حادث مقتل الخليفة عثمان ابن عفان والثورات.. العقاد يوضح الفرق
تحل اليوم 17 يونيو الجاري، ذكرى مقتل عثمان ابن عفان رضي الله عنه، ثالث الخلفاء الراشدين، في بيته أثناء تلاوته للقرآن، في مثل هذا اليوم من عام 656 م، عن عمر ناهز 82 عاما.
ويعود مقتل ثالث الخلفاء الراشدين، إلى الفتنة التي دبت في أرجاء الأمة الإسلامية في نهاية عهده، والتي كان وراءها عبد الله ابن سبأ والملقب بـ"ابن السوداء"، مدبر قتل عثمان والخروج عليه، من خلال تأليبه قبائل الأمصار على الخليفة عثمان، حتى هم نفر منهم بمهاجمته في بيته وقتله.
ويقول عباس محمود العقاد في كتابه "عبقرية عثمان": "في سيرة عثمان رضي الله عنه صدمة عنيفة تواجه كل باحث في تاريخ صدر الإسلام، وتلك هي قتلته البشعة وهو شيخ وقور جاوز الثمانين".
ويضيف: "لم يكن عثمان أول خليفة قتل، فإن الفاروق عمر ابن الخطاب قتل قبله غيلة وهو يقيم الصلاة، ولكن مقتل عمر لم يكن صدمة في تاريخ العقيدة، قتله غلام دخيل على الإسلام ومن ورائه تدين بغير دينه، وتكره منه ما عمله لإقامة ذلك الدين، فلا غرابة ولا صدمة، ولا شيء فيه غير الفاجعة التي تفجع نفوس المسلمين، أما تلك القتلة التي انتهت بها حياة الخليفة الثالث، فشيء غير هذا وشيء بعيد عن هذا في صدمته المفاجئة لمن يتابع تاريخ العقيدة الإسلامية في أطوارها الأولى".
ويتابع: "الذين يقرأون فاجعة عثمان، ويلمون بالتاريخ يسبق إلى خيالهم ما قرأوه عن مصارع رؤساء الدول إبان الثورات والفتن القومية، كالثورة الإنجليزية مع شارل الأول، والثورة الفرنسية مع لويس السادس عشر، وغيرهما من الثورات في العالم القديم والجديد".
ويردف العقاد قائلا: "ومتى سبقت إلى خيالهم هذه الصورة حسبوا أن الثورة التي أفضت إلى مقتل رئيس الدولة في الأمتين، كالثورة التي أفضت إلى مقتل رئيس الدولة الإسلامية في صدر الإسلام، وبينهما في الواقع فارق بعيد أبعد من فارق الزمان والمكان".
ويتابع: "إن الثورة التي أطاحت بشارل الأول قد اجتمعت فيها الأمة بأسرها على وجه التقريب أمام قوة العرش وأنصاره من النبلاء، وقد كانت هناك حرب وهزيمة غلبت فيها إحدى القوتين، وانهزمت فيها القوة الأخرى، وهكذا حدث في الثورة الفرنسية، التي أطاحت بلويس السادس عشر وهكذا حدث في ثورات كهذه بالقارة الأمريكية والعالم القديم".
ويوضح: " أما مقتل عثمان عليه الرضوان، فلم تكن فيه حرب بين قوة الدولة وقوة الأمة، ولم تتقابل فيه قوى الحكومات الإسلامية وقوى الأمم في البلاد العربية وغير العربية، وغاية ما يوصف به بأنه حادثة محلية قد تتم على أثر مشاغبات الدهماء، وقد يستطيعها ابن السوداء ومن هم أقل من ابن السوداء".
وعن قاتلي الخليفة الثالث، ومبدأ محاسبة الحكام، يوضح العقاد في كتابه: " لقد كان من الناهضين لمحاسبة عثمان رضى الله عنه، أناس مغرضون يقولون مالا يفعلون ويفعلون غير ما يقولون، كان منهم من أقام عليه الحد، ومن حبس أباه في جريمة، ومن فرق بينه وبين حليلة تزوجها على غير الشريعة، ومن أبى عليه الولاية، ومن لم بصنع به الخليفة أمرا من هذه الأمور ولكنه كان منطوي النية على الفساد والإفساد، وكل هذه المآرب قد شيبت بها حركة المحاسبة على أعمال الخليفة، فكانت عيبا للحركة، ولم تكن عيبا على حق المحاسبة، ولا بالشأن الذي كسبته الأمة من تقريره والتعارف عليه".