رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ محمد الخضر حسين يكتب: فضل شهر الغفران

الشيخ محمد الخضر
الشيخ محمد الخضر حسين

فى مجلة الأزهر عام 1366 هـ كتب الشيخ محمد الخضر حسين التونسى الجنسية والذى تولى مشيخة الأزهر وعضوية هيئة كبار العلماء مقالا قال فيه: قال تعالى "شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان".

 

هو شهر نزل فيه الكتاب  ، وهو منار الهداية يملأ العقول حكمة والقلوب طهارة وذو طلعة مباركة ومقدمة كريمة. ومن مزايا هذا الشهر أنه الشهر الذى فتحت فيه مكة المكرمة ذلك الفتح الذى علت به كلمة الإسلام وعلى أساسه قامت الفتوح الإسلامية فى الشرق والغرب.

 

جمع هذا الشهر بين مزيتين عظيمتين: أولهما إنه الزمن الذى أنزل فيه القرآن إلى سماء الدنيا ، وثانيهما: إنه مظهر الفتح الذى استوثقت به عرى دولة الإسلام حتى مدت سلطانها العادل. اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون للناس من بين سائر الشهور شهر يقضون بياض نهاره فى عبادة الصوم واختار أن يكون شهر رمضان هو الشهر الذى تؤدى فيه العبادات ذات الحكمة السامية والثواب الجزيل ، ولعظم ما يترتب على الصيام من إصلاح النفوس وتهذيب الأخلاق جعلته فريضة من القواعد التى يقوم عليها الإسلام  والدليل على ان القصد من الصيام الإصلاح والتهذيب لا تعذيب النفوس بالجوع والعطش قوله تعالى "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه". والقصد هنا التنبيه على أن الصيام لا يتقبله الله تعالى قبول حسن إلا إذا اجتنب صاحبه الزور والعمل به. كما أمر الشارع بالإنفاق فى وجوه البر وورد فى السنة ما يدل على أن للإنفاق فى هذا الشهر فضلا عن الإنفاق فى بقية الشهور ، ويظهر هذا فى حديث ابن عباس قال (كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون فى رمضان)  وفضيلة التأسى به عليه السلام تدعو إلى بسط اليد بالمعروف فى هذا الشهر أكثر من بسطها فيما عداه من الشهور حتى يجد الفقراء من إحساس الأسخياء راحة بال فيقبلوا على الصيام والقيام بنشاط.

حملة "أيامًا معدودات": شهر رمضان أكبر مدرسة نتعلم منها العبر والقيم| فيديو 

أمر الشارع بتلاوة القرآن تمكينا لحجته واستضاءة بنور حكمته ، وفى السنة ما يرشد الاستكثار من تلاوته ، ويظهر هذا من حديث ابن عباس فى لقى جبريل للنبى عليه السلام وفى هذا الحديث (وكان يلقاه فى كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن) والدراسة هنا أى القراءة. والتهجد جزء من الليل قربة يبعث به عند الله مقاما محمودا ، ونبهت السنة على أن من جزاء القيام فى ليالى رمضان غفرانا يمحو الذنوب السابقة لقوله صلوات الله وسلامه عليه (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) والظاهر من الحديث أن الغفران المترتب على قيام رمضان يأتى على الذنوب السابقة جميعها فيمحوها ويسقطها.

وتفضل الله تعالى بليلة جعل العمل فيها خيرا من العمل فى ألف شهر ، وهى ليلة القدر ، وأجمع جمهور أهل العلم على أنها تكون فى رمضان أخذا بظاهر أحاديث أرشدت إلى التماسها فى هذا الشهر. هذه الأعمال الصالحات التى جعلها الشارع عبادة فى رمضان من نحو الصيام والقيام وتلاوة القرآن وبسط اليد بالمعروف شأنها أن تهذب النفوس وتحبب إليها التقوى وتعودها على السماحة واحتمال المكاره والمواظبة على صالح الأعمال فى سائر أيام السنة... إن فضل شهر رمضان بما وصفناه من المزايا فاستحق اليوم الذى يلى آخر يوم منه أن يتخذ عيدا لأنه يوم تمتلئ فيه قلوب الناس ابتهاجا بما عملوا فى هذا الشهر من الخير.

الجريدة الرسمية