الحزن المزدوج في زمن كورونا!
كثيرة هى الأحزان التي داهمتنا في زمن كورونا ففي الوقت الذي ننتظر فيه تلقي نبأ وفاة أحد المقربين على خلفية الإصابة بالفيروس اللعين وفي أي لحظة، جاءنا يوم الخميس الماضي وعند لحظة الإفطار نبآن حزينان.
الأول هو وفاة مناضل قومي عروبي ناصري كبير ظل طوال حياته قابضا على الجمر مدافعا عن قضايا الوطن والأمة بصلابة وعزيمة لا تلين، والثاني نبأ يتكرر تقريبا سنويا ومنذ العام 2012 ضد أحد كمائن الجيش المصري في بئر العبد بشمال سيناء.
حيث استشهد عشرة من خيرة أجناد الأرض (ضابط وصف ضابط وثمانية جنود) حيث تحولت سيناء خلال السنوات الأخيرة لساحة قتال استهدفتها الجماعة الإرهابية ووقف الجيش المصري يتصدى لها ببسالة وشجاعة نادرة، وقدم في هذه الحرب المفتوحة مع الإرهاب فلذات أكباد أبنائنا الذين سطروا ملاحم بطولية جعلت الجماعة الإرهابية تفقد صوابها وتستمر في الدفع بمزيد من الإرهابيين في مواجهة أبطال جيشنا العظيم.
اقرأ أيضا: المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال في زمن كورونا!
وحكاية الإرهاب داخل مجتمعاتنا قديمة ففى مطلع القرن العشرين وفي الوقت الذى كانت فيه بريطانيا هى القوى الاستعمارية الأكبر في العالم وتسيطر وتهيمن على منطقتنا، قامت بدراسة تاريخنا بعمق ودقة وتوصلت إلى أنه لابد من خلق تنظيم وزراعته داخل جسد الأمة يرفع شعار الوصاية على الإسلام، ويمكن استخدامه لاحقا في الصراع على السلطة وممارسة العنف والإرهاب.
وبالفعل تمكنت المخابرات البريطانية من تجنيد الفتى حسن البنا مدرس اللغة العربية للمرحلة الابتدائية في إحدى مدارس مدينة الإسماعيلية، وساعدته في بناء أول مسجد للجماعة بالمدينة عبر خمسمائة جنيه قدمت له كتبرع من مدير شركة قناة السويس، وانطلقت دعوته تحت سمع وبصر ودعم الإدارة البريطانية الحاكمة لمصر في نهاية العشرينيات من القرن العشرين..
وبالفعل نجحت بريطانيا فيما هدفت إليه حيث نمت الجماعة بشكل كبير واكتسبت أرضية حقيقية على كامل الجغرافيا المصرية، حيث كانت البيئة الحاضنة جاهزة فقرا وجهلا ومرضا، وتدين شعبي فطري، وهو ما جعل التنظيم ينجح في جذب أعضائه ومؤيديه عبر خطابه الدينى المدغدغ للمشاعر من ناحية والخدمات التي يقدمها للفقراء والكادحين من ناحية أخرى.
اقرأ أيضا: القوميون العرب يواجهون الإرهاب !
وعندما جاءت اللحظة المناسبة وكانت الحركة الوطنية في الأربعينيات تطالب بجلاء المحتل البريطاني كانت الجماعة قد بدأت في لعب الدور السياسي والصراع على السلطة، وكانت في ذات الوقت قد تمكنت من تكوين ميلشيا مسلحة من بين أعضائها لاستخدامها في العنف والإرهاب والتصفيات الجسدية لخصومها السياسيين، وكان من أبرز ضحايا الجماعة محمود فهمي النقراشي رئيس وزراء مصر، وهو ما جعل الملك فاروق يرد بقوة ويقوم بقتل حسن البنا نفسه.
ثم جاءت ثورة 23 يوليو 1952 وحاولت الجماعة أن تتصدر المشهد السياسي وتسرق السلطة من الثوار لكنها فشلت فقامت بمحاولة اغتيال قائد الثورة جمال عبد الناصر، وكان رد الفعل الطبيعى هو حملة واسعة من الاعتقالات لقيادات الجماعة، وفي نفس الوقت مشروع تنموى حقيقي للقضاء على الفقر والجهل والمرض وبذلك تمكن من محاصرة مشروع الجماعة وخنقها بجعل البيئة الحاضنة مؤيدة للثورة ورافضة لكل من يحاول المساس بها.
وانقضت هذه المرحلة سريعا وجاء الرئيس السادات وكانت أول قراراته هو المصالحة مع هذا التنظيم الإرهابي في نفس الوقت الذي تخلى فيه عن المشروع التنموى الذي قضى على كثير من معالم البيئة الحاضنة المليئة بالفقر والجهل والمرض، فعادت البيئة الحاضنة أكثر من ذى قبل وأصبحت مستعدة لاستقبال الأفكار والمساعدات التي تقدمها لها الجماعة..
وكانت الجماعة خلال مرحلة المحاصرة قد هاجر عدد كبير من أعضائها الى دول البترودولار وكونوا ثروات كبيرة أحضروها لاستثمارها في بيئة الانفتاح الجديدة، وخلال سنوات السبعينيات فرضت الجماعة هيمنتها على كامل الجغرافيا المصرية وفرخت العديد من الجماعات الفرعية التى مارست العنف والإرهاب داخل المجتمع وكانت أبرز أعمالها هى قتل الرئيس السادات ذاته.
وجاء الرئيس مبارك وصار على نفس نهج السادات مع تعديل بسيط في التكنيكات، فاستمرت الصفقات السياسية بينه وبين الجماعة، وفي تلك الأثناء تمكنت الجماعة من فرض نفوذها داخل المجتمع المصرى وكسب المزيد من المؤيدين والمتعاطفين عبر الخدمات التي تقدمها الجماعة للفقراء والكادحين في الوقت الذى تخلت فيه دولة مبارك عن مسؤوليتها تجاه مواطنيها..
اقرأ أيضا: الحرب الباردة تتحول لنيران ستحرق العالم!
وعندما انطلقت شرارة الأحداث في 25 يناير 2011 كانت البيئة الحاضنة جاهزة لصعود الجماعة لأول مرة إلى سدة الحكم، واكتشفنا في لحظة واحدة كيف تمكن هؤلاء الإرهابيون من التغلغل وبناء النفوذ داخل بنية المجتمع المصري، ثم كانت المواجهة الحاسمة بواسطة الشعب والجيش للإطاحة بالجماعة من سدة الحكم في 30 يونيو 2013.
هذه هى الحكاية أما ما يؤرق الجماعة الإرهابية هو صلابة موقف الدولة في مواجهاتها واستمرار عملية البناء والتعمير والتنمية غير المسبوقة في سيناء، لذلك ما زالت تمارس العنف والإرهاب ضد الجيش والشعب وآخرها حادث الخميس الماضي في بئر العبد والتي طالبنا فيها ضرورة وسرعة الثأر وقد كان حيث جاءنا خبر القضاء على عدد ضخم منهم بعد ثلاثة أيام فقط وفي ليلة العاشر من رمضان ذكرى انتصار جيشنا العظيم على العدو الصهيوني في حرب أكتوبر 1973.
لكن وعلى الرغم من ذلك لا يمكن أن يبدد الحزن على شهدائنا الأبرار لكنه يخفف كثيرا منه، فعزاؤنا أن شهداءنا في الجنة وزملاءهم الأبطال يواصلون مسيرتهم، وكذلك المناضلون بالكلمة هم أيضا في الجنة ويواصل رفاقهم مسيرة نضالهم، وهو ما يجعلني أردد الحزن مزدوجا في زمن كورونا، اللهم بلغت اللهم فاشهد.