رئيس التحرير
عصام كامل

بعد 7 سنوات من الحصار.. الموت يحاصر أهالي غزة.. شلل اقتصادي في القطاع.. وأكثر من مليون شخص يعيشون في أكبر سجن مفتوح في العالم.. والأمم المتحدة تحذر من كارثة إنسانية بعد 3 سنوات

الاوضاع في غزة -صورة
الاوضاع في غزة -صورة ارشيفية

ما من شيء في قطاع غزة إلا ونال منه الحصار الخانق والمفروض على قرابة مليوني مواطن منذ ستة أعوام، وفيما تعلن ساعة الحصار عن بدء عامها السابع ترتفع صيحات التحذير من أن غزة في قادم الأعوام القليلة لن تكون صالحة للعيش والسكن.


وأمام لسعات حصار تشوه كافة تفاصيل الحياة في غزة لم يستبعد خبراء اقتصاديون بأن يزداد وجع المشهد أكثر فأكثر.


وكانت الأيام الأولى لحصار غزة قد بدأت عندّما قامت إسرائيل بفرضه على القطاع إثر نجاح حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية في عام 2006.

ثم عززت إسرائيل الحصار في منتصف يونيو2007 بعد سيطرة حركة "حماس" على القطاع.

وفي الستة أعوام الماضية كبّلت أذرع الحصار كافة تفاصيل وشئون الحياة في القطاع وجعلت من غزة، كما يقول خبير الاقتصاد الفلسطيني "نصر عبد الكريم"، مدينة لا تصلح للحياة، وأن أكثر من مليون شخص يعيشون في أكبر سجن مفتوح في العالم.

ووصف "عبد الكريم" في حديثه للأناضول تحذيرات الأمم المتحدة من أن غزة لن تكون صالحة للسكن خلال 3-7 سنوات بالتعبير المنطقي الذي يختصر واقع القطاع المشلول اقتصاده.

وفي تصريح له أول أمس، حذر مقرر الأمم المتحدة الخاص بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية ريتشارد فولك، من أن قطاع غزة لن يكون صالحًا للسكن بعد 3 سنوات من الآن في حال استمرار الحصار الإسرائيلي.

وكان خبراء الأمم المتحدة قد أكدوا العام الماضي أن القطاع، الذي تحاصره إسرائيل برًا وبحرًا وجوًا منذ 7 سنوات، لن يكون صالحًا للسكن بحلول عام 2020، غير أن فولك شدد على أن "التوقعات الأقل تفاؤلًا تفيد بأن قطاع غزة قد لا يكون صالحا للسكن بعد 3 سنوات فقط من الآن".

ودعا المقرر الأممي إسرائيل إلى إنهاء حصارها فورًا، مشيرًا إلى أن المعاناة التي يواجهها 1.75 مليون فلسطيني باتت مدمرة من جراء التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحصار.

وقال خبير الأمم المتحدة إن 6 سنوات من تضييق إسرائيل الخناق على قطاع غزة أدت إلى عرقلة النمو الاقتصادي وإبقاء معظم سكان القطاع في براثن الفقر الدائم والاعتماد الكامل على المعونات الخارجية".

وعندما يتم إغلاق معابر القطاع وإلغاء فعالية وجودها فلا يمكن لغزة أن تتنفس بتأكيد وكيل وزارة الاقتصاد في حكومة غزة المقالة "حاتم عويضة"، والذي قال في حديثه لـ"الأناضول" إن المعبر التجاري الوحيد كرم أبو سالم والمعروف إسرائيليا بكيريم شالوم لا يكفي لتلبية احتياجات القطاع".

وأضاف: "من 700 إلى 900 شاحنة يوميا هي معدل ما يحتاجه القطاع من احتياجات ومستلزمات أساسية، وفي أفضل الأحوال لا يتم إدخال سوى 300 شاحنة بما لا يتجاوز 30% من الاحتياجات".

ولفت إلى أن "55 % من السلع كمواد البناء وغيرها لا تدخل القطاع، وهذه تحتاج إلى معابر مخصصة".

ومنذ عام 2007 تعتمد إسرائيل معبر كرم أبو سالم (بين مصر وغزة وإسرائيل) معبرا تجاريا وحيدا، تحصر من خلاله إدخال البضائع إلى القطاع، فيما أبقت على معبر بيت حانون (إيريز) (شمالي القطاع) بوابة لتنقل الأفراد بين غزة وإسرائيل.

أما معبر بيت حانون (إيريز)، الواقع أقصى شمال غزة، والذي يستخدمه الفلسطينيون كممر إلى الضفة الغربية المحتلة، فلا تسمح إسرائيل لأهالي القطاع بكامل حرية الحركة عبره، وتشترط على فئات خاصة عبوره، في مقدمتهم المرضى ورجال الأعمال والبعثات الأجنبية.

وألغت إسرائيل العمل في "معبر المنطار، والذي كان يعرف إسرائيليا بمعبر كارني، والواقع شرق القطاع، وكان من أهم المعابر وأكبرها من حيث عبور السلع التجارية (من 600 إلى 700 شاحنة محملة بمختلف البضائع وفي مقدمتها الطحين ومنتجات الألبان والفواكه ومواد البناء).

وأغلقت إسرائيل العمل في "معبر الشجاعية المعروف إسرائيليا باسم (ناحال عوز)، شرق مدينة غزة، وكان مخصصا لتوريد الوقود للقطاع".

وتعطلّ العمل على معبر العودة (صوفا) التجاري شرق مدينة رفح، المخصص للحركة التجارية، وأغلبها مواد البناء".

وخلال أعوام الحصار شددت إسرائيل حصارها على معبر رفح، جنوب القطاع والواقع على الحدود المصرية الفلسطينية، متذرعة باتفاقية المعابر الموقعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في نوفمبر2005 التي تنص على فتح المعبر بوجود بعثة الاتحاد الأوربي.

وبالرغم من التسهيلات والمرونة التي شهدها معبر رفح الحدودي مع مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 إلا أن الفلسطينيين لا زالوا يأملون بتطوير المعبر وتحويله من ممر للأفراد إلى شريان تجاري يزود القطاع بكافة احتياجاته الاقتصادية والإنسانية.

ولم تستطع الأنفاق المنتشرة على طول الحدود المصرية مع غزة من تلبية الاحتياجات اليومية للسكان في القطاع.

ومن أقسى لوحات الحصار وأشدها وجعا على سكان قطاع غزة ما تمثل في أزمة الكهرباء والتي بدأت منذ قصف طائرات الاحتلال محطة توليد الكهرباء الوحيدة في صيف عام 2006.

ولم تتوقف الأزمة التي أخذت تكبر عاما بعد عام حيث يقطع التيار يوميا ثماني ساعات عن كل بيت، وقد تمتد ساعات القطع لأكثر من 12 ساعة.

ويعتمد قطاع غزة على ثلاثة مصادر تزوده بالتيار الكهربائي، حيث يحصل على 60% من الكهرباء عبر الخطوط الإسرائيلية، فيما تنتج محطة الكهرباء الوحيدة في غزة ما يقرب من 17%، وتصل النسبة الباقية عبر شبكة الكهرباء المصرية، والتي تغذي بشكل أساسي مدينتي رفح وخان يونس جنوب القطاع.

وتحتاج محطة التوليد إلى 570 ألف لتر من الوقود يوميًا لتشغيلها بكامل طاقتها، بينما ما يصل إلى غزة لا يتعدى 400 ألف لتر يوميا وعلى مدى 5 أيام فقط أسبوعيا.

ولن يكون قادم الأيام أفضل، كما يقول الكاتب والمحلل الاقتصادي "محسن أبو رمضان" والذي رأى في حديثه لـ"الأناضول" أن الحصار حول سكان القطاع إلى جيوش من الفقراء والعاطلين عن العمل.

وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن نسبة البطالة بلغت في قطاع غزة 32٪ ونسبة الفقر 60٪.

وقبل أن تتم صياغة الخطط التنموية والحلول للنهوض باقتصاد غزة، دعا "أبو رمضان" لرفع الحصار وبصورة كاملة.

واستدرك قائلا: "كل مناحي الحياة تعطلت، الكهرباء، الماء، المعابر، ولا يمكن الحديث عن أي علاج ما لم يتم رفع الحصار، والذي إن استمر فسنكون أمام واقع أكثر بؤسا وكارثية".

وترتفع أصوات التحذير من تداعيات الحصار، إذ تبين دراسات البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة البيئي، ودراسات فلسطينية أن أكثر من 90% من المياه الجوفية في القطاع لم تعد صالحة للشرب، كما يوجد نقص حاد في المياه التي يستهلكها الفرد يوميا.

ولا يسكت صوت الحصار البحري الذي يمزق شباك الصيادين ويحرمهم من قوت يومهم، وما بين ثلاثة إلى ستة أميال فقط تسمح إسرائيل للصيادين بالإبحار إلى عمق البحر، وسط مضايقات خانقة لا تتوقف.

وقبل فرض الحصار على غزة كانت مساحة الصيد تتخطى الـ 12 ميلا، حسب الاتفاقيات الدولية.

وتعد مهنة صيد الأسماك من المهن الأساسية التي يعتمد عليها شريحة عريضة من "الغزيين"، في ظل نقص مصادر العمل الأخرى.

ويعمل في مهنة الصيد في قطاع غزة نحو 3500 صياد، يعيلون أكثر من 50 ألف نسمة.

وتفقد غزة يوما بعد يوم أمنها الغذائي وتتعرض أراضيها الزراعية للتجريف والانتهاكات المتواصلة، وتتعالى صيحات التحذير من كارثة صحية وإنسانية.

وأمام تفاصيل الحصار التي لا تتوقف تبدو غزة وكأنها على وشك الانفجار إذ تحتاج بحسب خبراء، لبناء أكثر من 100 ألف وحدة سكنية للتغلب على الضائقة السكنية.

ويعاني القطاع (360 كم 2) من كثافة سكانية من بين الأعلى في العالم، وهو ما يجعل الحصار أشد قسوة ومرارة، كما يقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة الإسلامية بغزة والمحلل الاقتصادي "محمد مقداد"، والذي وصف القطاع في حديثه لـ"الأناضول" بالقنبلة التي أوشكت على الانفجار.

ودعا مقداد إلى إنهاء الحصار بشكل كامل وأن تتضافر الجهود الدولية والعربية لإعادة الحياة إلى قطاع غزة، واستدرك القول: "باختصار.. إنها تموت".
الجريدة الرسمية