سيناريوهات الانتخابات الرئاسية بين "ترامب" وبايدن".. "فلويد" يقلل فرص "دونالد" في الفوز بدورة ثانية.. وتأجيل صفقة القرن مؤقتًا
أحداث عديدة تكاثرت في وقت تواجه فيها الولايات المتحدة وقيادتها للعالم تحديات كبري، في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، وفي ظل وجود رئيس بشخصية مثيرة للجدل، وقرارات طائشة قادت العالم للعديد من التغيرات الداخلية والخارجية.
ازدواجية المعايير
ليس ذلك فحسب بل ساهمت قراراته في كشف ازدواجية المعايير الأمريكية، بعد أن دأبت واشنطن على انتقاد الدول التي تسير على النهج نفسه من العنف والقمع والعنصرية، التي ظهرت مرًة أخرى لدى تعاملها مع أزمة فلويد، والاحتجاجات التي جاءت وراء مقتله..
ولتلك الأحداث التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية جراء أزمة كورونا ومقتل المواطن ذي الأصول الأفريقية جورج فلويد تداعيات على الإدارة الأمريكية وتأثير كبير على الحزب الجمهوري.
موقف الجمهوريين
من جانبها سلطت نهى بكير أستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة الضوء على عدة سيناريوهات متوقعة لتأثير تلك الأحداث الحالية على الجمهوريين طبقا لتطور الموقف، مشيرة إلى أنه حين يتوقع الجمهوريون أن أحداث السرقة والشغب التي تحدث مستغلة المظاهرات ستجعل الشعب الأمريكي ينبذ فكرة التظاهر ويصب غضبه عليها، فإنه بدلًا من أن يصب غضبه على الإدارة حال عدم الاستقرار والتفاف الشعب حول الإدارة الجمهورية كمنقذ نجد أن الديمقراطيين يتوقعون أن سوء تعامل الإدارة الجمهورية مع الأزمة سيؤدي إلى تقلص شعبيتها في الشارع الأمريكي، الذي يحمل بعض منه وزر ما حدث على عدم عدالة تلك الإدارة في التعامل مع الحدث.
ويرون أن الخطاب الشعبوي العنصري للإدارة الأمريكية قد أدي لشق نسيج الوطن وشجع على توغل الفكر العنصري.
التنمية
أما بشأن الأوضاع الداخلية في الولايات المتحدة والمتمثلة في أزمة كورونا التي عصفت بالمكتسبات الاقتصادية التي كان يتباهى بها دونالد ترامب فلفتت "بكير" الأنظار إلى أن تلك الأزمة أظهرت الوجه القبيح لعدم عدالة التنمية حيث إن أغلبية المصابين الأمريكان من أصول أفريقية، بسبب سوء الخدمة الطبية المقدمة لهم وضعف مناعتهم وتكدس حياتهم.
وأشارت أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، إلى أن التعامل العنصري مع الأمريكان من أصول أفريقية الذي نتج عنه حادثة فلويد كشف بطء الإدارة التي لم تسارع لحسن التعامل مع تلك الأزمة، والتي من المتوقع أن تؤدي إلى المزيد من الاستقطاب داخل المجتمع الأمريكي واتساع الفجوة بين الديمقراطيين والجمهوريين، التي يمكن على غرارها أن تشق وحدة نسيج المجتمع الأمريكي.
وهي نتائج ستحتاج لعقود من أجل إصلاحها، كما ستؤثر على الوجه الديمقراطي للقوة العظمي في العالم، مما قد يؤدي لتراجعها لحساب قوة أخرى أكثر تماسكا.
عن تأثير تلك الاحداث التي تشهدها الولايات المتحدة على الداخل الأمريكي سياسيا تزامنًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية وخاصة بعدما طفت العنصرية على السطح، قبل فترة ليست بالطويلة على الانتخابات الرئاسية، يعتقد كثير من المحللين السياسيين للشأن الأمريكي أن تلك الأحداث سيكون لها تبعيات سلبية ، خاصة أن الولايات المتحدة لديها رئيس لا يريد أن يقود، بل يحرض، وهذا الأمر يترك البلاد بلا قيادة في وقت الأزمات التي تخلق المزيد من عدم الاستقرار للناس.
فلويد يسقط ترامب
التداعيات السياسية لحادث مقتل فلويد والاحتجاجات التي تلته تتعلق بالتجاذبات الحزبية بين الطرفين الجمهوري والديمقراطي قبيل الانتخابات الرئاسية، وهو ما ظهر في استغلال جو بايدن.. المرشح الأمريكي الأوفر حظًا لاستغلال تلك الأحداث من أجل تقويض حملة ترامب الانتخابية وتشويه سمعته، في وقت كان الأجدر به أن يضع حلولًا حسب ما يرى الخبراء بدلا من أن يروج بشكل غير مباشر لاستمرار العنف لأغراض حزبية خاصة به وبحزبه.
وحول إمكانية تخلص الجمهوريين أنفسهم من ترامب منعا لتصاعد الاحداث، أشارت الدكتورة نهي بكير إلى أنه قد سبق وحدث ذلك مع الرئيس نيكسون حين اجبره حزبه على الاستقالة حتى يقلص حجم العبء وفقدان التعاطف الذي يتحمله الحزب في حالة تدهور الوضع وفقدان السيطرة عليه وهو ما قد يكرر المشهد ذاته خاصة في ظل الأحداث التي تشهدها الولايات المتحدة في الوقت الحالي.
ما بين تأثر رجل الشارع الأمريكي اقتصاديا بسبب فيروس كورونا وزيادة نسب البطالة وتدهور قدرة النظام الصحي على تقديم الخدمات الطبية والعنصرية وشق الصف بسبب الاحداث الأخيرة والسؤال المطروح بقوة حاليًا هو ما الذي ينتظر إسرائيل في ظل ما يجري في أمريكا من أحداث طاحنة؟ وهى الكيان الذي طالما قوى بواشنطن واعتبرها حليفه الأول والأخير؛ ها هو ترامب الذي لم يرفض طلبا لإسرائيل منذ وصوله للحكم يجد نفسه تحت حصار المواطنين جراء حادث غير متوقع وذلك قبل الانتخابات بخمسة أشهر فقط يبحث هنا وهناك عن مخرج للهروب من المأزق الذي يواجهه الآن.
إعادة الانتخاب
لكن في الوقت الراهن ترامب هو الذي يطمح في دعم الآخرين وهو ما دفعه إلى الإقدام على خطوة رفع الإنجيل أمام الكنيسة المجاورة للبيت الأبيض ووقف لالتقاط الصور، ولم يقل أي شيء أمام الكنيسة حتى إنه لم يقتبس أي كلام من الإنجيل ولم يفتحه من الأساس.
إلا أنه ليس من الصعب فهم أن خطوة ترامب مرتبطة بالانتخابات المزمع عقدها في غضون خمسة أشهر فقط ، حيث سيترشح ترامب لإعادة انتخابه وهو لا يستطيع تحمل خسارة أي من مؤيديه في عام 2016، لا سيما ملايين المسيحيين الإنجيليين في المدن الصغيرة في الغرب والجنوب، وهى الجماعات المرتبطة ارتباطا وثيقا بإسرائيل، وهذا يدلل على أن إسرائيل حاليًا ليست في الأولوية ولا حتى صفقة القرن، ورغم ما يجري في واشنطن من أحداث ملتهبة إلا أن الإسرائيليين يرون أن خطة ترامب المسماة بصفقة القرن فرصة لا ينبغي تفويتها، لأنها حلم سعوا لتحقيقه منذ عقود ويرغبون في تنفيذه قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه ويخسر ترامب في الانتخابات المقبلة.
صفقة القرن
ولكن في الوقت نفسه هناك أصوات إسرائيلية أخرى تحذر من مغبة وتداعيات الصفقة، ويعتبرون أنها ستجر إسرائيل إلى واقع خطير، ورغم بعض الخلافات الطفيفة بين الإسرائيليين فإن غالبيتهم يدفعون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نحو خطوة ضم الضفة وغور الأردن.
وتتمثل الخلافات في أن بعض الإسرائيليين يرون أن ضم 30٪ من الضفة الغربية عديم الجدوى، ويحمل مخاطر أمنية خطيرة وغير ضرورية في حين يرى العديد من الإسرائيليين أن خطوة الضم تعتبر الرؤية الأساسية لإسرائيل كدولة يهودية، مع حدود معترف بها وشرعية دولية حسب زعمهم.
الدكتور عمرو الشوبكي أستاذ العلوم السياسية يرى من جانبه أن الأحداث والاحتجاجات في أمريكا سوف تؤثر بشكل مباشر على الوضع السياسي داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها.
وأضاف:" في تصوري حسم صفقة القرن سواء بنجاحها أو فشلها خلال الأشهر القادمة لن يكون بتأثير من الاحتجاجات ولكن الأمر مرتبط بـنجاح ترامب من عدمه في الانتخابات المقبلة، وبالتالي أتوقع أن هذه الاحتجاجات وسوء إدارة ترامب لملف وباء كورونا وارتفاع عدد الوفيات وتخبط الأداء بشكل عام في الولايات المتحدة سيضعف من فرص نجاحه في الانتخابات.
وإذا خسر ترامب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر فهذا يعني نهاية صفقة القرن، لكن إذا نجح في الانتخابات فذلك يعني أن مشروع صفقة القرن مؤجل لما بعد نوفمبر، أي إن الحسم ليس هذه الأيام نتيجة الاحتجاجات ولكن على ضوء نتائج انتخابات الرئاسة في نوفمبر القادم".
موقف إسرائيل
وحول التحالف بين الجمهوريين وإسرائيل رأى الشوبكي أنه وارد أن يحدث تخلخل بين الجمهوريين وإسرائيل لأن خط ترامب وتوجهاته متطرفة حتى داخل التيار المؤيد للجمهوريين كما أن هناك تيارا من اليهود الأمريكيين يؤيدون الحزب الديموقراطي ويعتبرون أن مصلحة إسرائيل وأمنها مرتبط بتنفيذ مبدأ حل الدولتين.
وأشار إلى أن دعم ترامب لإسرائيل هو دعم غير مسبوق كونه حطم فكرة حل الدولتين ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس واتبع نهج لم يتبعه أي رئيس جهوري أو ديموقراطي سابق لذا في رأيي المشكلة الأكبر في ترامب أكثر منها الجمهوريين والحزب الجمهوري. الشوبكي توقع أيضًا أنه في حال فوز بايدن ستعود القضية الفلسطينية إلى الوضع السابق، الذي كانت عليه أي موقف أمريكي داعم لإسرائيل، ولكنه دعم غير فج ما يعني تجميد صفقة القرن.
أما فيما يخص موضوع القدس والعاصمة فإن الأمر يحتاج إلى جهد ولوبي عربي وفلسطيني يتحرك من أجل إقناع الرئيس الجديد بضرورة التراجع عن هذه الخطوة، وهى مسألة ليست مؤكدة وبرأيي لا أحد يتصور أنه لو فاز بايدن فإن أمريكا ستكون داعمة للحقوق الفلسطينية بدون مجهود من العرب والفلسطينيين وأدوات ضغط وما إلى ذلك؛ وبايدن سيكون داعما لإسرائيل ولكن بدون فجاجة ترامب والانحياز المطلق لإسرائيل.
ولكى تكون الولايات المتحدة طرفا محايدا هذا يحتاج إلى جهود عربية فلسطينية وحتى هذه اللحظة لا يوجد مؤشرات وخاصة في ظل الانشغالات الداخلية أصبحت القضية الفلسطينية لا تحظى بأولوية في الخطاب الرسمي العربي باستثناء الكلام العام والإدانة والشجب من بعض القادة.
فوز بايدن
وشدد الشوبكي على أن فوز بايدن هو الأفضل كما أنه سيتولى الحكم في خضم أعباء صحية واقتصادية كبيرة، غير أن دعمه لإسرائيل سيكون أقل تطرفا وتشددا من ترامب لكنه لن يصل إلى الموضوعية والحياد بدون جهود عربية وفلسطينية أما بالنسبة لـ إسرائيل فهى لن تغير من نهجها ما لم يكن هناك مقاومة من العالم العربي.
من جانبه يرى عمرو عبد العاطى، الباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن كلا المرشحين يستخدم الاحتجاجات للحفاظ على القاعدة الجماهيرية لحزبه، أن المرشح الديمقراطى يستخدم الاحتجاجات للوصول لقواعد انتخابية بعينها، وتحديدًا الأقليات الأمريكية المتمثلة فى السود واللاتينيين، لافتًا إلى أن اصطفاف السود بجوار بايدن يعزز من فرص فوزه فى الانتخابات الأمريكية.
ولاسيما أن الأقلية السوداء كان لها دورًا فى فوز الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما عام 2008، لكن فى انتخابات 2016 تراجع دورهم وفق الإحصائيات، لذلك يراهن «بايدن» على السود لتكون قوته الدافعة للبيت الأبيض، خاصة أنهم كانوا وراء فوزه فى الانتخابات التمهيدية فى الحزب الديمقراطى.
وقال مصطفى كمال، الباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أنه لا يمكن الجزم بأن الأحداث الأخيرة التى تشهدها الساحة الأمريكية ستكون سلبية الأثر على فرص ترامب فى الانتخابات المقبلة، بل على العكس ربما تكون عاملا مهما لنجاحه واستمراره فى الحكم، مشيرًا إلى أنه لن ينعكس غضب الجماعات المضطهدة من السود داخل المجتمع الأمريكى على الانتخابات الأمريكية.
وأوضح أن النظام الانتخابى الأمريكى يتسم بنظام المجمعات الانتخابية، أي أن كل ولاية لها كتلة تصويتية، ومن الملاحظ أن الاحتجاجات تشتعل فى الولايات التى تعد معاقل للديمقراطيين، مرجحًا أن تؤدى تطورات هذه الأحداث إلى توحيد جهود المتعصبين من الأغلبية البيضاء بالولايات المتحدة، وتحالفها مع كبار الرأسماليين نتيجة إضفاء الطابع اليسارى على حركة الاحتجاجات، وذلك لضمان فوز ترامب على غريمه.
وأوضح أنها ليست المرة الأولى التى يخرج فيها المجتمع الأمريكى للسود للتعبير عن مطالبهم، وتابع بأن الجديد فى الأمر هو السعى لتوظيف الحادثة من معسكرات المضادة لترامب فى الانتخابات، مشيرًا إلى أن المعسكر الديمقراطى يسعى لاستغلال الأزمة للتأثير على المهمشين، كذلك الفئات الأكثر تضررا جراء فيروس «كورونا».
نقلًا عن العدد الورقي...،