رئيس التحرير
عصام كامل

الخبير الاقتصادي محسن عادل : "كورونا" فضح هشاشة الاقتصاد في العالم.. التحركات السريعة للاستفادة من الفرص الواعدة في إفريقيا ضرورة | حوار

محسن عادل
محسن عادل

قال محسن عادل، الخبير الاقتصادي، نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار: إن فيروس كورونا فضح هشاشة النظم الاقتصادية في العالم، مشيرا إلى أن عصر ما بعد كورونا سيختلف تماما عما قبله.

 

الاقتصاد العالمي 

وأوضح "عادل" أن الاقتصاد العالمي بات يعاني بشدة من انتشار الفيروس القاتل، الذي وصل إلى غالبية دول العالم، وطالب باتخاذ عدد من الإجراءات الاقتصادية والاستراتيجيات للعبور من هذه الأزمة.. وإلى نص الحوار 

ما تأثيرات فيروس كورونا على الاقتصاد المصري؟ وما أبرز القطاعات المتأثرة به؟ 

فيروس كورونا فاق بتأثيراته الاقتصادية ما خلفه فيروس سارس في 2002، والقطاعات المتأثرة هي السياحة والنقل والبورصات، وأسواق السلع لا سيما الفاخرة منها، وتقرير غرفة التجارة الأوروبية الذي نشر مؤخرا يقول إن ما يحدث سيؤدي إلى إعادة النظر بطريقة إجراء الأعمال مستقبلًا، حيث إن فيروس كورونا كشف هشاشة العديد من الشركات الدولية "المعولمة" أمام اضطرابات سلاسل إمدادات التجارة الدولية.

لذا فإن كثيرا من الشركات ستعمل في المستقبل على المزيد من التنويع والتموضع في الصين وخارجها. 

هل أثر فيروس كورونا على العولمة والشركات الدولية؟

النظرة إلى العولمة ستختلف، أو ستتغير ممارساتها، حيث إثر فيروس كورونا بالسلب على هذا النظام، وتفشي الفيروس الذي طال أمده سيؤثر بالنهاية في سلاسل القيمة العالمية، والأسواق المالية، وتدفق رأس المال، ومستويات الأسعار، ما يؤثر أيضا في كل من الشركات والأسر، والتحوّل الاقتصادي ككل.

أما الأوضاع الحالية فستؤدي لإعادة هيكلة خريطة سلاسل الإمداد العالمية والتي كانت ترتكز بشكل أساسي في الصين معتمدة في ذلك على التكنولوجيا الأمريكية، وبالتالي من الممكن أن تستغل مصر موقعها الإستراتيجي وخاصة منطقة محور قناة السويس لجذب العديد من الشركات الصينية وكذا العالمية التي تبحث عن موقع جديد لتوطين استثماراتها وخطوط إنتاجها، يكون أكثر أمانا لتفادي العقوبات الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة على الصين مما يستدعي الترويج لاستخدام السوق المصرية كمحطة لإنتاج وتصدير المنتجات البريطانية بالأسواق الإقليمية والعالمية. 

كيف تتجاوز مصر أزمة كورونا في ظل حالة الركود العالمي؟

تتطلع الشركات البريطانية إلى استغلال إمكانيات وموارد مصر للتوسع والاستثمار داخل القارة الأفريقية والشرق الأوسط، ويجب التركيز حاليا على أسواق دول غرب أفريقيا، للاستفادة من الفرص التصديرية الضخمة المتاحة بأسواق هذه الدول، مع تحديد الفرص الاستثمارية في القطاعات المستهدفة واستهداف الشركات العاملة في تلك القطاعات، ودعوتها للاستثمار في مصر من خلال تنظيم حملات ترويجية.

ما مدى تأثر الشركات بأزمة كورونا؟ وما الذي يجب على الدولة القيام به لدعمها؟

يجب البدء في وضع برنامج متكامل لمراجعة التكاليف التي تتعرض لها الشركات بدءا من مرحلة التاسيس وحتى مرحلة التشغيل بصورة تعكس عنصر المنافسة على مستوى قطاعات الاستثمار بانواعها إلى جانب زيادة الدور الذي تلعبه السياسات الحكومية في عملية تشجيع الاستثمار.

كما أن عملية المراجعة يجب أن تشمل ثلاثة مراحل، الأولى تتعلق بتكاليف التاسيس والتراخيص بانواعها سواء المصروفات الإدارية أو تلك المرتبطة بتكلفة الحصول على الأرض والمرافق وغيرها من التكاليف عند بدء النشاط، والمرحلة الثانية ترتبط بفترة التشغيل وتتضمن هنا عوامل مثل تكلفة الطاقة والضرائب والتأمينات الاجتماعية والرسوم الإدارية التنظيمية وتكلفة النقل والمواد الخام ونقص سلاسل الأعمال، بالإضافة إلى الرسوم الجمركية والاعباء الإدارية وتكاليف تأخير الإجراءات الحكومية بما يضم تحقيق وفر في التكاليف التي يتحملها المستثمر دون تحقيق غبن في تحصيل مستحقات الدولة.

والمرحلة الثالثة هي مقارنة متوسطات التكاليف بالمتوسطات السائدة في المنطقة بالمقارنة مع المتوسطات الخاصة بالعوائد أيضا محليا ومع الدول المنافسة لابراز عنصر التنافسية الحقيقي للاستثمار في مصر،علما بأن هذه التكاليف يجب أن تتضمن أيضا مراجعة شاملة لتكاليف التمويل سواء المصرفي أو غير المصرفي على عملية الاستثمار. 

ما دور البنك المركزي في هذه الأزمة؟

يجب على البنك المركزي المصري القيام بتدشين حملة مكثفة لبرنامج لتقديم تمويل منخفض التكلفة بالنسبة لشراء الآلات والمعدات الرأسمالية مع توسيع قاعدة البرنامج ليشمل تطوير وتحديث الطاقات الإنتاجية الحالية وتطويرها، وشدد على أهمية إعادة النظر في القيود المفروضة على مساهمة البنوك في رءوس الشركات الجديدة وهو ما يحد من تنويع العملية التمويلية.

كيف يمكن التغلب على مشكلات الميزان التجاري وارتفاع حجم الصادرات؟

يجب الأخذ في الاعتبار أن نمو الصادرات مؤخرًا أثبت اعتماديته على مدخلات مستوردة، ما أدى إلى استمرار الفجوة لصالح الواردات، وهو وضع بالمناسبة ليس خاصًّا بمصر، بل يشمل الكثير من البلدان النامية التي تعتمد في إنتاجها للأسواق المحلية أو التصديرية على استيراد مدخلات من الخارج، ما يجعل إستراتيجية تنمية الصادرات في حد ذاتها، ودون أن تكون جزءًا من إستراتيجية تصنيعية أكبر وأشمل، بعيدة عن أن تكون حلًّا لمشكلات ميزان التجارة. 

كيف يمكن حل الأزمة من خلال القطاع الصناعي؟ 

الحل على المدى المتوسط إلى البعيد يكمن في صياغة وتطبيق إستراتيجية لتصنيع السلع الوسيطة محليًّا، وبالتالي الاعتماد على استيراد الخامات فحسب وتصنيعها محليًّا، والخامات بالطبع أقل تكلفة، ومن شأن نجاح مثل هذه الإستراتيجية في السنوات العشر القادمة تنمية قطاع الصناعة، وخلق فرص عمل.

وإتاحة فرص للنمو لدى القاعدة العريضة من المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن تعمل في مجال تغذية الصناعات النهائية، وفي الوقت نفسه تقلل من حجم الاعتماد على الواردات. 

هل مصر تحتاج إلى تطبيق إستراتيجية تصنيع؟

أي إستراتيجية ينبغي أن تكون شاملة لجوانب التمويل وإتاحة التكنولوجيا وبناء المهارات أي صياغة وتطبيق إستراتيجية تصنيع، ولا يمكن لهذا أن يتحقق دون دراسة الأدوات المتاحة للدولة، والتي تشتمل على شق سياسات كإجراءات الدعم والتحفيز والاستثمارات العامة في مجالات التدريب المهني والتعليم الصناعي.

وفي شق الترتيبات المؤسسية للشراكة بين الدولة والمنتجين في وقت لم تعد فيه الدولة تضطلع بالقسم الأكبر من الإنتاج والتوزيع المباشرين للسلع والخدمات، كما يجب النظر إلى حالات نجح فيها "تعميق الصناعة" من خلال إيجاد شبكات من الصناعات المغذية المرتبطة بصناعات نهائية كما هو الحال في تايوان أو في كوريا الجنوبية أو في الصين، وكلها من الحالات الفذة في مجال التطوير الصناعي. 

ما دور الاستثمار في حل الأزمة؟

يجب أن تعمل الدولة على تحفيز الاستثمار الداخلي مع الأجنبي في ظل عدم وضوح الرؤية بالنسبة لحركة التجارة العالمية، كما يجب التركيز على الصناعات التي يتم استهلاك مخرجاتها داخليا مع عدم إغفال الصناعات التصديرية حتى لا يتأثر الميزان التجاري وسعر صرف الجنيه المصري، خاصة إذا ما وضعنا في اعتبارنا أن حدوث أزمة اقتصادية من الممكن جدا أن يؤثر على استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية وهو ما قد يؤدي إلى العودة إلى نفس الأزمة السابقة إذا لم يتم تحفيز الإنتاج عموما وخاصة الاستثمار الرأسمالي.

لهذا فإن العام الجاري يستلزم وبقوة تنفيذ مبادرات متكاملة لتنشيط قطاع الصناعة في مصر كمحرك أساسي للنمو الاقتصادي.

هل الإصلاحات الاقتصادية مازالت قادرة على حل أزمات القطاع؟

الاصلاحات الاقتصادية تكشف أنه ينبغي على مصر تعزيز محركات نمو اقتصادي جديدة وتكثيف الإصلاحات الاقتصادية مع التاكيد على أن مصر لديها هامش مناورة كبير لمواصلة آلية النهوض الاقتصادي "فالمحركات القديمة للنمو تتاثر" لهذا تبرز أهمية تعزيز الابتكار وتشجيع التكنولوجيات الجديدة – ولا سيما لتطوير الاقتصاد الرقمي وهو في خضم نموه حاليا مع ضرورة إلغاء العقبات التي لا تزال موجودة في الاقتصاد وتخفيف العقبات أمام المنافسة في السوق مع الاهتمام بتقديم دعم أكبر للشركات الصغيرة والمتوسطه وتدعيم سلاسل القيمة بصورة أكبر وتقديم محفزات لها.

وما دور السياحة بعد العبور من الأزمة ؟

الموقف الاقتصادي المصري يحتاج إلى مراجعة بعض النقاط الجوهرية مثل اتباع سياسات تحفيزية لعدد من القطاعات الاقتصادية والسعي لإستراتيجية توسعية لتنمية الصادرات والحد من تنامي الواردات مع السعي لزيادة معدلات اجتذاب الاستثمارات والاستمرار في تنشيط السياحة مع إجراء تعديل جوهري في سياسات الاقراض المصرفي ووضع الية لإنهاء التعثر خاصة في المصانع ذات الاصول الإنتاجية.

الجريدة الرسمية