الروائي نعيم صبرى : كنت المسئول عن إيقاظ جيراننا المسلمين للسحور في رمضان وكنت دائم السهر للمذاكرة فى الشهر الفضيل ( حوار )
بعض الأدباء تناولوا أحداث ثورة يناير عقب وقوعها وانتظر آخرون 6 سنوات للكتابة وفريق ثالث لم يكتب عنها بعد
«شبرا» «الحى السابع» روايتان حاول من خلالهما الكاتب والروائى نعيم صبرى رصد التغييرات التي طرأت على المجتمع المصرى، فـ«نعيم» ابن حى شبرا العريق، لا يزال رغم مرور ما يزيد على نصف قرن يحتفظ بذكريات طفولته وشبابه في «شبرا» والأجواء التي كانت تحيط بمنزلهم الذي كان يضم أسرة مسيحية إلى جوار أخرى مسلمة وثالثة يونانية.
كما لا يزال يذكر الطقوس التي اعتاد كل سكان المنزل على ممارستها طوال أيام الشهر الكريم، الذي لطالما انفرد بطقوس وروحانيات خاصة، دون غيره من بقية أشهر العام. حرص «نعيم » على تدوين ما عاشه وإبرازه للأجيال الجديدة، في رواية سماها باسم منطقته التي عشقها، حيث تناول فيها أيام شهر رمضان المبارك، وحال الحي وأهله في الأعياد سواء للمسلمين أو المسيحيين.
وفي الحوار التالى لـ "فيتو" يتطرق الروائي نعيم صبرى إلى تفاصيل هذه الأيام.. فإلى نص الحوار:
*بعد أكثر من ربع قرن من مغادرتك حي شبرا كتبت رواية تحمل اسم الحى العريق هذا.. ما الأسباب التي دفعتك للكتابة عنه؟
أنا من مواليد حي شبرا، وكان منزلنا يقع في شارع جزيرة بدران، ظللت في شبرا حتى بلغت 24 عاما وأنهيت دراستي في كلية الهندسة جامعة القاهرة ، حيث سافرت بعدها إلى ليبيا وعملت هناك سبع سنوات أما سبب كتابتي للرواية في ذلك الوقت، فكان لإبراز قضية وموضوع التعايش وقبول الآخر.
وكيف كان يعيش المصريون في منزل واحد من مختلف الأديان والجنسيات والثقافات المختلفة، وكيف كانت الحياة في مصر عموما، وكانت شبرا أكثر الأمثلة الحية حيث كان يقطنها أجانب كثيرون، كما كتبت الرواية عام 2000، بعد فترة صعبة مرت على مصر في ثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي، من جرائم التطرف، وجماعات التعصب الديني، والتي قامت بالعديد من الأعمال الإجرامية في حق مصر وأبنائها.
وبدأت تخرج أفكارها الغريبة على المجتمع المصري، وتجد آذانا تسمع لها وتؤمن بتلك المعتقدات، حيث وقعت أعمال اغتيال فرج فودة، ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ، على بتأثير كبير وكان قلبي واجعني على مصر، وكنت أريد توثيق حالة جميلة مرت على مصر وعشتها في الخمسينيات والستينيات، وأن بلدنا لم تكن بذلك السوء مطلقا.
*هل الشخصيات التي تضمنتها الرواية حقيقية، وماذا عن أحداثها وحبكتها الدرامية؟
شخصيات رواية شبرا المختلفة، سواء «الست بطة»، وزوجها «إميل»، و«الست عائشة»، وأسرة مدام هيلينا اليونانية، ومدام أنوش الأرمنية، وأسرة سعيد زياد الفلسطيني، وأسرة الحاجة فريدة، وأسرة ماري خوري اللبنانية، كلها شخصيات من وحي الخيال، لكنهم يجسدون واقعا بالفعل كان في منزلنا بشارع جزيرة بدران بشبرا، حيث كانت تقطن أسرة يونانية وأرمنية بالإضافة إلى الأسر المصرية من المسلمين والمسيحيين.
أما أفعالهم والترتيب الدرامي وحبكة الأحداث، فكلها أمور حقيقية حدثت بالفعل، فالوقائع قمت بكتابتها وحكايتها كما عشناها في ذلك المنزل من ترابط بين أسر على اختلاف دياناتهم وجنسياتهم، ووحدتهم خلال الأزمات ومساعدة الجار لأخيه، ومن مشاركة المسلمين في أعياد المسيحيين وقضاء الأسر المسيحية أول أيام عيد الفطر في منزل العائلات المسلمة.
ودعني أخبرك أيضا، أن المشاهد التي تجمع بين الأسر المسلمة والمسيحية أثناء صنع كحك وبسكويت الأعياد المسيحية التي تعقب الصيام، حدثت بالفعل، وأذكر أن جارتنا «أم أحمد» كانت تتذوق الكحك لنا، وتخبرنا بمذاقة وجودته، حيث يحتوي على سمن بلدي، ونحن لا نتناوله في الصيام.
*لشهر رمضان الكريم عادات وطقوس مميزة جسدتها في "شبرا"، حدثنا عن ذكرياتك معه؟
أنا وأسرتي كنا ننتظر قدوم شهر رمضان من العام للعام، وكانت أسرتي تستعد له مثل جيراننا المسلمين تماما، وبالفعل كانت له طقوس واستعدادات نتبعها قبل قدومه، أبرزها أننا ننزل رفقة جيراننا ونذهب لشراء ياميش رمضان من قمر الدين وجوز الهند واللوز والبندق والتمر، من منطقة وسط البلد ومحال بشارع 26 يوليو، كل أسرة تشترى احتياجاتها، ثم نستقل تاكسي ونعود جميعنا إلى شبرا مجددا، في لحظات وأوقات من البهجة والسعادة للجميع.
*وكيف كان حال منزلكم خلال ليالي رمضان؟
كنت متعهدا إيقاظ الجميع لتناول وجبة السحور، وكانت جارتنا الحاجة أم أحمد توصيني دائما بإيقاظهم، خاصة وأنني كنت دائم السهر للمذاكرة أثناء دراستي الهندسة، وأذكر أننى كنت أوقظهم جميعهم حتى أصل إلى أسرة بواب المنزل، أسرة «خالتى سالمة» حيث كنت أشرب الشاى مع هذه الأسرة ثم أغادر إلى شقتنا لأستكمل المذاكرة.
*جسدت كل تلك الذكريات الجميلة في رواية "شبرا"، لكنك أصدرت بعد عام واحد وتحديدا 2001 رواية بعنوان "الحي السابع" تحدثت فيها عن التغييرات التي طرأت على المجتمع.. ما الأسباب التي دفعتك لكتابة هذه الرواية؟
أردت رصد ووضع يدي على مواطن الاختلاف التي وجدتها في فترة الثمانينيات عن خمسينيات القرن الماضي، وأسباب ذلك، وكيف تمزقت الهوية الحضارية، مع نشوء أفكار تطيح بالآخر ولا تقبله، وحدوث عمليات إرهابية بغيضة، أبسط شيء عما كنا عليه في الماضي، مثال منزلنا في شبرا، والذي تقطن به أسرة قبطية وأخرى مسلمة، وأسرة أرمنية، وأخرى يونانية، في أجواء وحالة من المحبة والوئام بين الجميع.
*في ظل ما نعيشه من ظروف في الوقت الحالي وأزمة فيروس كورونا التي أثرت على العالم، هل من الممكن أن تعكس وتجسد كتابات الأدباء والكتاب تلك الفترة مستقبلا؟
لا أخفي عليك كل ما أتمناه حاليا أن تمر هذه الفتر بسلام على جميع دول العالم والبشر كلهم، لكن أعتقد أنها بوصفها أزمة إنسانية في الأساس ستنعكس على من عايشوها، سواء امتدت تلك الفترة طويلا أو قصرت، وباعتبار أن الفن والأدب، والموسيقى والفن التشكيلي، والشعر، وأشكال الفنون جميعها تعبير عن الإنسان وأزماته وآماله وآلامه، ستعكس كتابات المؤلفين، وأعمال الفنانين تلك الفترة بالتأكيد.
*كيف سيعزز ويغذي ذلك الحركة الثقافية والفنية، باعتباره مصدر إلهام للكتاب والفنانين؟
بكل صراحة لا أحد يمكنه توقع حجم ذلك التأثير على الثقافة والفن، لأنها تجارب ومشاعر عن فترة تختلف انطباعاتها من شخص لآخر، كما أن المسألة أصعب من مجرد توقع ذلك، كما أنه لا يمكن وضع أفكار البشر باختلاف ثقافاتهم في دائرة وبوتقة محددة.
كما أنه وببساطة فإن الأزمات الإنسانية مثل الحروب والأوبئة والثورات، تعد مادة دسمة للكتابة والإبداع، مثل ما شاهدناه مؤخرا من قيام بعض الأدباء بتناول أحداث ثورة 25 يناير 2011، عقب وقوعها، فيما انتظر آخرون 5 و6 سنوات للكتابة والتجسيد، كما أن بعضا آخرين لم يكتبوا حتى الآن، وبشكل عام حساسية وخصوصية وثقافة المبدعين تختلف، ولا توجد قواعد تحكمها، كل حسب حالته.
*هل من الممكن أن نرى عملا أدبيا لك يتحدث عن تلك الفترة في المستقبل؟
دعنى أؤكد لك، أنني حتى الآن لم أحدد ذلك، كما أني لم أفكر فيما سأشرع في الكتابة عنه مستقبلا، لكن من الممكن أن أكتب عنها.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"