كيف تحولت بحوث الطلاب من حل للأزمة إلى معضلة تعليمية ؟!
مشروعات البحوث لطلاب المدارس التي أقرتها وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بديلا عن الامتحانات التقليدية لطلاب المدارس من الصف الثالث الابتدائي وحتى الثالث الإعدادي ، تحولت لدى البعض من حل علمي لقضية تقييم طلاب المدارس في ظل جائحة كورونا إلى ما يشبه المعضلة التعليمية صعبة الحل والفهم ، والأسباب التي أدت إلى ذلك كثيرة وليست مجهولة ولكن بعض هذه الأسباب يخرج أحيانا عن السيطرة.
كورونا والتعليم عن بعد
لفهم الأسباب التي أدت إلى كثرة اللغط حول بحوث طلاب المدارس ، رغم القرارات والكتب الدورية والإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم لابد من العودة إلى الوراء قليلا ، وتحديدا عندما صدرت تقارير رسمية عن منظمة الصحة العالمية توصف فيروس كورونا المستجد بالوباء العالمي ، ومطالبتها الدول لاتخاذ قرارات بتعليق الدراسة ، وكانت مصر من بين تلك الدول التي قررت تعليق الدراسة في المدارس ، واتجهت نحو تطبيق التعليم عن بعد مستغلة الإمكانيات المتاحة على بنك المعرفة المصرى وبوابة المناهج ، بالإضافة إلى قنوات اليوتيوب والفصول الافتراضية ، وقد أدت العديد من المدارس أدءا طيبا في هذا الاتجاه ، وواجهت العديد من المدارس الأخرى مشاكل تقنية كبيرة بالإضافة إلى تقاعس عدد كبير من المعلمين عن أداء المهمة المكلفين بها في توصيل المعلومة للطلاب ، وفي الوقت ذاته اجتهد معلمون ٱخرون وأثبتوا كفاءة كبيرة، وسط كل هذا كانت هناك حالة من الانقسام في صفوف أولياء الأمور بين مترقبين للتجربة ومتابعين بدقة وٱخرون أبدوا تشكيكا في جدوى التعليم عن بعد.
تقييم الطلابوإقرارالبحوث
في ظل استمرار قرارات تمديد فترة تعليق الدراسة ، ولاح في الأفق أن الدراسة لن تعود ثانية إلى المدارس بشكلها التقليدي هذا العام بسبب انتشار فيروس كورونا ، وكان ذلك بالتوافق مع قرارات الدولة بفرض حظر التجوال واتخاذ مجموعة كبيرة من الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا ، كان على وزارة التربية والتعليم أن تحدد سياستها في التعامل مع تقييم الطلاب وكيف سيتم نقل الطلاب إلى الصفوف التالية ، ومن بين خيارات عديدة اختار وزير التربية والتعليم الحالى الدكتور طارق شوقى إسلوب تقييم الطلاب عن طريق عمل مشروعات بحثية بدلا عن الامتحانات التقليدية ، وهو قرار جرئ ويتضمن رؤية تعليمية جيدة فبدلا من الاستسهال كما فعلت بعض الدول في اعتماد نتائج الفصل الدراسي الاول كان قرار التربية والتعليم في مصر حاسما في ضرورة تقييم الطلاب والاستعانة بمنظومة التعليم الإلكترونية التي تتبناها الوزارة منذ تولى وزير التعليم الحالى المسئولية.
السير في دوائر مفرغة
بعد أن أعلن وزير التربية والتعليم عن اقرار مشروعات البحوث بديلا عن امتحانات نهاية العام ، بدأ سيل من الأسئلة التي لا تنتهي حول البحوث ، وكأن الجميع أصبح يدور في دوائر مفرغة وفي الوقت الذي أظهر البعض تحمسا للبحوث واعتبارها اسلوب افضل كثيرا من الامتحانات التقليدية التي تهدف إلى أن يفرغ الطلاب ما حفظوه من معلومات من أجل الحصول على حفنة درجات، بينما البحوث تهدف إلى أن يبحث الطالب بنفسه عن المعلومة ويحصل عليها ويتعلم كيف يصيغها بمعاونة ولي أمره ومعلمه وزملائه إن رغب في ذلك.
ولأن الأمور لا تسير دائما في خطوط مستقيمة ، ظهرت أصوات كثيرة معارضة ومنتقدة وبدأت تتردد تساؤلات : كيف لطالب في الصف الثالث الابتدائي أن يستوعب المطلوب في البحث ؟! حتى تفاجئنا بفيديوهات لطلاب كثيرين في الصف الثالث الابتدائي وما يليه لا يقف الأمر بهم عند حد استيعاب البحوث إلى حد شرح المطلوب لزملائهم واستخدام التكنولوجيا بشكل كبير ، وبالرغم من ذلك بدأت دوائر الأسئلة والشائعات تتسع ، ورغم التواصل الكبير من وزير التعليم عبر برامج السوشيال ميديا والفضائيات وشرح كافة التفاصيل إلا أن مطلقوا الشائعات لم يتوقفوا يوما وزادت وتيرة الشائعات إلى حد كبير وتكررت الأسئلة والاجابات ومع ذلك لم تنته مشكلات البعض حول البحوث.
عصابات السبوبة
في ظل ذلك ظهرت أفة من ٱفات التعليم المصري ، وهي ما يمكن أن نطلق عليها عصابات السبوبة وهي عبارة عن أشخاص ومجموعات من المنتمين للعملية التعليمية أو المنتفعين منها والذين يحاولون الاستفادة من أي شيء ليحققوا من خلاله مكاسب مالية كبيرة مستغلين في ذلك جهل البعض أو رغبتهم في البحث عن الحلول السريعة المريحة بالنسبة لهم ، وكان نتيجة لتلك العصابات هو الاتجار في كل شيء يتعلق بالابحاث بدءا من تحديد سعر لاستخراج كود الطالب إلى تحديد تسعيرة لعمل البحث المطلوب ، وللأسف بين هؤلاء معلمين ومديري مدارس ومنتسبين للعملية التعليمية ومراكز للدروس الخصوصية وكان من نتائج ذلك حملة موسعة على مراكز الدروس الخصوصية والمكتبات وأحالت عشرات المعلمين ومديري المدارس من الذين تورطوا في استغلال الطلاب وأولياء الأمور وبيع البحوث للطلاب في المدارس الحكومية.
ألاعيب المدارس الخاصة
أجادت العديد من المدارس الخاصة في تقديم خدمات التعليم عن بعد للطلاب ، وكذلك سخرت كل امكانياتها من أجل مساعدة الطلاب في إنتاج البحوث المطلوبة منهم ، ومن ذلك مدارس الحسام المتكاملة ومدارس العمران بإدارة الهرم، ومدارس الامتياز بالقاهرة وغيرها من المدارس الخاصة التي استخدمت معلميها وجعلتهم في خدمة الطلاب وكذلك سخرت امكانياتها لمتابعة أداء معلميها مع الطلاب وتفاعلهم معهم ، وفي المقابل استغلت العديد من المدارس الخاصة مشروعات البحوث للضغط على أولياء الأمور من أجل الحصول على أقساط المصروفات المتأخرة أو للحصول على أموال جديدة بدءا من ممطالتها للطلاب في الحصول على الأكواد الخاصة بهم ثم عدم تقديم المعونة اللازمة في إنتاج البحوث وصولا إلى مخالفتهم لتعليمات وزارة التربية والتعليم في أسلوب تسليم البحوث فبالرغم أن الأصل في تسليم الأبحاث هو التسليم الالكتروني عبر منصة إدمودوا إلا أن تلك المدارس وبالتعاون مع بعض المسئولين في الإدارات التعليمية قدمت لأولياء الأمور تفسيرات غير مقاصد الوزارة ، وأوصلت لأولياء الأمور أن تسليم البحث ورقيا أمر ضروري حتى لو سلم الطالب البحث الكترونيا، وانما كان غرض هؤلاء هو أن يستغلوا الأبحاث في الضغط على أولياء الأمور خاصة المتعثرين في أقساطهم ومن أبرز تلك المدارس مدارس المعاهد القومية ، والأغرب أن بعض تلك المدارس وصلت إلى درجة استخدام المعلمين في تأليب أولياء الأمور والطعن في جدوى مشروعات البحوث بسبب ضعف مستوى معلميها في التعامل على منصة إدمودو.
شائعات السوشيال ميديا
من أسباب زيادة حالة اللغط حول طرق تسليم مشروعات الأبحاث رغم صدور كتابين دوريين رقمي ٢٢٠٢ و٢٢٠٣ عن الدكتور رضا حجازى نائب الوزير لشئون المعلمين والمشرف على قطاع التعليم العام وخروج وزير التعليم في أكثر من رسالة مصورة لشرح طرق التسليم ببساطة وإعلان محددات تسليم البحوث بشكل ورقي ، إلا أن الشائعات المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تكثر بشكل لافت للنظر بسبب الفهم الخاطئ للبعض والتأويل والفهم الخاطئ لتعليمات الوزارة وقراراتها من قبل بعض المسئولين في الإدارات التعليمية أو تفسيرها بالشكل الذي يحقق المصالح التي يرغب فيها هؤلاء ، تلك الأسباب كفيلة بإثارة اللغط حول مشروع عظيم مثل بحوث الطلاب وتحويله من حل تعليمي لأزمة كورونا إلى معضلة تعليمية.