كيف حققت الأمة الإسلامية أمجادها؟.. علي جمعة يجيب
قال الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء، إن الله أنعم على الإنسان بنعم عدة وأمره أن يسخرها في طاعته تعالى وفيما ينفعه في حياته الدنيا وفي الآخرة.. ومن هذه النعم نعمة الوقت التي امتن الله سبحانه وتعالى بها على عباده في قوله: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ).
وأشار إلى أن الله عز وجل أقسم بأجزاء من الوقت في مواطن عدة فقال تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر:1-2].. وقال: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) [الليل:1-2].. وقال: (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) [الضحى:1-2].. وقال: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) [الفجر:1-4].. فأقسم ربنا عز وجل بهذه الأوقات حتى نعلم قيمتها ونصونها وتحفظها ولا نعمل فيها إلا خيرا.
وأوضح جمعة أن الله سبحانه وتعالى ربط في شريعته غالب العبادات بالوقت؛ فالصلوات الخمس لها أوقات معينة لا تصح قبلها ويحرم تأخيرها عنها إلا لعذر.. وكذلك صوم رمضان وحج البيت والزكاة وغير ذلك من العبادات.. وينبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، بسنته القولية والفعلية إلى استثمار الوقت بما ينفع ويحذر من إضاعة الأوقات سدى.. فيقول: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ».
ويشير إلى أن الأسئلة الأربعة التي يُسأل عنها العبد يوم القيامة اثنان منها يختصان بالوقت، فيقول عليه أفضل الصلاة والسلام: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه».
وأكد المفتي السابق أن استثمار الوقت إحدى نصائح النبي صلى الله عليه وسلم وضمن مواعظه لأصحابه فقال: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك».
ولقد حققت الأمة الإسلامية أمجادها التي خلدها التاريخ عندما اتبعوا هذا النهج الرباني والهدي النبوي فأعطى المسلمون الوقت قدره ولم يضيعوه، واستحقت أمتنا أن تكون أمة قيادة وريادة حينما اهتمت بأوقاتها وعلمت أنها مسئولة عنها فإن علماءنا الذين نعتز بهم كالأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك الشافعي وأحمد ومن بعدهم من علماء الإسلام في جميع المجالات ممن خلفوا وراءهم تراثا عظيما ضخما رغم قلة الأدوات المتاحة في عصرهم, إنما بلغ هؤلاء العلماء الغاية في العلم والإنتاج العلمي بما أولوه من اهتمام بالوقت.