بسرعة البرق !
مر الشهرالمبارك بأسرع مما حسبنا. مر رمضان مرورا بارقا خاطفا، كأنه يتجرد منا. كأنه لم يتعرف علينا. كأنما يبحث عن هويته في أهله الذين عرفهم قرونا بعد قرونا، وعقودا بعد عقود، فلم يجدهم.
لسنوات طويلة استقبلنا الشهر الكريم العظيم في شهور الصيف، الحر والعطش والعرق والصهد والساعات الطويلة الممتدة. كلما تحرك الزمن من أكتوبر إلى سبتمبر. ومنه إلى اغسطس إلي يوليو، قلنا هانت، ولما تحرك من يونيو الي مايو قلنا الحر سيختلط باللطف، ونتحمل.
فلما هلت ٢٠٢٠ المنكودة، وداهم كوكب الأرض فيروس خفى حير البشرية وخطف عشرات الالاف من أرواح الصحاب والاحباب، تعلقت آمال المصريين بنفحة إلهية، مع قدوم شهر رمضان.
عادة يتوقع المسلمون "أوكازيون" إلهيا في شهور البركة، ترفع أعمال وتغفر اعمال وتضاعف أرزاق، وتمتد اعمار، وتتضاعف اللهفة في الليالي الفردية من آخر عشرة ايام من الشهر الكريم. يلح المسلمون في الدعاء، ويطلبون من رب السموات والأرض ما يحلمون به.
سارت أيام العبادة الرمضانية في مسارها النمطى. الناس يصومون. ينامون. يقومون. يصلون في بيوتهم. يفطرون. يصلون التراويح في البيوت. يستسلمون للمسلسلات. تداهمهم نداءات السحور. البعض يتسحر جوعا. والكثيرون يتسحرون على سبيل التخزين خوف الجوع في ساعات النهار.
بالطبع معظم الزوجات المصريات من الموظفات، رغم الرعب العام من كورونا، يعشن أحلى واروق رمضان في حياتهن. يسهرن ويستيقظن مع صلاة العصر.. إذ لا عمل، والحكومة وفرت الرواتب، والناس في أجازات متمتعين بحصانة الخوف من انتشار كورونا الملعونة!
منح كورونا لرمضان هذا العام أجواء أقل ما يمكن أن توصف به، انها أجواء تربص، وتوتر، وحزن وشجن وخوف، ومتابعة يومية لأمر جلل خطير، غطى علي المشاعر الروحانية السابغة عادة في رمضانات الطمأنينة والاعتياد السابقات.
بالطبع يصبح الانسان أقرب إلى الإلحاح في الدعاء وقت النكبات والمحن.. كلنا كذلك.. لكن الفيروس ماض في خطته المرسومة: يحصد عشرات الآلاف من البشر.. بينما القادة عاجزون.. والمصلون ساجدون يدعون.. والسماء ترقب حال الفزع والجزع.. ولعلها تسخر من المساخيط!
ولأن المصائب لا تأتى فرادى، فإن الفيروس.. اصطحب للبشرية كارثة مناخية منتظرة، وهي إن الشمس.. النجم الساطع الذي بدونه تموت الحياة وتنتشر المجاعات ويظلم كوكب الأرض.. في سبيلها قريبا إلى النوم.. ستغلق جفونها وتدخل في سبات. سنراها.. كديكور!
تحالفت علينا الطبيعة إذن وزمجرت.. وأنذرت.. غير معتبرة بأهل رمضان ٢٠٢٠، ولم يكن تقدير ذلك ولا تقريره عفو العام المنكود، بل لا ريب.. أنه تراكم عقود من العزوف عن العدل وعن الأخلاق وعن الحب وعن التسامح. عقود من الغل ومن الحرب ومن الظلم .
رمضان مر علينا مستنكرا، فما نحن بأهل له، وبرق فوقنا كالسنا، لعله ذاهب إلى قوم يستحقونه. يخلصون في حب الله.. وحب بعضهم البعض.
لماذا رحل الشهر العظيم بسرعة البرق؟
لأنه لم يجدنا..