توفيق الحكيم يكتب : الكروش بيت الداء
ساد الغلاء العالم اجمع من تبعات الحرب العالمية الثانية عام 1950 وفرض الملك فاروق الضرائب وارتفعت الاسعار وعمت البطالة القطر المصرى فكتب الاديب توفيق الحكيم مقالا نشره فى كتابه "قلت يوما "يرجع فيه الغلاء الى كثرة الاستهلاك ويصف حلولا من عنده لمكافحة الغلاء قال فيه:
لاحديث للناس اليوم الا عن الغلاء ..هذا الداء المستعصى الذى تعبت الرؤوس وكلت الهمم فى البحث عن علاجه .فكرت فى نفسى وقلت لنبحث اولا ان اصل هذا المرض وهذا الداء الذى ليس له علاج بعيدا عن نظريات العلماء والخبراء الذين عجزوا عن ايجاد حل له . انه فى الحقيقة مرض لايختلف كثيرا عن اى مرض من تلك الامراض التى قيل فيها قديما (البطنة أصل الداء ..والحمية رأس الدواء ) .فمهما يكن من قوة الاسباب الاقتصادية أو غيرها مما يؤثر فى السوق ويرفع الاسعار ..فإن السبب الاكبر هو فى ايدينا نحن بل قل فى بطوننا ..فمواد الطعام من لحم وخبز وفاكهة وارز لن تنخفض سعرها كثيرا فى اى يوم مادمنا نريد ان نضعها على موائدنا كل يوم ،وان شراهة المنتج والبائع تنبع من شراهة المشترى ، واليكم تجربة تثبت لكم ذلك بالدليل : قوموا معشر المستهلكين بحملة واسعة النطاق واستخدموا فيها الصحف والراديو ، وكافة طرق النشر لتحديد الاصناف وتنظيم الوان الطعام لكل قادر، ولكل بيت محذرين من اكل الفاكهة اكثر من مرتين فى الاسبوع ، واللحم اكثرمن ثلاث مرات ، والارزأكثر من مرتين .احملوا حملة شعواء على الاسراف والتبذير والترف والبذخ فى المأكل والمشرب والملبس ..روجوا للقناعة والبساطة ،فالقناعة كنز لا يفنى ..ولا أقول وادعو للزهد والتقشف كما فعلت بريطانيا العظمى منذ عامين (1948) فنجحت بالتقشف لمواجهة آثار الحرب ليس فقط فى القضاء على الغلاء بل فى القضاء على ازمتها المالية
توفيق الحكيم يعتذر لـ"عبد الحليم حافظ" بعد رحيله
.افعلوا ذلك بكل وسيلة وانتم ترون العجب ..ان الكروش ستختفى ، وينتهى مرض السكر وضغط الدم ، وتنقص الاسعار وتعمر الجيوب ويطعم الفقير والغنى .قالت الحكمة..حقا لافائدة من علاج الغلاء قبل ان نعالج بطوننا واسرافنا ...فلا شئ يقتل البائع الطامع غير المشترى القانع ..وحقا الكروش هى أصل الداء وحقا القناعة كنز لا يفنى.