رئيس التحرير
عصام كامل

د. محمود فوزي يكتب: "التماس المعلومات" والبحث العلمي بالجامعات

محمود فوزي
محمود فوزي

أثار قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بإعداد الطلاب لبحوث علمية وفق أسس وضوابط محددة، كبديل للامتحانات التحريرية المعتادة جدلًا كبيرًا بين الطلاب وأولياء الأمور ولا يكاد يخلو بيت مصري من النقاش الدائر حول جدوى القرار الذي تباينت اتجاهات الطلاب نحوه بالإيجاب والسلب.

ولكلا الفريقين مبرراته وحججه المنطقية الكفيلة بتبني اتجاه وموقف متباين من قرار الوزير، فالمؤيدون يرون أنه نواة لبناء فكري جديد في نظام التعليم، يقدم فرصة عظيمة لإعداد الطلاب نحو إدراك أسس البحث العلمي السليم، وفق ضوابط وقواعد منهجية، تنمي مهارات النقد والتحليل والاستنباط والاستقراء لدي الطالب، وتكون بمثابة تأهيلًا ممتازًا لمرحلة الدراسات العليا، بينما يري الفريق المعارض أن الطالب المصري لا يزال غير مؤهل للتحول من نظام الحفظ والتلقين إلى مجال النقد والتحليل.

ومع عملي كعضو تدريس بإحدي الجامعات، فقد لاحظت أن سلوك الطالب الجامعي نحو إجراء البحوث العلمية بمقرراته يتشابه كثيرًا مع نظرية "التماس المعلومات"، حيث قدم (Ellis,et al 1989) توصيفًا لسلوكيات ملتمس المعلومات في نموذج تخطيطي؛ يشرح بالتفصيل السلوكيات المصاحبة لملامح هذه العملية، وذلك علي النحو التالي:

 يستهل الطالب تقبله لإجراء البحث العلمي بمرحلة "البدء"، وفيها يبحث عن الوسائل المستخدمة  لبدء عملية البحث عن المعلومات، كسؤال بعض من زملائه  وأعضاء التدريس والمعيدين، ثم يعقبها مرحلة "التسلسل" بأن يتخذ من مؤشرات اقتباس وطلب المعلومات دافعًا لطلب المزيد منها، لتأتي هنا مرحلة "التصفح"، وهي عملية البحث المنظم أو شبه المنظم للمعلومات، وبالطبع يكون لإدارة الكلية والجامعة وأعضاء التدريس دورًا مهمًا بهذه المرحلة، من خلال اتخاذ قرارات ميسرة  للطالب، والرد علي تساؤلاته، وفتح قنوات حوارية وتفاعلية معه.

ثم تأتي المرحلة الرابعة وهي "التمييز" التي يقوم فيها الطالب بالتماس المعلومات وثيقة الصلة باهتماماته الشخصية واحتياجاته الاجتماعية والوظيفية، وهي المعايير المتفاوتة من فرد لآخر، حيث يتخذ من الاختلافات الفردية الموجودة بين مصادر المعلومات معيارًا لتصفيتها وانتقائها، كي يقوم بمتابعة تحديثات مصادر المعلومات المختلفة والتطورات الطارئة عليها، وهي المرحلة الخامسة التي تعرف بـ "الرصد".

ثم يتحول الطالب في خطوة انتقالية نحو المرحلة السادسة وهي "الاستخراج" من خلال الاختيار الانتقائي للمعلومات المتسقة مع مصادر الاتصال المحيطة به.. ويتمثلون بالبيئة الجامعية في أعضاء هيئة التدريس- حيث ترتقي مهاراته البحثية بشكل ملحوظ، وتنشأ لديه القدرة على "التحقق" والتأكد من موثوقية المعلومات المأخودة ومصداقيتها، والتي تمثل المرحلة السابعة قبل مرحلة "النهاية" التي يتوّج فيها الطالب جهوده  باكتساب المعلومة، بل والبحث عن أسباب أخرى لاكتساب معلومات أكثر.

وفي عام 2016 أجرى الباحث Aondoana Daniel Orlu) )  دراسة تحليلية بهدف توظيف نظرية التماس المعلومات في رصد سلوكيات الدارسين ومصادرهم الاتصالية في مراحل التماسهم، من خلال إجراء مقابلات مع (13 بريطانيا بمرحلة دراستهم للماجستير بجامعة مانشستر) لتتوصل نتائج الدراسة إلي اعتماد الباحثين في مراحلهم الدراسية الأولى على التماس المعلومات، من خلال الاتصال بأقرانهم وبالمشرفين علي رسائلهم الدراسية، كي يحصلوا علي المعلومات الأساسية المتعلقة بأبحاثهم، وهي المرحلة التي تتطلب تنظيم سلوك ملتمس المعلومات وتوجيهه، وإزالة أي شكوك حول غموض المعلومات وعدم اليقين بها.

وبالطبع فإن فرص ومقومات الاتصال الشخصي- التي أشرنا إليها سلفًا- تساعد وبقوة في التأثير العاطفي على مشاعر الطالب، وتدعيم حالة الثقة واليقين لديه.

كما توصلت الدراسة إلى اتجاه الباحثين في مرحلة اقتراح أبحاثهم وإعداد خططهم البحثية نحو الاعتماد على المصادر الثانوية والخارجية للمعلومات، مثل محركات البحث وقواعد البيانات على الإنترنت، والمكتبات، والأقراص المدمجة؛ نظرًا لانخفاض معدلات التخوف التي شابت  المرحلة الأولى، مع مراعاة تبادل ومشاركة المعلومات المكتسبة في هذه المرحلة مع بعضهم لزيادة الشعور بالثقة، مع احتمالية إعادة عملية التماس المعلومات من البداية في حالة عدم الرضا التام عن المعلومات المكتسبة، وتساعد هذه العملية من البحث المفتوح عن المعلومات في تحديد احتياجات ملتمسي المعلومات بالمراحل المقبلة.

ولعل نتائج هذه الدراسة التي تعود لأربع سنوات سابقة قد ساقت لنا العديد من المؤشرات والدوافع حول ضرورية وحتمية التحول والانطلاق الجاد والبناء نحو منظومة البحث العلمي الصحيح، كي يتفوق الطالب المصري على نظيره البريطاني في غضون سنوات قليلة، شريطة تحول البناء الفكري والنظام الاجتماعي بأكمله نحو دعم وتأهيل الطالب الجامعي، وتأييد قرار الوزراة، ودرء أية تحديات تعوق تنفيذه.

الجريدة الرسمية