«شف برات».. ليلة الإيزيديين المقدسة.. يعتقدون باستجابة الدعاء فيها.. نزول الملائكة أبرز الملامح .. وزيارة معبد «لالش» أبرز طقوسها
الإيزيديون أو اليزيديون هم مجموعة دينية يعيش أغلب أفرادها في إقليم كردستان ومحافظة نينوي ومنطقة جبال سنجار في العراق ويقدر عددهم بنحو 600 ألف نسمة وتعيش مجموعات أصغر منهم في تركيا وسوريا وإيران وجورجيا وأرمينيا.
أقدم الديانات
والإيزيدية هي واحدة من أقدم الديانات الشرقية وتشير بعض المخطوطات إلى أنها ظهرت في الألف الثالث قبل الميلاد فيما يعتبرها بعض الباحثين أنها ديانة انحرفت عن الإسلام نظرًا لوجود تشابه بين الإسلام واليزيدية في بعض الطقوس والأعياد.
وبسبب تقديس الإيزيديين للشيخ عدي بن مسافر وهو عالم مسلم صوفي قال عنه ابن كثير إنه شيخ الشافعية الأكراد في جبال الهكار وله أتباع يغلون فيه.
العقيدة الإيزيدية
ويؤمن الإيزيديون بإله واحد لكنهم يعتقدون بأنه لا صلة بين المخلوق والخالق لذلك لا يؤمنون بالأنبياء كما يؤمنون بتناسخ الأرواح وأن الروح أزلية لا تموت ولا تتلاشى وإنما تنتقل بين الأجيال المتعاقبة ويقدسون المتصوفة كما يقدسون كبير الملائكة «عزازيل» ويطلقون عليه طاووس الملائكة لأنه رفض السجود لآدم حينما اختبره الله مع ستة من الملائكة الآخرين هنا فاز «طاووس ملك» بالامتحان وقد كافئه الله بجعله أقرب المخلوقات إليه وأناط به حكم الكون بحسب المعتقد الإيزيدي.
وتم تعريف «طاووس ملك» من قبل غير الإيزيديين على أنه الشيطان نفسه ومن هذا الأساس تم وصفهم بعبدة الشيطان ، فيما يرفض الإيزيديين هذا الوصف ويؤكدون أنهم لا يؤمنون بوجود كائن شرير مثل الشيطان.
الصوم الإيزيدي
ويتجه الإيزيديون إلى الشمس في صلاتهم ويصومون أربعين يومًا في السنة بداية من يناير ومركزهم الديني الأساسي في «لالش» حيث الضريح المقدس للشيخ عدي بن مسافر بشمال العراق ومن كتبهم المقدّسة «الجلوة» و«مصحف رش».
ليلة القدر
وكما يحتفل المسلمون بليلة القدر توجد لدى الإيزيديين ليلة مشابهة في القدسية لهذه الليلة تسمى ليلة الصلح أو التآخي أو المحبة ويطلق عليها «ﺷَﻒْ برات» وكلمة «شف» باللغة الكردية تعني الليل وكلمة «برات» تعني الصلح والمصالحة والخير وفي اللغة العربية يقال البراءة أي غير المذنب.
وتحل هذه المناسبة عندما يصبح القمر بدرًا في منتصف شهر شعبان الهجري أي في 14 منه وعلى الرغم من أن كل الأعياد الإيزيدية تحسب وفق التقويم الشمسي إلا أن هذه الليلة يتم تحديدها وفق التقويم الهجري مثل المسلمين وخاصة أن المسلمين يحتفلون أيضًا بليلة النصف من شعبان باعتبارها ليلة مباركة وقد يرجع السر ذلك إلى تأثرهم بعدي بن مسافر.
بركات ليلة القدر
وبحسب المعتقد الإيزيدي فان الملائكة تنزل إلى الأرض في هذه الليلة وتجلب الخير والبركة لعباد الله ويقيم الإيزيديون في هذه الليلة الصلوات والدعاء من أجل السلام والأمن والمحبة والخير للعالم.
ويرجع سبب هذه المناسبة إلى عدة روايات الأولى أنه حدث صراع بين الإيزيديين على السلطة وقتل الكثيرون منهم وبالتحديد بين الشمسانيين والآدانيين وهما قبيلتان للإيزيديين.
وقتل في هذ الصراع ما بين 70 إلى 80 شخصًا من الطرفين وبعد التدخل من قبل آخرين تم الصلح بينهم في هذه الليلة وتم تبادل «البرات» - التراب المقدس المعجون بالماء - بين الطرفين لأجل الأمان والسلام وإنهاء الاقتتال. وتقول الرواية الثانية إن هذه الليلة توافق ذكرى إنقاذ الخالق سبحانه وتعالى للنبي نوح عليه السلام يوم الطوفان بعدما رفض قومه الانصياع لأوامر الله واستمروا في عصيانهم ومجادلتهم للنبي نوح عليه السلام.
والرواية الثالثة وهي الأكثر انتشارًا أنه في هذا اليوم خلق الله الأرض وكانت عبارة عن ماء ثم خلق الله منها اليابسة عن طريق التراب المخلوط بالماء لذلك يحيي الإيزيديون هذا العيد كل عام باعتباره رمزًا للخلق والوجود.
طقوس الاحتفال
وحسب المعتقد الإيزيدي تتعلق هذه المناسبة بشخصيتين هما الملاك شيخسن والملاك شيشمس وتنقسم إلى قسمين هما الليل للملاك شيخسن والنهار لشيشمس ، لذلك فإن بعض الإيزيديين لا ينامون الليل في هذه الذكرى إكراما للملاك شيخسن في حين أن البعض الآخر لا ينامون الليل والنهار إكرامًا لشيخسن وشيشمس.
وفي هذه المناسبة يسهر الإيزيديون إلى الصباح إكرامًا للملك شيخسن وتقوم مجموعة من الفتيات العازبات بتجهيز «البرات» الذي يتم عجنه وتجهيزه من تراب أرض «لالش» ومن كهف البرات بالتحديد الذي يمزج بالماء المقدس وقليل من اللبن كخميرة له ومن ثم توزيعه على الحضور للتبرك حيث يعتقد الإيزيديون أن البرات شفاء لكل الآلام والأوجاع.
و«البرات» هي من أقدس مقدسات الإيزيديين ويستخدم في جميع مناسباتهم وخاصة في مسائل المصالحات العشائرية والثارات وتدفن مع الأموات ولا يجوز دفن الإيزيدي عند مماته إلا وتدفن معه البرات كما أنه من الواجب على كل إيزيدي أن يحمل معه «برات» أما في العصر الحالي فلا يحملها سوى فئة قليلة من رجال الدين الإيزيدي.
معبد لاشن
ويعتبر معبد «لالش» أكثر البقع قداسة بالنسبة لأتباع الديانة الإيزيدية حيث تحفه منابع مياه يطلقون عليها «زمزم» حيث يعتقدون أنها منابع مياه طوفان الذي جرى في عصر النبي نوح عليه السلام في بلدة «دهوك» في إقليم كردستان العراق ويطلق على هذه المياه «كاني سبي» أي العين البيضاء فضلًا عن وجود قطعة صخرية بالمعبد يعتقدون أنها آخر ما تبقى من أثر القالب الذي خُلق منه النبي آدم عليه السلام.
وفي هذه الليلة يرددون الأدعية الدينية في مزار «لالش» وتقوم العائلات بنحر الذبائح وإعداد الأطعمة الخاصة بالعيد والتي تسمى «خوان» وهذه الليلة غالبًا ما تكون ليلة للمسامحة والمصالحة والمحبة والإعفاء عن الذنوب.
وأيضًا يتم في هذه الليلة تنظيم «السما» وهي عبارة عن حلقة غير مغلقة مؤلفة من 7 أشخاص ويدور من يشارك بـ«السما» حول النار من اليمين لليسار، عكس عقارب الساعة ويجب أن تكون النار مشتعلة في معبد «لالش» طيلة تلك الليلة، كذلك يجتمع الإيزيديون وبحضور المجلس الروحاني في «لالش» المقدس ويتعبدون ويتلون الأقوال المقدسة وعادة ما يقوم الناس بتوزيع الحلوى المحلية أو الأطعمة الشهية على العائلة والجيران والأصدقاء.
مراسيم السما
وتجرى مراسيم «السما» من قبل رجال الدين المختصين لثلاث مرات في الليل إضافة إلى الأقوال والأدعية الدينية حتى مطلع الفجر، أما الشباب فيجتمعون ويتناولون الطعام ويؤدون الأغاني والرقصات والألعاب الشعبية حتى مطلع الفجر، وبالنسبة إلى كبار السن فيتوجهون إلى بيت المجيور وهو أحد رجال الدين عند الإيزيديين لسماع الأقوال والأدعية الدينية حتى الفجر.
وفي السنوات القليلة السابقة واحتفاءً بهذه المناسبة الدينية والاجتماعية كانت تقام ببعض المناطق الإيزيدية حلقات الدبكات الكردية على أنغام الطبل والمزمار وبعد شروق الشمس يتوجه كل من أحيا هذه الليلة إلى المزارات الدينية القريبة لأداء مراسم زيارتها قبل التوجه للنوم.
وفي القرى والمجتمعات والمناطق البعيدة عن معبد «لالش» يتجمع الأهالي على شكل مجالس صغيرة ولاينامون حتى الفجر ويقضون هذا الوقت في سرد القصص والحكايات وإجراء بعض المسابقات الفكاهية والأغاني وتبادل التهاني والزيارات والصلح بين المتخاصمين والدعاء لاعتقادهم أن الدعاء مستجاب في هذه الليلة.
ويحتفل بهذه المناسبة الإيزيديون الموجودون في العراق بشكل كبير أما في بقية الدول التي يتواجد فيها الإيزيديون مثل سوريا وتركيا وأرمينيا فانهم لا يحتفلون بها بسبب انقطاع التواصل بين المركز الديني في «لالش» بالعراق وتلك المناطق وبسبب تعرض الإيزيديين للمذابح باستمرار ومن ثم الخوف في إظهار عاداتهم وطقوسهم الدينية أمام أنظار الغير، وبالنسبة لمن هم خارج العراق فإنه يمكنهم إحياء هذه الليلة وتأدية هذه الطقوس بمكان مناسب كصالون أو بيت كبير وبنفس المراسم والطقوس قدر الإمكان.
نقلًا عن العدد الورقي...