث عن تلك التداعيات.
وانطلقوا نحو الحديث عن مستقبل التنمية بعد انتهاء تلك الجائحة، التى لم يضع لنا أحد تاريخاً محدداً لانتهائها.. ومن ثم يصبح الحديث عن مستقبل التنمية في ظل تزايد معدلات الإصابة بهذا الفيروس ضرباً من العبث!
إذ أنه من الطبيعي أن تكون الجائحة قد أوقفت كافة الخطط الإستراتيجية لغالبية المؤسسات والمجتمعات بل والأفراد على حد سواء.. وأصبح المنطق الوحيد فى ظل انتشار تلك الجائحة الذى لم يتوقف، والذى يتزامن معه ارتفاع غير مسبوق فى معدل الإصابة والوفيات، أن يخطط الجميع للوقاية من الإصابة بالفيروس.
اقرأ ايضا: ساقية شيبة
ومن ثم فإنه لا يمكن السُكات عن تلك التداعيات أو التوقف عن تناولها.. حتى لا ينتهى أبداً التفكير فى الطرق الآمنة للتعامل معها.. فللجائحة ضحايا كُثر.. أشدهم تأثراً النساء والمسنون والفئات العمالية التى لا تنتمي للوظائف الحكومية أو قطاعات الاقتصاد الرسمى..
وإذا كانت الجائحة قد كشف عورات النظام الصحي فى كثير من دول العالم دون تفرقة حقيقية بين الدول الغنية أو الفقيرة.. فعلينا أن نتفق على أن أنظمة التأمين الصحي والاجتماعي تغطي بخدماتها الفئات العاملة دون سواها. وذلك حتى سن التقاعد، متغاضية عن حمایة الفئات غیر العاملة، وتلك التي تجاوزت سن العمل.
اقرأ ايضا:ساقية شيبة
وتشكّل النساء جزءا كبيرا من هاتین الفئتین. ولا يستفيد من هذه الخدمات إلا العاملون في القطاع الاقتصادي الرسمي. دون أن تغطي القطاع الاقتصادي الهامشي أو غير الرسمى .
ورغم أن الفيروس لا يميّز بين الأشخاص على أساس ثروتهم، فإن مستوى الدخل يؤثّر على آليّات التكيّف المتاحة. إذ لا يتمتّع العمّال ذوو الدخل المنخفض بالقدرة على إنجاز عملهم عن بُعد ولا يحصلون على رواتبهم إذا تغيّبوا عن عملهم.
ومع استمرار الحجر المنزلي ودخول الاقتصادات في مرحلة الركود، ستتضرّر شرائح المُجتمع الأكثر فقراً -التي تشكّل غالبيّة المواطنين- بشكلٍ غير متساوٍ. إذ سيجد العمّال المؤقتون أنّه من المستحيل التعامل مع تداعيات هذا الوضع. ومع ذلك، لا يبدو أن لدينا خطّة محكمة حول كيفيّة تقليل الضرر الاقتصادي والاجتماعي المترتب على تلك الجائحة.
اقرأ ايضا: كورونا والأهداف الـ17 للتنمية المستدامة!
وليس هذا حالنا وحدنا فى مصر فحسب، ولكن أتصور أن أزمة غياب خطة فعالة للرعاية والحماية الصحية العادلة باتت أزمة عالمية.
وفى هذا السياق لا نستطيع أن نُنكر أن هناك تحديات جمة تواجه العمالة اليومية بكل أشكالها سواء الموسمية أو الأرزوقية أو الأجرية. تلك التى تقطعت بها السبل؛ بدءًا من الظروف المعيشية الصعبة، والتكلفة الباهظة للحصول على الخدمات الصحية، مروراً بالفقر والاعتماد على المساعدات أو الأجور اليومية، وصولاً إلى نقص في الحماية القانونية وسبل الاقتراض المحلي وحرمان الأطفال من فرص التعليم. علاوة على هذا كله، فإنهم الآن يواجهون، مع العالم بأسره، تحدي الوباء العالمي المستجد!
ونظرا لأن هذه الفئات العمالية الهشة تُعد من أكثر الفئات تضرراً من غياب النظام الصحي العادل؛ فإن الرعاية الصحية باتت مطلبا أخلاقيا وسياسياً فى المقام الأول؛ ضمانة للاستقرار بكافة مكوناته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. حيث أظهرت تلك الجائحة أهمية الاستثمار في البنية الصحّية وفي تقوية النظم الصحّية لتطوير الاستجابة للاحتياجات المستجدة، والتعامل مع الأوبئة المعولمة.
واستعادت الدور الاجتماعي للدولة، المتمثل في حماية الأمن الصحي، وكذلك الدور المحوري للقطاع الصحي العمومي؛ نظرا لشموليته، وقلّة العراقيل المالية للحصول على خدماته، مقارنة بالقطاع الخاص.
اقرأ ايضا: مقام الحاج بلاش
ونظراً لتعدد وتشعب تداعيات هذا الفيروس اللعين.. فإن التفكير لا يجب أن ينحسر فى موضع المدافعة، ولكن علينا أن نفكر بجدية فى كيفية تحويل هذا الوباء إلى فرصة مضافة للتنمية، ومناخا مهيئً للتشبيك والتضامن بين كافة قطاعات الدولة في الميدان الصحي، والسعي نحو دعم الاستثمار في التنمية الصحية. والعمل على تحقيق هدف التغطية الشاملة بنظم صحية عادلة؛ تحقق الهدف النبيل للصحة للجميع.
ومن ثم فعلينا أن نتفق على أن الشركات الصحيّة الربحيّة، مهما كبر حجمها وكثر عددها لا تصنع نظاماً صحيا عادلاً، وستظل إلى الأبد شركات متنافسة.. سلعتها الأساسية والأهم هي "صحّة الإنسان".
ومن ثم فإنه فلا يمكننا مكافحة هذا الوباء، إلّا بالقضاء على ظاهرة "تسليع صحّة الإنسان".. الأمر الذى يستوجب تغييراً حقيقيا في عقلية القائمين على رسم سياسات الرعاية الصحية فى مصر.. ولن يتم ذلك إلا من خلال رسم سياسية عامة تُعلي من قيمة الصحة، وترفض بشكلٍ قاطع "تسليع صحة الإنسان".