وزير الأوقاف: من منع وارثًا حقه منعه الله جنته يوم القيامة
![الدكتورمحمد مختار](images/no.jpg)
قال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف إن القرآن الكريم قد ذكر أمر العبادات التي بين العبد وربه مجملة وفصَّل كثيرًا من الحقوق والالتزامات المالية ومن ذلك: ما فصَّله القرآن الكريم في سورة النساء من أحكام المواريث والتي ختمها سبحانه وتعالى بقوله: "تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ" ، والحد: فاصل بين الحق والباطل ، بين الحلال والحرام ، "وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ" ، بأن يحرّف ، أو يبدّل ، أو يغيّر ، أو يتدخّل في تقسيم الله تعالى ، "يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ".
جاء ذلك خلال برنامج : ”في رحاب القرآن الكريم” بعنوان: "الوفاء بالحقوق في القرآن الكريم" يوم الأربعاء ١٣ رمضان ١٤٤١ هـ ، الموافق ٦/ ٥/ ٢٠٢٠ م والذي يذاع على القناة الفضائية المصرية وقناة النيل الثقافية وقناة نايل لايف في إطار غرس القيم الإيمانية الصحيحة وإظهار الصورة المشرقة للفكر الإسلامي الصحيح ، وفي ضوء العناية بكتاب الله (عز وجل) وبيان مقاصده وأسراره.
وتابع الوزير: ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّ اللهَ قَدْ قَسَمَ لِكُلِّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ"، ولم يقل (صلى الله عليه وسلم): قسمت أنا ، وإنما نسب القسمة إلى الله تعالى ، فإن الله لم يترك أمر الميراث لأحد من خلقه ، فإن الله تعالى قسم لكل وارث حقه ، فمن منع وارثًا حقه منعه الله تعالى جنته يوم القيامة ، والذي يتدخّل ويغيّر ويبدّل فيعطي هذا ويمنع هذا وبخاصة من يحرمون المرأة من حقها في الميراث ، ومن يخصصون أموالهم لأبنائهم من البنين دون البنات.
ويقولون: “لا نعطي الميراث لأحد من الغرباء ، أو من أزواج البنات ، أو هكذا جرت عاداتهم الخاطئة المخالفة لشرع الله (عز وجل) ، فنقول لهم: من يتدخل فيكتب لهذا ، أو يعطي هذا ويحرم هذا ، أو يسجل لهذا ويمنع هذا ، كأنه يقول (والعياذ بالله تعالى): تقسيم الله تعالى لا يعجبني ، أو يقول: أنا أقسم تقسيمًا أحسن من قسمة الله تعالى لأنه إذا كان يرضى بتقسيم الله تعالى فلماذا يتدخل فيما قسمه الله (عز وجل)؟”.
ويروي الناس أن أحدًا منع ابنته من الميراث ، واختص بالمال والعقار أبناءه من البنين ، فظلت البنت صامتة حتى جاءت لحظة شديدة حاسمة ، وهي لحظة غسل أبيها ، فقالت: أروني أنظر إليه حتى أودعه ثم وقفت على رءوس الأشهاد من الحاضرين ، وقالت: اللهم إنك تعلم أنه قد حرمني بعض نعيمك في الدنيا ، اللهم إني أسألك أن تحرمه من نعيم الآخرة ، قابلت عقوقًا بعقوق ، وجحودًا بجحود ، فمن ينتظر لنفسه مثل هذا الموقف حتى وإن لم تقله المرأة بلسانها فإن حالها ومقامها يقول ذلك ، "وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ".
وأوضح وزير الأوقاف أن من الحقوق التي أكد القرآن الكريم عليها حقوق الناس في الكيل والميزان ، وقد خصص سبحانه سورة كاملة للتحذير من تطفيف الكيل والميزان ، يقول تعالى: "وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ" ، هلاك شديد ، وقال بعض المفسرين: "ويل" واد في جهنم تستغيث سائر الوديان من شدة حره ، "الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ" ، إذا اشتروا أخذوا حقهم كاملًا غير منقوص ، "وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ" ، وإذا باعوا لغيرهم لم يعطوا الحق كاملًا ، " أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ" ، ألا يعلم هؤلاء أنه سيأتي اليوم الذي يقال لهم فيه: "وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ" ، سيُسألون عن كل شيء ، وذكر بعض الصالحين أن رجلًا حضرته الوفاة وبجانبه مَن يلقنه الشهادة فحبس لسانه عن النطق بها ، فيحدثه في أمر الدنيا فيتحدث ، ويحدثه عن أبنائه فيتحدث ، يعاوده للنطق بالشهادتين فلا ينطق ، فهمس له: حينما أحدثك في أمور الدنيا تتحدث ، وعندما ألقنك الشهادتين فلا تنطق ، فقال: إن لسان الميزان منعني عن النطق بهما ، فتطفيف الكيل والميزان حبس لسانه عن النطق بالشهادتين ، قال بعض أهل العلم: ويل لمن يبيع جنة عرضها السماوات والأرض بحبة أو حبتين ، أو بشيء يسير ، أو عظيم من متاع الدنيا ، وربما يظن بعض الناس أن هذه الحبة أو الزيادة قد تنمي ماله ، فنقول : لا وألف لا ، يقول القائل:
جمع الحرام على الحلال ليكثره
دخل الحرام على الحلال فبعثره
فما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها ، ولكنكم تستعجلون ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "إنَّ رجالًا يَتخوَّضونَ في مالِ اللَّهِ ورسولِهِ بغَيرِ حقٍّ لَهُمُ النَّارُ يومَ القيامةِ" ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ" ، يقول أهل العلم: مَن أكل الحرام أو أدخله على أولاده فقد عرض نفسه لسخط الله تعالى ، فإن دعا لم يستجب له ، قال سيدنا سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) لنبينا (صلى الله عليه وسلم): يا رسول الله ادع الله لي أن أكون مستجاب الدعوة ، فقال (صلى الله عليه وسلم ): "أطِبْ مطعمك تكنْ مستجاب الدعوةِ" ، ولم يقل له: أكثِر من العبادات أو الطاعات تكن مستجاب الدعوة ، حتى لو خرج حاجًا أو معتمرًا ملبيًّا فلا يستجيب الله تعالى له ، فقد ذكر (صلى الله عليه وسلم): "الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟" ، فالحرام سم قاتل ، وسم زعاف ، مدمر لصاحبه في الدنيا والآخرة.