أكذوبة "الملء المنفرد".. تصريحات الحكومة الإثيوبية لـ"الاستهلاك المحلى".. 4 مخالفات لإعلان المباديء.. وملء السد بالكامل أمر مستبعد
«مجلس الأمن».. باب جديد طرقته الإدارة المصرية بحثًا عن حل دبلوماسي وسياسي لأزمة سد النهضة الإثيوبية، في ظل استمرار التعنت والتسويف الإثيوبي، ورفض أديس أبابا تخفيف الأضرار الناجمة عن سد النهضة على مصر وتلويحها الدائم بتنفيذ تصرف أحادي في ملء السد دون التوصل لاتفاق مع مصر والسودان.
مجلس الأمن
وكشفت مصادر ذات صلة بالمفاوضات لـ «فيتو» جدوى اللجوء إلى مجلس الأمن ومدى قدرة إثيوبيا على اتخاذ قرار منفرد بالملء الأولى، في ظل تأزم الأمور ومطالبة القاهرة لمجلس الأمن بالاضطلاع بمهامه الأساسية في حفظ الأمن والسلم الدوليين، بسبب رفض أديس أبابا التوصل لاتفاق نهائي ملزم لأعضائه للخروج من الأزمة دون توتر الوضع في منطقة حوض النيل، مؤكدة أن الحديث الإثيوبي عن الشروع في ملء السد لا تتعدى كونها تصريحات لـ«الاستهلاك المحلي»، وأنها ستفكر ألف مرة قبل المضى قدما في هذا القرار، خاصة بعد لجوء مصر لمجلس الأمن.
أكذوبة ملء السد
وجاء حديث المصادر مطابقا لآراء بعض الخبراء، حيث أكد الدكتور ضياء الدين القوصى، خبير المياه، المستشار السابق لوزير الموارد المائية والري أن «التصريحات الإثيوبية المستمرة عن الملء المنفرد لسد النهضة في بداية يوليو للاستهلاك الداخلى فقط من جانب الحكومة الإثيوبية.
بهدف خلق حالة من التعبئة الإعلامية في الداخل الإثيوبي المنقسم على ذاته بطبيعته العرقية المتعددة لصرف الأنظار عن الأزمة الدستورية التي تواجهها إثيوبيا، بسبب حالة الفراغ الدستورى المقبلة عليها، بسبب تأجيل الانتخابات التشريعية هناك، ورفض عدد من الأحزاب الرئيسية لهذا الوضع من قبل الحزب الحاكم برئاسة أبي أحمد».
وأضاف: الحكومة الإثيوبية الآن في مأزق لا تحسد عليه، بعد أن وعدت شعبها ببدء توليد الكهرباء وانتهاء عصر الفقر من خلال سد النهضة، وهي مبالغات دأبت إثيوبيا على ترديدها حول إمكانات السد وقدرته على توليد الكهرباء وإخراج إثيوبيا من الظلام.
مع الأخذ في الاعتبار هنا أن إثيوبيا لديها تأخير شديد في إنجاز السد في كل مراحله، هذا إلى جانب مواجهتها بعض المشكلات الهندسية في سد السرج المكمل لسد النهضة، وهي مشكلات تخص الأمان، هذا فضلًا عن المشكلات الإدارية والتمويلية الضخمة التي تخص السد، ناهيك عن فضائح الفساد داخل الإدارة المسئولة عن تنفيذ مشروع السد.
وهو ما قاله أبي أحمد بنفسه فور توليه منصبه رئيس الوزراء في إثيوبيا قبل 3 سنوات، والدليل على تلك المشكلات مقتل 3 من مديري السد خلال السنوات الأخيرة من بينهم مدير المشروع الإثيوبي.
استهلاك محلي
وشدد «القوصي» على أن «المشكلات العرقية والقومية والانتخابية وارتباك المشهد داخليا وخارجيا لن يدفع إثيوبيا إلى بدء الملء في يوليو المقبل، لأن الإثيوبيين يتبعون سياسة التصعيد حتى النهاية للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والاقتصادية، وحسب المواقف التي جمعتنا مع الإثيوبيين من قبل فإنهم سيضطرون في النهاية إلى توقيع اتفاق مع مصر والسودان».
حصة صغيرة
فيما أكد الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الأراضي والمياه في جامعة القاهرة، أن إثيوبيا تطلب حصة صغيرة جدا من المياه تصل إلى 5 مليارات متر مكعب تحت اسم الملء الأول، وهي كمية بسيطة بالنسبة لسعة بحيرة السدة وستستخدمها فقط في اختبارات أرضية السد وليس للملء الأول، ولا توجد لدينا مشكلة فيها بالنسبة لمصر والسودان.
وستقسم تلك الكمية خصما من مصر والسودان وفقا لاتفاقية 1959 بواقع 2.5 مليار متر مكعب من كل دولة، ولا يجب على إثيوبيا أن تقدم على ذلك إلا بموافقة من مصر والسودان، لكنها تريد أن تفرض الأمر الواقع على دولتي المصب والممر، وأن تقدم على احتجاز كميات من المياه حتى ولو بسيطة دون اتفاق، خاصة وأن العام المقبل وفق جدول الملء إلا أنهم يرغبون احتجاز 15 مليار متر مكعب من المياه.
وإذا مر أمر التخزين الحالي دون أن يكون في إطار اتفاق شامل فإن الإثيوبيين سيعتبرون أن عملية الملء العام المقبل حق مكتسب لهم، ومن هنا لجأت مصر إلى مجلس الأمن من أجل انتداب لجان فنية من الجهات التابعة للأمم المتحدة لانتداب خبراء لحل الأزمة بين مصر والسودان وإثيوبيا التي أعلنت أنها ستملئ سواء اتفقت أم لم تتفق.
وأضاف: إثيوبيا ترغب في معاملة مصر والسودان بأن نهر النيل ومنابعه إثيوبية وملكية خاصة لها وأنها تمنح مصر والسودان الحصص المائية الواردة منها وهو أمر مخالف للمنطق والقوانين والأعراف الدولية التي تقرر أن الأنهار الدولية العابرة للحدود لا توجد سيادة لأحد عليها وأن لا فضل لدول المنابع أو ميزة في ذلك، لأن الأنهار المشتركة عليها سيادة مشتركة.
وهناك 168 نهر دولي مشترك في العالم لا توجد فيها أزمات أو مشكلات إلا من إثيوبيا التي تفتعل المشكلات مثلما فعلت مع كينيا في نهر أومو ومع الصومال في نهر شبيلي ومع مصر في النيل الأزرق مع مصر والسودان، ومن المعروف أن إثيوبيا لطالما أثارت المشكلات مع جيرانها ولم تتوافق مع أي منهم حتى الآن.
بناء السد
وتابع: السد انتهى منه 70% حتى الآن وفق التصريحات الإثيوبية غير الدقيقة كالعادة والجزء المتبقى من الممر الأوسط وهو ما يتطلب تمويلا كبيرا لذلك فإن مسألة ملء السد بالكامل أمر مستبعد في المستقبل القريب وأكبر كمية يمكنها استيعابها الآن 5 مليارات متر مكعب.
وهذه كمية لا يمكنها توليد كهرباء أو التأثير على حصتي مصر والسودان اللذين يرفضان اتخاذ إثيوبيا تصرفا أحاديا يمنحها حق الملء دون اتفاق، ولا بد من اتفاق إطاري ملزم على المشروعات المائية الإثيوبية المقبلة على النيل الأزرق وهو ما ترفضه إثيوبيا وترغب في وضع نقاط استرشادية وتوصيات يمكن أن تغيرها من وقت لأخر وفقا لأحد بنود إعلان مبادئ سد النهضة، بأن يكون من حق مالك السد أن يغير أمور الملء ويخطر بها مصر والسودان.
ولذلك مصر ترفض ذلك وهو ما أكدته تصريحات وزير المياه السوداني مؤخرا على وجوب وضع اتفاق ملزم لإثيوبيا بالملء والتشغيل.
مخالفة إعلان المباديء
وشدد «نور الدين» على أن إثيوبيا لا يمكنها أن تستعين بإعلان المبادئ بشكل انتقائي يخدم مصالحها، في حين أنها ارتكبت 4 مخالفات للإعلان مثل استبعادها للمكتب الاستشاري المنوط بعمل دراسات حول السد وآثاره واستبعادها تعويض مصر والسودان عن أي أضرار تلحق بها، ومخالفتها أيضا لمبدأ اللجوء للوسيط العالمي، حال تعثر المفاوضات، ورفضت إثيوبيا بالفعل التدخل الأمريكي وتدخل البنك الدولي.
حماية حوض النيل
من جهته أوضح الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة أن مصر طالبت مجلس الأمن رسميا بالتدخل لحماية منطقة حوض النيل من جراء اتخاذ إثيوبيا قرارا منفردا بشأن ملء سد النهضة وإعادتها إلى التفاوض والوصول لاتفاق عادل.
وأوضح «شراقي» أن « الحكومة الإثيوبية لن تبادر بتنفيذ أي من القرارات التي تحدثت عنها خلال الفترة المقبلة، وأنها تفكر كثيرا قبل اتخاذ أي إجراء، وتتملكها تخوفات كبيرة من التحركات المصرية، لكنها لا تصرح بذلك أمام شعبها لتحافظ على صورتها القوية أو كونها مالكة الأمور على أرض الواقع.
لكنها تخشي التخزين وهو ما يؤكده عدم إقدامها على تخزين كمية بسيطة من المياه قدرها أقل من 5 مليارات متر مكعب في ظل زيادة تدفقات المياه خلال يونيو الجاري، ووجود تجمعات من المياه خلف السد، وكانت الظروف تسمح جدا بالملء لكنها لم تقدم عليه لعدم رغبتها في التصعيد.
وستثبت الأيام ذلك لأن موسم الفيضان يسمح لها بملء تلك الكمية خلال موسم الفيضان الممتد حتى شهر أكتوبر، وأتوقع أن تتراجع إثيوبيا عن الملء وتعلن موعدا جديدا له سيكون في نهاية موسم الفيضان، لتعطى نفسها الوقت في الرجوع إلى طاولة المفاوضات والتعامل بشكل إيجابي مع الأزمة.
نقلًا عن العدد الورقي...،