رئيس التحرير
عصام كامل

تحليل إخباري.. فرنسا تسعى لتلجيم تركيا فى ليبيا والمتوسط

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كشف تحليل إخباري أنه بعد قصر الإليزيه ووزارة الخارجية، دخلت وزارة الدفاع الفرنسية أمس على خط التنديد بدور تركيا في ليبيا وفي مياه المتوسط، مستبقة بذلك الاجتماع عن بعد لوزراء دفاع الحلف الأطلسي الثلاثين الذي تريد باريس دفعه للجم ما تسميه أوساطها «المغامرة» التركية الجديدة.

وبحسب التحليل الذي نشر اليوم في صحيفة “الشرق الأوسط”، فإن ما يجري اليوم ليس سوى استمرار لـ«الحرب الكلامية» بين باريس وأنقرة، على خلفية الملفات المتفجرة بينهما، سواء كان ذلك فيما يخص «الابتزاز» التركي للاتحاد الأوروبي في موضوع اللاجئين بالأراضي التركية، أو سياسة أنقرة تجاه أكراد سوريا، أو دورها داخل الحلف الأطلسي والتزامها بقواعد التعامل المتبعة في إطاره.

وقد وصل الخلاف بين البلدين الى أوجه في ديسمبر الماضي إبان قمة الحلف في لندن، حيث اعتبر ماكرون أنه يعاني «الموت السريري» بسبب تركيا.

كما برز الخلاف مجددا في قمة برلين حول ليبيا في الشهر التالي، بعد أن هاجم الرئيس الفرنسي سياسة أنقرة في ليبيا، وندد بقيامها بنقل السلاح والعتاد والمرتزقة، وضربها عرض الحائط بقرارات مجلس الأمن وعدم احترامها لفرض الحظر على السلاح. وأخيرا، لأن أردوغان «حنث بالوعود» التي أغدقها على الحلف.

ومع تنديد الإليزيه العنيف بسياسة تركيا في ليبيا الأحد الماضي، ووصفها بـ«غير المقبولة»، واعتبار وزير الخارجية لودريان في اليوم التالي، بأنها «خطر (على فرنسا) ومقامرة استراتيجية غير مقبولة لأن ليبيا على مسافة 200 كلم من الساحل الإيطالي»، جاءت تصريحات مسؤول في وزارة الدفاع الفرنسية أمس لوكالات إخبارية لتبين «الأسباب المباشرة» لـ«الهجوم» الفرنسي.

هذا المسؤول أكد أن القطعة البحرية الفرنسية «لو كوربيه» تعرضت أثناء محاولتها تفتيش سفينة شحن بسبب شكوك في نقلها أسلحة الى ليبيا، لـ«مناورة بالغة العدوانية» من قبل فرقاطات تركية، الأمر الذي وصفه بـ«شديد الخطورة».

وبحسب المسؤول ذاته، فإن باريس «لا يمكن أن تقبل تصرفا من هذا النوع من قبل حليف وضد قطعة بحرية أطلسية، بقيادة أطلسية وبمهمة أطلسية». في إشارة إلى مهمة «سي غارديان» الأطلسية في مياه المتوسط.

وبحسب وزارة الدفاع الفرنسية، فإن «حركة بحرية كثيفة بين تركيا ومرفأ مصراتة الليبي (يقع تحت سيطرة حكومة الوفاق) مصحوبة أحيانا بعدة فرقاطات تركية، لا تساهم في خفض التصعيد» في الحرب في ليبيا. وما يزيد من خطورة المسألة أن القطع العسكرية التركية «تستخدم الرموز الخاصة بالحلف الأطلسي»، رغم أنها ليست في مهمات أطلسية.

وسبق لقصر الإليزيه أن ندد بوجود ثماني فرقاطات تركية مقابل ميناء مصراته. وبحسب باريس، فإن ذلك كله يندرج في إطار الدعم العسكري المتصاعد لحكومة الوفاق، ما «ينتهك مباشرة حظر السلاح» المفروض على ليبيا.

وما بين تنامي التدخل العسكري التركي، وسعي أنقرة لوجود دائم بحري في قاعدة مصراتة، وجوي في قاعدة الوطية، وخطط تركيا للتنقيب عن النفط والغاز في مناطق متنازع عليها مع قبرص واليونان، ترى الأوساط الفرنسية أن أردوغان «يسعى لفرض واقع ميداني وعسكري واقتصادي جديد»، وأنه بصدد «تجميع أوراق متنوعة» لما يمكن أن يحصل من مفاوضات لاحقة.

ومن هنا، يأتي سعي باريس لإدخال الحلف الأطلسي على الخط لـ«لجم» الاندفاع التركي، الذي ترى فيه فرنسا وعدد من البلدان الأوروبية «تهديدا لمصالحها» في منطقة نفوذ تقليدية لها.

وتعول باريس على الدور الأمريكي. بيد أنها لا تعرف تماما ما تريده واشنطن، حيث هناك من يرى في الدور التركي وسيلة لجبه عودة النفوذ الروسي إلى ليبيا وجنوب المتوسط.

وما يريده الأوروبيون، وفي مقدمتهم الطرف الفرنسي، استخدام الاجتماع الافتراضي لطرح موضوع السلوك التركي، وإطلاق ناقوس الخطر، والتحذير من حصول احتكاكات مع القطع البحرية التركية، وتصويب أداء أنقرة لجهة الدفع لاحترام حظر السلاح على ليبيا، ووقف اندفاعها المتعدد الأشكال في المتوسط. كما يأمل الأوروبيون أن توضح واشنطن مواقفها لأنه من غير الدعم الأمريكي سيكون من الصعب على الأوروبيين ثني أنقره عن خططها.

ومن هنا، تأتي مسارعة الرئيس ماكرون للتواصل مع نظيره الأمريكي لبحث الدور التركي وتحذيره من تبعاته.

ومن بين كافة الدول الأوروبية، تبرز باريس كرأس الحربة للوقوف بوجه تركيا.

وتستند فرنسا على الاتحاد الأوروبي في ملف خطط تركيا النفطية والغازية في مياه المتوسط، بل إن «وزير» خارجية الإتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، هدد بـ«عقوبات» أوروبية.

كما تتخوف فرنسا من «استنساخ» الحالة السورية في ليبيا لجهة «تقاسم مناطق النفوذ» بين موسكو وأنقرة، وعينها على مصالحها في ليبيا وشمال أفريقيا امتدادا إلى بلدان الساحل.

اعتقال 6 أشخاص من جالية الشيشان بعد المشاركة في أعمال شغب بفرنسا

إلا أن «المفتاح» التركي موجود لدى الحلف الأطلسي، وتحديدا بيد واشنطن. والحال أن الأخيرة أبدت بعضا من «التفهم» لدور أنقرة. كما أن سياستها تجاه حكومة الوفاق والمشير حفتر غير واضحة. لذا، فإن المصدر الفرنسي المشار إليه شدد على أن وزيرة الدفاع فلورانس بارلي «ستضع النقاط على الحروف» في اجتماعات الأطلسي. فهل سيكفي ذلك لدفع واشنطن إلى انتهاج الوضوح والصرامة، وإفهام تركيا أن مغامراتها المتوسطية غير مضمونة النتائج؟ هذا هو السؤال الملح اليوم، والجواب عليه ستكون له تأثيراته في القادم من الأيام.

الجريدة الرسمية