طقوس العيد في تاريخ مصر.. توزيع الكعك في الدولة الطولونية.. العيدية في العصر المملوكي.. وإطلاق المدافع في "العثماني"
العيد فرحة واحدة ولكن طقوس ومظاهر الاحتفال به تختلف من حقبة زمنية لأخرى، وفي ظل ذلك التنوع يصبح من الضروري استحضار تاريخ الاحتفال بعيد الفطر المبارك عند المصريين على مر التاريخ.
الدولة الطولونية
يعتقد البعض أن كعك العيد بدأ مع عصر الدولة الطولونية، وبحسب المصادر التاريخية المختلفة بدأت صناعة كعك العيد في صورة قوالب مشكلة منقوش عليها "كل واشكر".
ومن الوقائع الفريدة والغريبة صناعة كعك العيد وحشوه بالذهب وهو ما كان يقوم به الوزير أبو بمر المادرالي، إلا أن ذلك لا يمنع من القول بأن بداية وجود الكعك تعود إلى عهد المصريين القدماء بحسب ما جاء في التاريخ القديم.
الدولة الفاطمية
وظهر كعك العيد أيضا كذلك خلال عصر الدولة الفاطمية حيث قام الفاطميون بعمل الكعك والغريبة والبيتى فوروالبسكويت والمعمول وغيرها من حلويات العيد المختلفة.
وقد أنشئ لذلك الغرض مطبخ لصناعة الحلوى سمي "دار الفطرة"، في عهد الخليفة العزيز بالله وهو المطبخ الذي كان يعمل على توزيع الحلوى على جميع موظفي الدولة من خلاله وكان يتم إقامة الموائد الضخمة في قصر الخلافة خلال عيد الفطر من خلال دار الفطرة.
وبحسب الروايات التاريخية فقد كان الخليفة الفاطمي يخصص 20 ألف دينار لصناعة كعك العيد الذي كان يتم طبخه وطهيه منذ شهر رجب إلى يوم العيد.
قالت الباحثة الأثرية نادية عبد الفتاح إن الاحتفالات بعيد الفطر في العصر الفاطمي كانت ذات طابع مميز، فهو بالنسبة لهم "الموسم الكبير" وفقا لتعبير شيخ المؤرخين تقي الدين المقريزي، كما كان يُطلق عليه "عيد الحلل" لان الخليفة كان يخصص ١٦ ألف ديناروذلك لتوزيع الكسوات على جميع موظفي الدولة من كبيرهم لصغيرهم.
وكان الخليفة يتوجه لأداء صلاة عيد الفطر داخل مصلى العيد الذي يقع في الجهة الشرقية للقصر الكبير بجوار باب النصر والتي بناها جوهر الصقلي لهذا الغرض.
وأضافت نادية عبد الفتاح أن موكب الخليفة كان يخترق هذا الطريق الضخم الذي يضم طوائف العسكر في أبهى زينة، وكان يشترك في هذا الموكب الأفيال والزراف والأسود المزينة بالأجلة وعليها قباب من الذهب.
العصر المملوكي
أما خلال عصر المماليك فقد ظهرت العيدية بمسميات مختلفة حيث سميت بالجامكية وتقدم في صورة طبق به دنانير ذهبية محاطة بكعك العيد والحلوى وكانت العيدية تقدم من السلطان إلى الأمراء وكبار رجال الجيش حسب الرتبة والمنزلة عند كل فرد.
كما كان المصريون يسهرون ليلة العيد حتى ساعة متأخرة من الليل في تجهيز الملابس الجديدة، أما الكعك وغيره من أصناف الحلوى فيصنعها الناس في أواخر شهر رمضان ليتبادلوا بها التهنئة في العيد.
وأكد الكثير من المؤرخين أنه منذ تلك الفترة حتى الآن يفضل الكثير تناول السمك المجفف، وفي الصباح المبكر يجتمع أهل الحي أمام منزل الإمام الذي سيصلي بهم صلاة العيد في المسجد، وعند خروجه إليهم يقومون بزفه حتى المسجد وهم يكبرون طوال الطريق، وبعد الانتهاء من الصلاة يعودون إلى منازلهم بنفس الطريقة التي أحضروا بها الإمام.
أما مراسم الاحتفال بالعيد عند السلطان وكبار رجال الدولة في العصر المملوكي، فأشارت الباحثة الأثرية نادية عبد الفتاح إلى أنه في أول أيام العيد، ينزل السلطان إلى الحوش السلطاني لتأدية صلاة العيد في موكب فخم وبعد الصلاة يمد السماط، والتي وصلت تكاليفها في بعض السنين إلى خمسين ألف درهم، وأخيرا يقوم السلطان بتوزيع العباءات على الأمراء وكبار رجال الدولة، كما كان يقوم بالإفراج عن بعض المساجين.
العصر العثماني
أما خلال الدولة العثمانية فكانت تطلق مدافع القلعة بالعاصمة خلال أوقات الصلاة، وفي اليوم الأول يتوجه كبار رجال الدولة والأمراء إلى القلعة من أجل الاحتفال ويذهبون إلى جامع الناصر محمد بن قلاوون داخل القلعة لأداء صلاة العيد ثم يصطفون لتهنئة الباشا.
وفي اليوم الثاني تقدم القهوة والحلوى والمشروبات وتفوح رائحة البخور في القلعة وكان يتقدم لتهنئة الخليفة الأمراء السناجق وهم كبار البكوات المماليك وكبار الضباط والانكشاريين، كما يأمر الباشا بالإفراج عن بعض المساجين بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك.
أما عن الفرح الشعبي فكالمعتاد كان يتزين الجميع وينزل رب الأسرة مع عائلته لأداء صلاة العيد في المساجد، وقد أعد كعك العيد وباقي الحلوى لتناولها وتقديمها للأقارب والزوار ثم يخرج المواطنون في بهجة للتنزه في شوارع مصر وربوعها.