البحث الاجتماعي في زمن كورونا!
جمعتني الصدفة هذا الأسبوع بأحد أبرز علماء الاجتماع الشبان في وطننا العربي، باحث وأكاديمي متميز لذا أصبح أحد راسمي السياسات الاجتماعية في بلاده، وأثناء اللقاء دار حوار مطول حول أهمية البحث الاجتماعي، والدور الذي يجب أن يلعبه في رسم السياسات الاجتماعية، وفي عملية صناعة القرار داخل مجتمعاتنا العربية.
تطرقنا للحديث عن أزمة كورونا والدور المنوط بالبحث الاجتماعي للمساهمة فيها، وهنا وجدته ينتفض فجأة ويلتفت لي مستغربا، فبادرته بالسؤال ماذا بك؟ هل أخطأت في شيء؟ فكانت الإجابة بالقطع أخطأت ماذا نعرف عن كورونا حتى نسرع بالحكم عليها ونقوم بعمل أبحاث ودراسات عنها..
اقرأ ايضا: الحرب على جبهات متعددة في زمن كورونا!
لقد لاحظت أن هناك عدد كبير من الباحثين المراهقين علميا الذين يبحثون عن السبق ليس أكثر ليقول كل منهم فيما بعد أنه قد سبق الجميع في دراسة الظاهرة، فقد قام البعض بالتسرع وإعداد استمارات بحث لجمع مادة ميدانية حول تصورات الناس لكورونا، وهناك من حاول القفز للبحث عن الأسباب..
وهناك من تهور للبحث عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية التى ستحدثها كورونا، وهناك من طلب من طلابه إعداد رسائل ماجستير ودكتوراه تحت عناوين مختلفة حول كورونا، وهذا بالطبع وعي زائف حول مفهوم البحث العلمي، فهل مهمة البحث العلمي الوصول لنتائج عبارة عن تصورات للناس العاديين حول الظاهرة.
وعندما هممت بالدفاع وتوضيح الأمر وأن هذا شيئا محمود في كل الأحوال، باغتني بالسؤال هل قامت جهة من الجهات المسؤولة في أى دولة بتكليف هؤلاء الباحثين الذين يعملون في مؤسسات بحثية وأكاديمية بإجراء مثل هذه البحوث؟ وهل رصدت لهم ميزانيات لإجراء بحوثهم؟ وهل هناك إمكانية لإجراء بحوث ميدانية معتبرة دون تمويل؟
اقرأ ايضا: سوريا واليمن وليبيا في زمن كورونا!
وهل استطلاع رأي الناس حول الظاهرة عبر عينات صغيرة وبالتليفون يمكن أن يصل لنتائج حقيقية؟ وأمام تساؤلاته المتلاحقة وجدت نفسي أردد خلفه كلمة لا، لكن وكعادتي حاولت الدفاع عنهم والبحث عن مبررات لهم حتى لا يكون الحوار مونولوج من طرف واحد، فوجدته يداهمني بسؤال جديد ألست أنت باحثا مثلهم لماذا لم تقم بإعداد بحث من هذه النوعية؟
وقبل أن أهم بالإجابة وجدته يوفر علي عناء الحديث فأردف يقول لأن احدا لم يكلفك بمثل هذا البحث، ولم تتصل بك حتى الآن هيئة أو مؤسسة بحثية معتبرة سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية للاستعانة بك في إعداد مثل هذا البحث.
وقبل أن أباغته بسؤال جديد وجدته يسألني عن أحداث الربيع العربي المزعوم في تونس ومصر واليمن وليبيا وسورية، كم من الدراسات والأبحاث التى خرجت منذ اندلاع الأحداث في هذه الأقطار العربية؟ ولباحثين وعلماء كبار لهم وزنهم في مجال البحث الاجتماعي في الوطن العربي؟ فكانت إجابتي كم هائل من البحوث والدراسات الاكاديمية صدرت عبر العقد الأخير.
اقرأ ايضا: المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال في زمن كورونا!
وقبل أن أسترسل في الحديث باغتني بسؤال جديد، ما هو حكمهم على هذه الأحداث هل اعتبروها ثورة أم لا؟ وكانت إجابتي أن غالبيتهم وصف ما حدث أنه ثورة وهناك دراسات صدرت أثناء الأحداث ذاتها.
هنا وجدته يقول أنت الآن مكلف من جهة إقليمية معتبرة بإجراء بحث حول المردود الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي لأحداث الربيع العربي عبر دراسة ميدانية، فما هو تقيمك للتراث البحثي الذي تم إنتاجه عبر السنوات الماضية، والذي تسرع في إجرائه هؤلاء الباحثون؟
وبعد تفكير عميق كانت إجابتي أنه إذا اتفقنا على تعريف الثورة بأنها "إحداث تغيير جذري إيجابي في بنية المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية" فإن ما حدث لا يمكن توصيفه بالثورة لأن المردود الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي لأحداث الربيع العربي كانت أغلبها سلبية على بنية مجتمعاتنا العربية.
هذا إلى جانب اكتشافنا فيما بعد أن هناك مخططات ومؤامرات دولية كانت تحاك ضد مجتمعاتنا، وبما أن الثورات لا يحكم عليها إلا بنتائجها فإن أحداث الربيع العربي ليست ثورات، وكل من درسها وأصدر حكما عليها بأنها ثورة فقد ضل مسعاه.
اقرأ ايضا: العالم قبل وبعد كورونا.. والسيناريوهات المتوقعة!!
هنا وجدته يقول ليس هذا وفقط بل أنهم سواء بوعي أو بدون وعي ساهموا بتسرعهم في المشاركة في المؤامرة ضد بلدانهم بتبني وجهة نظر أعداء أوطاننا الذين وضعوا هذه المخططات تحت مسمى "الفوضى الخلاقة" لتقسيم وتفتيت وتدمير مجتمعاتنا من الداخل.
وقبل أن أرد وجدته يعود مرة أخرى لأزمة كورونا ويقول يا صديقي لابد من التروي وعدم التعجل في إجراء بحوث ودراسات حول هذه الظاهرة، حتى لا تكون النتيجة مثل أحداث الربيع العربي دراسات وبحوث نخجل من نتائجها ونصف من قاموا بها على الرغم من أسماءهم الرنانة بأنهم مراهقين بحثيا..
فهناك أسرار كبرى حول الأزمة الراهنة لم تكشف بعد، فالباحثون الحقيقيون عليهم أن يصبروا حتى ينضج الموقف وتتكشف بعض الأسرار، حتى تأتي بحوثهم بنتائج تساعد صانع القرار في رسم السياسات الاجتماعية التي تعود بالفائدة على مجتمعاتنا، اللهم بلغت اللهم فاشهد.