رئيس التحرير
عصام كامل

موازنة كورونا.. تحديات جسيمة وأبعاد اجتماعية ضاغطة.. الاعتماد على الاقتراض وحده لا يكفي.. والتصنيع المحلي "طوق نجاة"

محمد معيط ..وزير
محمد معيط ..وزير المالية

يتزامن اعتماد الموازنة الجديدة للدولة للعام 2020- 2021 مع أسوأ أزمة عالمية على الإطلاق، وهى أزمة تفشى جائحة "كورونا" التي ضربت اقتصادات العالم بلا استثناء، وأوقفت حركة الحياة فى جميع أنحاء الأرض.

 

لذا.. فإن الموازنة الجديدة تواجه تحديات جسامًا وضاغطة للوفاء بمتطلبات العام المقبل، لا سيما في القطاعات الأكثر احتياجًا والتى تضررت من "كورونا"، أو التى تعاظم دورها مثل: الصحة والتعليم والبحث العلمى.

وبحسب تصريحات منسوبة إلى وزير المالية الدكتور محمد معيط، شدد على أن هناك توجيهات رئاسية بزيادة دعم الفئات والقطاعات الأكثر احتياجا، وكذلك العمل على تحسين مستوى معيشة المواطنين، من خلال مبادرات فعَّالة تُسهم في الارتقاء بجودة الخدمات العامة، وتعزيز دعائم الحماية الاجتماعية، على النحو الذي يضمن استفادة كل فئات المجتمع من عوائد التنمية خاصة الفئات الأولى بالرعاية، والطبقة المتوسطة.

أرقام الموازنة

وفى إطلالة سريعة على الأرقام الواردة بالموازنة، لما تحمله من دلالة، فإن إجمالى المصروفات بالموازنة الجديدة يبلغ نحو تريليون و710 مليارات جنيه، فيما يبلغ إجمالي الإيرادات نحو 1.3 تريليون جنيه.

ومن المقرر اعتماد 170 مليار جنيه لصناديق المعاشات في الموازنة الجديدة، والحفاظ على دعم الخبز والسلع التموينية بـ85 مليار جنيه، وتخصيص 19 مليار جنيه جنيه للصرف على برنامج تكافل وكرامة، واستمرار دعم الكهرباء وأنبوبة البوتوجاز والمواد البترولية والتأمين الصحي، وتخصيص 4 مليارات جنيه لدعم الإعفاءات الضريبية.

كما تشهد ميزانية القطاع الصحي أكبر زيادة في تاريخها حيث وصلت إلى 95.7 مليار جنيه بزيادة قدرها 23.4 مليار جنيه، كما تم تخصيص 335 مليار جنيه للأجور بزيادة قيمتها 34 مليار جنيه عن العام المالى الحالى، ووزيادة مخصصات دعم الإسكان الاجتماعى إلى 5.7 مليار جنيه بنسبة نمو 70%؛ وذلك لتوسيع قاعدة المستفيدين من وحدات الإسكان الاجتماعى، فيما تمت زيادة مخصصات التعليم بـ46.7 مليار جنيه، والبحث العلمي بـ7.8 مليار جنيه.

"فيتو" تناقش مع أهل الاختصاص من وزراء الاقتصاد السابقين والخبراء المعتبرين التحديات التي تواجه الموازنة الجديدة والأبعاد الاجتماعية التي يجب أن تراعيها، وتنويعات أخرى في هذا الملف.

حلول ومقترحات

حدد وزرا اقتصاد سابقون وخبراء وأعضاء بالغرف التجارية عددا من الحلول والمقترحات التي يمكن استغلالها لسد العجز في الموازنة بسبب جائحة كورونا، وتنوعت المقترحات والحلول المقدمة وأبرزها الاعتماد على الصناعات المحلية والتي توفر فرص العمل وتعمل على زيادة الإنتاجية وكذلك اللجوء إلى التصدير بكميات كبيرة باعتباره من موارد النقد الأجنبي وتوفر العملة وغيرها.

من جانبه.. قال الدكتور مصطفى السعيد وزير الاقتصاد الأسبق إن الموازنة العامة الجديدة للدولة لابد أن تراعى الأبعاد الاجتماعية لجائحة فيروس كورونا المستجد، من خلال مراعاة المواطنين الأكثر احتياجا، وأن يكون هناك صرف إعانات لهم نظرا لتوقفهم عن العمل وأن نعطى لهؤلاء فرصة للتعايش مع هذه الجائحة التي ضربت العالم أجمع.

الصحة

وأضاف وزير الاقتصاد الأسبق :" لابد أن تراعى الموازنة العامة الجديدة أيضا توفير العلاج والمنح، ولابد أيضا من بحث موازنة الصحة في الموازنة العامة الجديدة، وخاصة أن هناك آثارا واضحة للغاية بسبب فيروس كورونا المستجد، وهناك آثار اقتصادية على الجمهور بسبب هذا الفيروس، وأن تحتوى الموازنة الجديدة على إجراءات لتخفيف هذه الآثار".

وأشار إلى أن تخصيص مبالغ أكثر للمنظومة الصحية سيأتى على حساب بنود أخرى لكنه مهم للغاية في ظل استمرار أزمة فيروس كورونا ومواجهة هذه الجائحة التي ضربت العالم أجمع من احتياجات للمستشفيات وبناء مستشفيات جديدة وتحاليل وغيره من هذه الأمور.

القروض

وقال أحمد خزيم المستشار الاقتصادي أن عجز الموازنة ناتج عن تجاوز القروض في مصر عن النسب المعترف بها دوليا في كل دول العالم، موضحا أن القروض لا تزيد بأي حال من الأحوال عن 60% من الناتج القومي ونحن تجاوزنا الـ100%، وأدي ذلك إلى ارتفاع تكلفة فوائد وأقسام الديون الداخلية والخارجية عن قدرة الناتج القومي داخل الموازنة، مشيرا إلى أنه يطلق على ذلك لقب "الدائرة الجهنمية".

بمعني كلما زادت نسبة الديون عن 60% أدي إلى ارتفاع الفوائد، وكلما أدي إلى عجز الموازنة، أدي إلى تدني الخدمات وزيادة الإقراض لتسديد فوائد وأقسام القروض القديمة، وتظل هذه الدائرة في نفس الاتجاه، موضحا أن الاقتصاد في مصر منذ 40 عاما اقتصاد "ريعي" وليس "إنتاجي"، حيث إن إيرادات الموازنة العامة تتمثل في تحويلات المصريين بالخارج ثم السياحة ثم قناة السويس، وتلك إيرادات العملة الخارجية ليست إيرادات إنتاجية، وقد تضررت المصادر الثلاثة بعد الجائحة.

التصنيع المحلي

ونصح "خزيم" بتوجه الاقتصاد المصرى إلى بوابات أفريقيا وتبسيط الإجراءات على الصناع المحليين لتصدير منتجات اثبتت مصر نجاحها فيها مثل الأدوية وصناعة الأسمنت وبعض الأقمشة وصناعة أواني الطهي، مشيرا إلى أنه آن الأوان لاستحداث وزارة لشئون أفريقيا بالوجه الاقتصادي، وأن يكون من مهامها التواصل مع الـ54 سفارة للمساعدة في التنمية بدول أفريقيا، فهناك قطاعات تملكها مصر ونجحت فيها لا تملكها أي دولة أخرى في أفريقيا.

وأضاف:" من المجالات التي من الممكن الاهتمام بها في التعامل مع أفريقيا "الاقتصاد الصناعي" المعتمد على المواد الاستخراجية مثل رمل الثيليكون ورمل الزجاج ورمل الأسود الذي يصنع منه الأجهزة الإلكترونية والكمبيوتر.

ومن الممكن أن يتم هذا الأمر بالشراكة مع الصين أو أي دولة أخرى متقدمة في تلك الصناعة، حيث أن أفريقيا تستهلك سنويا ـ 775 مليون جهاز إلكترونى، فتلك أسرع أنواع الصناعة فالعائد فيها يرتد 10 أضعاف بحد أقصى 3 سنوات، وأيضا تنشيط الاقتصاد البحري وبالتعاون مع أفريقيا وإنشاء خطوط اتصال مع دول أفريقيا ببنية أساسية جيدة وخاصة أن مصر تملك قناة السويس أهم ممر ملحي و16 ميناء".

استغلال الأراضي 

أراضي مصر من الممكن أن تكون سبيلا جيدا لسد عجز الموازنة" وفق رؤية خزيم وخاصة أن هناك مساحات شاسعة من الأراضي لم يحسن إدارتها أو استغلالها، وهي موزعة بين عدة وزارات وهذا يمثل عائقا إداريا وبيروقراطية لا مبرر له.

واقترح "خزيم" إطلاق مبادرة من قبل المساحة المدنية والعسكرية بعمل تصوير جوي لزمام المحافظات، ورسم خرائط بمناطق الاستصلاح الزراعي بظهير كل محافظة ومناطق الإسكان العمراني في المستقبل والمناطق الصناعية، وينشئ بنك يسمي بنك الأرض تابع لوزارة المالية تضع فيه هذه الخرائط وتكون تحت خدمة المواطنين، ويكون مختصا بإدارة شئون الأراضي وتسهيل تمليكها وتمويل من يريد أن يستثمرها، فبذلك نستطيع سد عجز الدين الداخلي خلال 3:5 سنوات.

وبالنسبة للقطاع العام ينبغي العمل على الفصل بين الملكية والإدارة أو التوجه لحق انتفاع وتظل الملكية للدولة، كل ذلك يتوقف على إدارة صاحب القرار الاقتصادي.

وأوضح "خزيم" أنه لن يتم وقف عجز الموازنة إلا بالتوقف عن الاقتراض والاعتماد على الإنتاج الزراعي والصناعي والبحري والسياحي والخدمي.

وفي نفس السياق، قال خالد الشافعى الخبير الاقتصادى إن عجز الموازنة كان متوقعا وطبيعيا في ظل الظروف الحالية لا سيما مع انتشار فيروس كورونا الذي ضرب أكبر اقتصاديات العالم والدول العظمي مثل الصين وأمريكا والدول الأوروبية، فما تمر به مصر من ظروف اقتصادية عصيبة لا يختلف عما تمر به باقى البلدان.

صندوق النقد

لذلك كان لابد من اتخاذ إجراءات لمواجهة هذه المستجدات منها الاقتراض من صندوق النقد وكذلك طرح السندات الحكومية داخليا.

وأكد "الشافعى" أن الحكومة مؤخرا قلصت الكميات المقبولة من عطاءات الأذون والسندات على الخزانة العامة، المصدرة بالعملة المحلية حتى نهاية العام المالي الحالي 2019/ 2020، في محاولة من وزارة المالية لإدارة والتعامل مع العطاءات واذون وسندات الخزانة المصدرة لسد عجز الموازنة العامة للدولة.

وأوضح "الشافعي" أن الهدف من ذلك تنويع مصادر التمويل لتخفيض تكلفة الاقتراض، وخاصة أن هناك اتجاها لتقليل الاستدانة الداخلية والاعتماد بصورة أوسع على طرق استدانة أقل في تكلفتها من الاستدانة من السوق المحلية ومن ثم اللجوء إلى الاستدانة من خلال طروحات سندات مقومة بالعملات الأجنبية لتوفير احتياجات الموازنة العامة وسد العجز المزمن فيها.

وأضاف:" هذا يفسر لنا الاتجاه للحصول على 2.7 مليار دولار من صندوق النقد الدولى الذي يُمثل قيمة التمويل الائتماني السريع الممنوح للحكومة المصرية، ثم قرض آخر بـ 5.2 مليار دولار، ويسهم التمويل الجديد في احتواء الأثر الاقتصادى والمالى لجائحة كورونا، مشيرا إلى أن حزمة التمويل المالية الجديدة تدعم جهود الدولة في مواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد وترفع معدلات النمو إلى 5.5%، وتخفض معدل البطالة إلى 7.5%.

التصدير

وقالت يمن الحماقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس: إن هناك الكثير من الحلول التي يمكن اتباعها من أجل تقليل العجز في الموازنة التي تسببت فيها جائحة كورونا، مشيرة إلى أن تشغيل الصناعة المحلية في إنتاج السلع المطلوبة مثل الكمامات وتصديرها اسوة بالصين التي مازالت في عز الأزمة تصدر منتجاتها للخارج وللعديد من الدول مستغلة قدرتها وكفائتها في إدارة الأزمة.

وأوضحت أن تمويل عجز الموازنة يمكن من خلال الجهاز المصرفى خاصة لما يمتلكه هذا الجهاز من إمكانيات وطاقات كبيرة وتفعيل دوره هام من خلال تفعيل سياسات الائتمان واعطاء التمويلات المرتبطة بزيادة الإنتاجية والتي تعمل على زيادة المكون المحلى التي طالما نادينا بها منذ فترات طويلة.

وأوضحت "الخبيرة الاقتصادية" أن فتح السياحة العربية في الغردقة وشرم الشيخ للعرب من شانه سد العجز في الموازنة مع اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية اللازمة لمنع تفشى أي أمراض أو اوبئة ومن خلال اتباع الفحوصات البى سى ار للوافدين وكافة الاجراءات الاحترازيةن وشددت على ضررة التمكين الاقتصادى للفقراء مع التوقعات بارتفاع معدلات الفقر في ظل توقف الكثير من الأعمال وعودة بعض العاملين من الخارج.

والتمكين الاقتصادى يحمى الكثير من الاسر المصرية التي فقدت اعمالها من جراء فيروس وجائحة كورونا، وتشجيع المستثمرين على خلق فرص عمل لهولاء يساهم في تقليل الفقر. في سياق متصل أكد بركات صفا، عضو الغرفة التجارية بالقاهرة أن اقتصاد الكثير من الدول تأثر بجائحة كورونا ووجود عجز في الموازنة لابد أن يتم تعويضه عن طريق دعم الصناعة المحلية.

وفتح الباب أمام التصدير، خصوصا أن زيادة عجلة الإنتاج المحلية ومضاعفة فرصها في تلك الفترة سيكون له أثر كبير في دعم الموازنة وسد العجز المتوقع، بعد أن كان من المنتظر أن نحقق فائضا في الموازنة.

وكشف" عضو الغرفة التجارية" أن الكثير من الدول لجأت إلى المنح والقروض لسد عجز ما لديها وأن الوقت الحالى لايمكن للدولة فرض رسوم أو ضرائب جديدة، وهناك بعض الدول مثل إسبانيا اقترضت 170 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي.

وأشار إلى أن القرض الخاص بالبنك الدولى يساهم في سد جزء من العجز لكن حجم العجز كبير ولابد من اتاحة الفرصة أمام الصناعة والتصدير.  

نقلُا عن العدد الورقي...،

الجريدة الرسمية