العميد أسامة الصادق أحد أبطال نصر أكتوبر: أمي فقدت بصرها من البكاء بعدما أخبروها أننى استشهدت.. وهذا ما فعلته عندما رأتني | حوار )
تلقينا أوامر بالانسحاب فى 67 ولكن قائد الكتيبة البطل رفض قائلا لن أترك أرضي لليهود
دولة كانت تحاربنا في كل حروبها بضعف الإمكانيات والعدد.. وانتصرنا عليهم بالإرادة
بعد نصر أكتوبر 73 تم منحه نوط الجمهورية من الدرجة الأولى ونوط جرحي الحرب من الرئيس السادات ، له أكثر من 20 مؤلفا عن أدب الحرب أهمها: رواية الناس والحرب وعابد المصري ورحلة الألف يوم نفذ بعد حرب 67 واحدة من أهم العمليات انتقاما لشهداء مدرسة بحر البقر وقتل وأصاب 35 جنديا إسرائيليا.
وقام وقتها اللواء عبد المنعم خليل بإرسال جواب شكر له وللكتيبة على هذه العملية ، وصرف مرتب شهر كمكافأة إنه العميد أسامة على الصادق أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة الذى تحاوره "فيتو" بمناسبة ذكري العاشر من رمضان فأكد إن العسكري بإمكانه تغيير مجريات الحرب.. وإن الجندي المصري خير أجناد الأرض عندما تتاح له الفرصة يتقدم الصفوف في براعة وبسالة لا تجدها في أي جندي آخر على مستوى العالم.
وأكد الصادق أن حرب أكتوبر المجيدة غيرت الكثير في العلوم العسكرية العالمية، وأصبحت تدرس الآن وأجبرت الخبراء الاستراتيجيين أن يعيدوا التفكير في التخطيط العسكري، سواء في مسارح العمليات أو الأسلحة في العصر الحديث
*كيف التحقت بصفوف الأبطال في القوات المسلحة؟
حصلت على الثانوية العامة عام 63، وكانت أمنيتي الالتحاق بالكلية الحربية مثل كل أبناء جيلي الذين حضروا ثورة 23 يوليو 52 التي قام بها أبطال من الجيش المصري، ثم التحقت بالكلية الحربية وتخرجت فيها عام 1966 الدفعة 49 ضابطا بسلاح المشاة ثم انتقلت لإحدى الكتائب التي كانت عائدة من اليمن وبدأنا تدريبها مرة أخرى لأنها كانت منهكة من الحرب هناك.
*كنت شاهد عيان على ما حدث في 5 يونيو67.. ما ذكرياتك عن ذلك اليوم؟
بالفعل كنت شاهد عيان على ذلك اليوم الصعب، فأنا تخرجت قبلها بأقل من عام، وبدأنا من أول يناير 67 بالتدريب الأهم، وتم رفع درجة الاستعداد في مايو واندفعنا إلى سيناء، وكانت أول مرة ندخلها، ووقتها لم يكن قد مر سوي بضعة شهور على تخرجي في الكلية الحربية، وبدأنا ننتقل من مكان إلى مكان حتى وصلنا إلى منطقة الحدود الدولية بالعوجة، حيث مكان التمركز.
وأخذنا مواقعنا وحفرنا وكان بجوارنا طريق أسفلت يمر بين العوجة حتى القدس المحتلة وكان قائد الكتيبة وقتها العقيد مصطفى توفيق فهمي ويوم الإثنين 5 يونيو الساعة 9 ونصف صباحا، بدأت إسرائيل ضرب سيناء ونحن فيها، ووجدنا وحدات عسكرية مصرية قادمة من الشرق على الطريق الأسفلت المجاور لنا، وقالوا إن إسرائيل هجمت، ورأيتهم يعودون إلى سيناء، أما كتيبتي فظلت في موقعها ثابتة في انتظار ضرب القوات الإسرائيلية.
وكنا نسمع صوت انفجارات ولكن لم نر أي يهودي بعد، وتاني يوم أرسل قائد الكتيبة وحدتين عسكريتين قامتا بعمل مهمة انتحارية داخل إسرائيل، وأحدثا فيها خسائر فادحة، ولم يعد من الوحدتين سوي عدد قليل والباقي نال الشهادة وفي اليوم الثالث بدأت إسرائيل الضرب الشرس، وجاءت لنا الأوامر بالانسحاب.
ولكن قائد الكتيبة البطل رفض الانسحاب قائلا: "أنا جاي هنا أحارب" ولن أترك أرضي لليهود، لأن لديه ثأرا فأخيه استشهد في عدوان 1956 على مصر، وطلب مني أخذ باقي القوة والانسحاب حتى لا أعرض القوات للإبادة.
*حدثنا عن كيفية استشهاد قائد الكتيبة بعد أن أمركم بالتحرك؟
العقيد مصطفى توفيق قائد الكتيبة 352 التابعة للواء 116 كان بطلا عسكريا بكل المقاييس، فبعد تحميل اللواري بالجنود يوم 8 يونيو ودعنا وبقي هو بمدفع رشاش محمول وحده ومعه جندي المراسلة حتى يتمكن من عمل كمين للإسرائيليين عندما يمرون على الطريق الأسفلت، وتحركنا فرصدت القوات الإسرائيلية تحركنا.
وضربت علينا لأننا في تجمع وأصيبت السيارات التي كانت تقلنا بما فيها العربة التي كنت استقلها وتفرقت الكتبية وظن الجنود أنني استشهدت ثم جاء بعض الجنود، وأخرجوني منها بصعوبة وظل معي فقط 5 عساكر كنت وقتها ضابطا صغيرا، وبعد أيام ونحن تائهون في صحراء سيناء قابلنا الجندي المراسلة الذي كان مع العقيد البطل مصطفى وكان يبكي قائلا العقيد مصطفى مات ... أبويا مات....هروح فين دلوقتي.
وسألناه عما حدث قال بعد مغادرتكم بساعات قام بنصب المدفع مقابل للطريق بداخل الموقع، وانتظر حتى دخل العدو الإسرائيلي الموقع يبحث عن قوات مصرية ففتح نيران رشاشه وظل يقاتل حتى قتل 12 اسرائيليا غير الجرحي وسحب العدو قتلاه، ثم ضربوا الموقع بالمدفعية الثقيلة، فنال البطل العقيد مصطفى الشهادة، بعد أن قاتل بشراسة، وقد منح اسمه نجمه الشرف العسكرية ، وهو العقيد الوحيد الذي نال شرف الشهادة في جولة يونيو 67.
*وكيف كان طريق العودة من سيناء؟
كنت وقتها لا أعرف أي شيء في سيناء، وكان الجنود يمشون معي بعيدا عن الطريق الأسفلت، وكنا نخوض معارك للدفاع عن أنفسنا كل بضع دقائق يضرب اليهود علينا ونهرب ثم قابلنا أحد البدو وسألته عن اقرب طريق للعودة لغرب القناة، فقال لي خدوا الطريق الأوسط فتهنا 28 يوما في سيناء من جبل الحلال إلى جبل لبني، والمغارة 70 كيلو متر مشيناها على رجلينا في عز الحر، بدون أكل أو مياه.
ومن أهم الحوادث التي صادفناها أنه في أحد الأيام شاهدنا عربة صفراء يستقلها بعض الجنود الإسرائيليين فضربناها بسلاحنا الخفيف، وكانوا في طريقهم إلى أحد المعسكرات، وبالرغم من أن ذخيرتنا كانت قليلة وكنا منهكين لكننا قتلناهم بالكامل، ووصلنا إلى الضفة الغربية يوم 4 يوليو بعد 28 يوما في سيناء تائهين.
واستشهد منا عسكري واحد نتيجة انفجار لغم قرب شاطئ القناة وكان اسمه عامر، وعدت أنا والأربعة جنود الآخرين منهكين ومصابين، وقام العاملون بهيئة قناة السويس باستقبالنا أحسن استقبال وأخذونا إلى بورسعيد، ولا أستطيع وصف حالتي وقتها حيث كنت مصابا ومشيت خلالها 3 ساعات في الملاحات حتى تورمت قدمى من المياه المالحة بملاحات الكاب، هذا غير رائحتها الكريهة ووصلت إلى المستشفي ورجلاي متورمتان ففتحوا لي فتحات في أسفلها ليخرجوا منها المياه والصديد من المشي في الصحراء والملاحات.
وقاموا بتنظيف جروحي، وقالوا لي اطلع جري على المحافظ، وكان وقتها اسمه فريد برهان لاستلام أفرول جديد وتغيير القديم ثم ركبت القطار إلى القاهرة لأسلم نفسي لقيادة سلاح المشاة.
*ما أهم المواقف التي حدثت لك في طريق العودة مرة أخرى لقيادة المشاة؟
أهم موقف حدث لي ومازلت أتذكره حتى الآن عندما وصل القطار إلى محطة رمسيس الساعة 10 ليلا وذهبت لأسلم نفسي لقيادة السلاح، ولكنهم قالوا لابد أن أكون هنا قبل الثامنة مساء تعالي بكرة الصبح، وكنت وقتها لا أحمل نقودا ولا أي شيء فجلست على أريكة بمحطة العباسية حتى الصباح وغفوت عيناي من التعب.
وفوجئت الساعة الواحدة بأحد الأشخاص يوقظني ويقوم بتفتيشي، وقلت له أنا الملازم أول أسامة قالي مليش دعوة طلع اللى معاك فقلت له ليس معي سوي إثبات الشخصية، وأنا ضابط عائد من الحرب ولا املك أي نقود الآن، فتركني ومشي وبعد دقائق عاد إلى بعدد من السندويتشات وكوبا من الشاي، وقال اتفضل إحنا أغراب زي بعض ثم فوجئنا بسيارة شرطة وبها عساكر تقوم بالقبض علينا، حاولت أن أعرفهم بنفسي ولكنهم لم يصدقوني واقتادوني إلى قسم الوايلي فطلبت مقابلة الضابط، وعرفته بنفسي.
وكانت المفاجاة أن الشخص الذي قدم لي السندوتشات والشاي حرامي عندما فتشني ولم يجد معي نقودا تركني وذهب وأوقف إحدى السيارات الملاكي، وأخذ من صاحبها جنيها وقام بشراء السندوتشات والشاي لي، فقام قائد السيارة بالذهاب إلى القسم وتقدم بشكوي ضده، وعرفت الضابط بنفسي وكان نقيبا وقتها وقال لي أن أخاه ضابط في سيناء اسمه وليام شفيق وبالصدفة قلت له نعم رأيته ولكنه استشهد وكان من ضمن القوات المصرية التي داست الدبابات الإسرائيلية عليهم ببشاعة.
*كيف كان شعور والديك عندما عدت من الحرب؟
أخذت إجازة صغيرة وذهبت إلى المنزل ففتح لي والدي وأخذني بالحضن، وقال لأمي أسامة فاخذت تنهمر الدموع من عينيها قائلة يا تري أنت فين يا ابني وفوجئت أنها لا تراني لأن بصرها ضاع بسبب البكاء على فقد أخبروها أنني استشهدت وعندما حضنتها شعرت أن الحياة رجعت لها مرة أخرى، وأثناء إجازتي كانت تقوم بالليل تحضنني وكأنها غير مصدقة أنني عدت.
*هل شاركت في حرب الاستنزاف ؟
بعد عودتي من الإجازة كانت الحياة تغيرت فبدأنا التدريب الشاق والدخول في مشروعات بالذخيرة الحية، بالإضافة إلى قدوم الخبراء الروس إلينا لتعليمنا على الأسلحة الجديدة استعدادا لحرب أكتوبر، ومن أهم العمليات في حرب الاستنزاف عندما ضرب الطيران الإسرائيلي مدرسة بحر البقر بالشرقية.
وكان بالصدفة أحد ضباط كتيبتنا ويدعي ملازم أول مخلص علام وعدد من الجنود بالقرب من المدرسة واستشهدوا والحقيقة مخلص كان صديقي ولم يمر سوي 6 شهور فقط على تخرجه في الكلية الحربية وكان فتي حالما يحب الموسيقي ويعزف على البيانو، وكنت اذهب معه إلى منزله ويعزف لي اعذب المقطوعات.
وعندما استشهد حزنت عليه جدا وبعدها بأيام اتصل بي رئيس عمليات اللواء وقالي يا أسامة اليهود بينزلوا ذخيرة في النقطة الحصينة رقم "3 "انا عاوزك تضربهم بقنابل فسفورية حتى تحدث بهم أكبر خسائر فقلت له يا فندم لا يوجد لدينا قنابل فسفورية قال لي اتصرف فقمت باستطلاع الموقف ووجدت العدو فعلا يقوم بإنزال ذخيرته فاعطيت الأمر بضبط المدفع على الهدف بإحدي القنابل المضيئة شديدة الانفجار فاخترقت طريقها.
وأحرقت ذخيرة للعدو ووجدنا عربات الإسعاف تهرول إلى مكان الانفجار الذي أسفر عن وقوع 35 جريحا وقتيلا، وكانت هذه العملية من أهم العمليات انتقاما لشهداء مدرسة بحر البقر سواء الأطفال أو لزملائي، وقام وقتها اللواء عبد المنعم خليل بإرسال جواب شكر لي وللكتيبة على هذه العملية ، وصرف مرتب شهر لنا كمكافأة، بعدها كان التدريب قاسيا وعنيفا حتى نتمكن من كسب المعركة لصالحنا.
*شاركت في حرب أكتوبر حدثنا عن العملية التي كنت مكلفا بها عند العبور؟
في جميع حروبنا مع الإسرائيليين كانوا أكثر منا عددا وعتادا، ورغم ذلك ربنا كان معنا في الأول وفي الآخر، ويوم 5 أكتوبر الساعة 12 بالليل جاءني قائد الكتيبة وقال لي جئت لك بقوارب العبور للمشروع التكتيكي، ووجدت هذه المرة القوارب 22 بدلا من 9 فقط وأعطاني مذكرة وقالي اظبط ساعتك على الساعة 8 صباحا، فشعرت أن هناك شيئا قادما والساعة 12 ظهرا يوم 6 جاءني الأمر بالعبور الساعة 2 وخمس دقائق.
و مهمتي كانت عبور القناة قبل عبور القوات بربع ساعة، يعني أول موجة من العبور للدخول 7 كيلو متر داخل سيناء لتعطيل القوات الإسرائيلية، ومنع الدبابات من التعرض للقوات العابرة، قمنا بتجهيز القوارب وكنت وقتها قائدهم وبرتبة رائد وكانت قوة سريتي 22 قاربا بها 315 جنديا وضابطا، وعندما وصلنا للضفة الشرقية وجدنا الساتر الترابي مرتفعا، ولم نكن نحمل سلالم الحبال بسبب إننا كنا نحمل ذخيرة كبيرة.
وكان السؤال كيف يصعد الجنود وكل واحد منهم يحمل 60-70 كيلو على ظهره، وقلت لنفسي بعد 6 سنوات انتظار الثأر هنرجع تاني، فصعدت أعلي الساتر الترابي وكان معي علم مصر فرفعته على الساتر الترابي وقلت الله أكبر الله أكبر وفي ذلك الوقت وجدت 314 جنديا وضابطا الذين معى يصعدون الساتر الترابي جريا غير مبالين بارتفاعه، وتقدمنا حتى وصلنا لـ 7 كم وكان واضع الخطة قائد بارع هو اللواء فؤاد عزيز غالي الذي كان يشد من أذري، وأنا أكلف بالخطة وظللنا نحارب الدبابات الإسرائيلية وضربنا نصفها وبدلا من تعطيلها ساعتين ظللنا نحاربهم 5 ساعات.
وأثناء القتال فوجئت من خلفي بـ3 دبابات و3 عربات مدرعة وقائد القوة الإسرائيلي معه ميكروفون يقول فيه القائد المصري يسلم نفسه، فطلبت الدعم فضرب عربية منهم ولعت، وجاء عسكري من عساكري اسمه أحمد همام وهو ولد على 4 بنات، ورغم ذلك تطوع للحرب، وكان يقول نفسي أموت شهيد يا فندم فمسك الرشاش وصوبه ناحيه القوة الإسرائيلية فجاءته طلقه فسفورية أصابت الجاكت وطلعت بالدم، ورغم ذلك ضرب 100 طلقة من رشاشه قتلت 8 عساكر، كانوا قادمين لأسرنا واستشهد بعدها، ثم قامت دبابة بضرب مركز العمليات الخاص بى فأصبت بشظية في رأسي واحترقت يداي وجايه عليه عشان تدوسني وقبل 20 متر ضربها أحد رجالي بصاروخ.
ووجدت الميجور قائدها اللى كان ناوي يدوسني وقع بجواري محترقا فانفعلت عليه وقعدت ازعق انتوا جايين أرضي وبتضربوني ليه ثم جاء شاويش الخدمات الطبية يحاول إخلائي ولكنني رفضت واعطاني رباطا لرأسي وشاهدني أحد الجنود يدعي سعيد محروس وقال مين اللى ماشي ده حضرة القائد أسامة وظل يزعق بأعلي صوته حتى سمع كل زملائه مما جعلني أنسي الإصابة وأكمل القتال.
وجاءت قوة إسرائيلية أخرى الساعة 9 مساء، ودخلنا معهم معركة أخرى، والحمد لله تعاملنا معهم بالتعاون مع اللواء مدرع 112 بعدها تم اخلائي وعودتي إلى المستشفي، وبعد الحرب تم منحي نوط الجمهورية من الدرجة الأولى ونوط جرحي الحرب من الرئيس السادات ولي أكثر من 20 مؤلفا عن أدب الحرب أهمها: رواية الناس والحرب - عابد المصري - رحلة الألف يوم.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"