رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ماذا حدث لمصر والمصريين؟!

حتى النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، لم تكن مصر قد عرفت موضة حجاب النساء، فضلا عن النقاب، المستوحى من عادة يهودية، وليست إسلامية على الإطلاق!

 

كانت الحياة سهلة، بسيطة.. وكانت العلاقة بين شطري الأمة؛ مسلمين ومسيحيين، غاية في المتانة والقوة.. ولم تكن هناك أية مشاحنات على الأمور الفقهية، ولم نكن قد عرفنا بعد الاختلافات المذهبية، والصراعات الطائفية.. ورغم سفور البنات، والاختلاط بين الجنسين في المدارس والجامعات، لم تكن المحروسة قد عرفت التحرش، والاغتصاب، وغيرها من الظواهر الغريبة على مجتمعنا!

 

اقرأ أيضًا:

دراما الخراب

 

لم يكن هناك تركيز على الشكل والمظاهر، وكان الاحترام سائدا بين الجميع؛ من الصغير للكبير، ومن الرجال للنساء، ومن التلميذ لأستاذه.. وكانت السعادة تسكن البيوت، والتقوى الحقيقية تنير دور العبادة.. والمروءة صفة غالبة بين المصريين.. وكان الفساد قزما، وحالات فردية نادرة.

 

طبيعي أن تكون هناك معاناة، وصعوبات في المعيشة، فالدخول كانت قليلة، والموارد ضعيفة، ولكن الرضا كان يشغل حيزا كبيرا في القلوب، ومن ثَمَّ لم تكن الأزمات، والرغبة في زيادة الدخل هي الشغل الشاغل للناس.

 

وبعد حرب أكتوبر 1973، وظهور أهمية البترول العربي، أو بالأحرى الخليجي، انطلقت حملة شبه دولية، واسعة النطاق لتعميم الحجاب في كل أنحاء الوطن العربي، وكانت البداية بمصر، حيث كان الرئيس الراحل أنور السادات يعمل، بكل قواه، لإطفاء جذوة الناصرية، ويبذل محاولات مستميتة لتدشين ظهير شعبوي خاص به، ورأى أن تحويل مصر إلى السلفية الوهابية، مع إطلاق يد الإخوان، وأذنابهم من الجماعات المتأسلمة الأخرى، سيحقق له الانتصار الذي يرجوه على الناصريين واليساريين في مصر.

 

اقرأ أيضًا: بين "الاختيار" و"الممر"

 

بالفعل، تمكنت الجماعات المتأسلمة في الحد من نشاط الناصريين واليساريين، إلا أنها لم تنجح في القضاء عليهم.. غيَّرت تلك الجماعات من ثقافة المصريين، وخاصة الشباب، في المدارس والجامعات.. تبدلت مظاهر المصريين والمصريات.. ظهر الحجاب ثم النقاب وانتشرا على نطاق واسع..

 

اللحية والجلباب صارا لباسا معتادا بين الرجال!! تداولت بين المصريين مصطلحات يومية جديدة، مثلا: "صباح الخير".. و"مساء الخير" اختفت تماما، وحل محلها "السلام عليكم".. البقية في حياتك، باتت "البقاء لله".. وغيرها.

 

سيطر المتأسلمون على الاتحادات الطلابية، والنقابات.. ومن هنا تحولت الجامعات، والنقابات المهنية إلى حواضن للإرهاب والتكفير.. وبالتالي نشأت أجيال جديدة متتالية من الدمويين والتكفيريين.

 

النفط الخليجي كان سلاحا ذا حدين؛ أفاد مصر في حربها ضد إسرائيل في أكتوبر عام 1973، حين بادر العاهل السعودي الملك فيصل، رحمه الله، بوقف تدفق البترول إلى الولايات المتحدة، والدول الغربية المنحازة لإسرائيل، وحذت حذوه باقي الدول المنتجة للبترول..

 

لكن النفط الخليجي، من جانب آخر، غيَّر الخطاب الديني، وخرَّب عقول وعقائد من توجهوا للعمل بدول الخليج.. غالبية من عمل بهذه الدول تحول فكره إلى السلفية.. والبعض تحول إلى الاقتناع بفكرة مخالفة الأنظمة الحاكمة للشريعة الإسلامية.. بسبب كثرة ما تردد على أسماعه في كل مكان لتلك الأفكار.

 

اقرأ أيضًا:

كارثة جديدة في السودان!

 

إنتشرت الدعاية المكثفة للأفكار السلفية، والتي  ترفض سلوكيات المصريين المعتادة؛ من حب آل البيت، وزيارة الأضرحة، والتسامح في المعاملة بين الرجل والمرأة، وعدم رفض الآخر، سواء كان من ديانة مختلفة، أو صاحب معتقد مغاير، أو مذهب مختلف، أو جنسية أجنبية... إلخ.. كل هذا مرفوض وخارج عن أحكام الشريعة، حسب المعتقدات السلفية "الوهابية"!!

 

بدأنا منذ النصف الثاني للسبعينيات نعرف وقائع "الفتنة الطائفية"، والنزاعات بين المسلمين والمسيحيين.. سجل التاريخ حوادث غير مسبوقة، ومؤسفة لاشتباكات لم تعرفها المحروسة على مدى تاريخها الطويل.

 

اقرأ أيضًا:

متسول لكل مواطن

 

أموال النفط دمرت الريف في مصر، فقد ركز العاملون في الخليج على جلب الأدوات والأجهزة الحديثة، دون أدنى اهتمام بالتعليم مثلا.. وكانت السيول التي عصفت بقرى الصعيد فاضحة لتلك العادات الغريبة، حيث اكتسحت أمامها البيوت المقامة من الطين، فظهرت الثلاجات والغسالات "الأتوماتيك"، والتليفزيونات الملونة طافية على سطح المياه، كما طفت على السطح أيضا جِوالات النقود التي تم تكديسها..

 

ولم يفكر أصحابها في بناء بيوتهم بالطوب الأحمر.. وفي محاولة لعلاج تلك المصيبة، قام ضحايا كارثة السيول بإنشاء عمارات وقصور "مسلحة"، وبالطوب الأحمر، وأسرفوا في عمليات التشييد، ولجأوا إلى تجريف الأرض الزراعية لاستخدام الطمي في صناعة الطوب، ثم قاموا بالبناء على الأرض التي لم تعد صالحة للزراعة.

 

وشيئا فشيئا، ومع التوجه الانفتاحي، تحولت مصر من دولة زراعية، وبها صناعات ناشئة إلى دولة استهلاكية، وعرفت مصر أنماطا بغيضة من الاستهلاك الترفي.. وأتمت عمليات الخصخصة، في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، مخطط الإجهاز على القطاع العام.

 

أموال الخليج نسفت السلوكيات الاجتماعية التي كانت تتميز بها مصر.. من احترام الكبير، والمرأة، وتقبل الآخر.. وتسبب ابتعاد الرجال عن الزوجات، والأبناء، أحيانا لسنوات، مع الوفرة المالية، في ظهور جرائم جديدة.. مثل العلاقات غير المشروعة، والإدمان، ثم قتل الأزواج.... وغيرها.

 

بالفم ماء كثير.. والتحليل يطول، وتفاصيل نتائج الاتجاه شرقا يضيق المقام بها.. لكن تبقى مسئولية العمل على تحرير العقل المصري من فيروس "التسلف" و"الوهابية" مسئولية كل مصري في كل مكان.. ولو نجحنا سنتغلب على كثير من مشكلاتنا المستعصية.

Advertisements
الجريدة الرسمية