ما حكم التصدق من مال اختلط حلاله بالحرام؟.. المفتي السابق يجيب
قال الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق إنه في بعض الأحيان يريد الإنسان أن يخرج في سبيل الله ما تحت يده من أموال قد يكون حصلها من الحرام أو من طرق فيها شبهة، وحينئذ ينصحه العلماء بإخراج هذا المال ليس على أنه صدقة بل على سبيل تبرئة الذمة وتنظيف المال من الحرام أو الشبهة، وحينئذ يذهب ثواب هذا الإخراج إلى أصحاب المال الأصليين الذين أخذ منهم ظلما وعدوانا ثم تعذر على المخرج الآن معرفتهم أو الوصول إليهم وهذا المال يجب إخراجه في وجوه الخير ليس تحت اسم الصدقة بل تحت اسم تبرئة الذمة.
وأشار مفتي الديار المصرية السابق إلى أن المتصدق عليه, وهو الذي يأخذ الصدقة, ومثله من يقوم بتوزيع هذا المال نيابة عن المتصدق, فليس عليه شرعا أن يسأل أو أن يبحث عن مصدر هذه الأموال أو أن يشترط على المتصدق أنه لا يأخذها منه إلا أن يعلم مصدرها, لأن الأصل في الشريعة هو إحسان الظن بالخلق, ولقد نهى الله تعالى المؤمنين عن التنقيب والتفتيش المتكلف في الأمور كلها, ووضع الله قاعدة ذلك فقال في سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) [المائدة:101], قال ابن كثير في تفسيرها: هذا تأديب من الله تعالى لعباده المؤمنين ونهي لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها.. حتى قال: وظاهر الآية النهي عن السؤال عن الأشياء التي إذا علم بها الشخص ساءته, فالأولى الإعراض عنها وتركها.
وتابع: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إياكم والظن, فإن الظن أكذب الحديث, ولا تحسسوا, ولا تجسسوا, وكونوا عباد الله إخوانا" [أخرجه البخاري ومسلم], والتجسس التفتيش عن بواطن الأمور, بل أخرج الطبراني في الكبير عن حارثة بن النعمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا ظننت لا تحقق" وإذا كان المتصدق اختلط في ماله حلال بحرام فصح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عمن له جار يأكل الربا علانية ولا يتحرج من مال خبيث يأكله, يدعوه إلى طعامه, فقال: أجيبوه, فإنما المهنأ لكم والوزر عليه. وقال منصور: قلت لإبراهيم النخعي: عريف لنا يصيب من الظلم فيدعوني فلا أجيبه, فقال إبراهيم: للشيطان غرض بهذا ليوقع عداوة, وقد كان العمال يظلمون ويصيبون، ثم يدعون فيجابون وقال الشهاب القليوبي: فرع: لا يحرم الأكل ولا المعاملة ولا أخذ الصدقة والهدية ممن أكثر ماله حرام, إلا مما علم حرمته. وهو مذهب جمهور الفقهاء.
وأكد المفتي السابق أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علمنا أن المجتمع المدني يجب أن يقوم بمهامه ليساعد الحكومة في وظائفها, وأنه ينبغي ألا نلقي بالعبء على جهة واحدة, وذلك في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني أبدع بي -هلكت دابتي-, فاحلمني، فقال: ما عندي, فقال رجل: يا رسول الله, أنا أدله على من يحمله,فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله" فلما لم تستطع الحكومة -متمثلة في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- تدخل المجتمع المدني ليقوم بما أقامه الله فيه. والأحاديث في هذا المعني كثيرة واضحة.