"الاختيار".. والحرب على الإرهاب
الحرب على الإرهاب مهمة شاملة.. يجب أن يشارك فيها كل المصريين المحبين لوطنهم حقًّا.. المؤمنين بأن الدين لله والوطن للجميع.. والذين يوقنون بأن كل الأديان السماوية تدعو إلى الحب والرحمة والتسامح والعذر.. لا الذبح والحرق والقتل والعنف والتكفير.
تحتاج الحرب على الإرهاب، بالإضافة إلى القوة والشدة، إلى المواجهة بالفكر والثقافة والقوة الناعمة.. كما تحتاج إلى جهود الهيئة الدينية، ورجال الدين المستنيرين، المثقفين.. لتحصين الأوطان ضد محاولات الاختراق؛ ذلك أنه كثيرًا ما يتسرب الشك إلى نفوس بعض المواطنين الذين قد يقعون فريسة أمام هؤلاء العصابات الإجرامية الدموية التي تتخذ من الدين الإسلامي ستارًا لجرائمها البشعة، وتتدثر، دوامًا، بعباءة الحنيفية، والتي هي منهم براء.
اقرأ أيضًا: متسول لكل مواطن
وفي مساعيهم الجنونية تلك يستخدمون بعض الأحاديث الموضوعة، والقصص التي تخدم مخططهم الجنوني والإجرامي.. وكثيرًا ما يصدقها ويقتنع بها الجهلاء، وضعاف النفوس، فضلًا عن المرضى النفسيين، وأصحاب العقول المشوشة.
الغريب أن أحدًا لم يكن يتخيل حجم الضيق والجنون الذي ضرب عقول الإرهابيين، وأعضاء الجماعات التكفيرية، من إذاعة مسلسل "الاختيار" الذي يجسد بطولات الجيش المصري في الحرب على الإرهاب في شمال سيناء خاصة.. فأخذوا يخبطون خبط عشواء.. فأصابوا عددًا من الضباط والجنود.. وردت عليهم قواتنا الباسلة بقوة وأرسلت العشرات منهم إلى جهنم وبئس المصير، فضلًا عن تدمير آلياتهم.
يذكرني الأثر الكبير الذي حققه هذا المسلسل بالأثر البالغ الذي حفره مسلسل "ممالك النار" لدى مجانين تركيا.. الذين أقنعوا شعوبنا لمئات السنين بأنهم حملة لواء الإسلام والخلافة الإسلامية، حتى صار هناك من يتمنون عودة الإمبراطورية التركية.. فقد كان الأتراك مهرة في تجميل وجههم القبيح، وإخفاء الجرائم والمذابح التي ارتكبوها في الدول التي استمرت ترزح تحت نيرهم فترات طويلة.
بطولات الشهيد المنسي وزملائه طيرت عقول السفاحين، فأرادوا أن يثبتوا أنهم لم ينهزموا وأنهم ما زالوا موجودين على الأرض، وقادرين على توجيه ضربات موجعة، ولكن هيهات فقد كبدهم رجالنا خسائر فادحة.
"الاختيار" يعتبر العمل الوحيد الذي عرض بوضوح البطولات وفي المقبل الجرائم الخسيسة للجماعات الدموية.. والنجاح العريض الذي حققه بداية من الحلقات الأولى يفرض على صانعي الدراما المصرية تكرار التجربة الرائعة.. فالدراما التليفزيونية شديدة التأثير ربما أكثر من السينما.
اقرأ أيضًا: مرة واحد صعيدي...!!
كتبت الصحف كثيرًا عن الإرهاب والجرائم التي ارتكبها الإرهابيون، وبثت القنوات عشرات التقارير، واستضافت برامج "التوك شو" العديد من الخبراء وشهود العيان لتحليل ورواية تفاصيل التفجيرات والمذابح والحرائق.. ولم تحقق معشار ما حققه "الاختيار".
العمل القادم يجب أن تشارك فيه المؤسسات الدينية، والثقافية، من بدايته إلى نهايته؛ لضمان خروجه قويًّا، خاصة في مشاهد الحوار والإقناع بالحجة، والتي ربما كانت نقطة الضعف الوحيدة في المسلسل الذي يحكي قصة بطولات المنسي، رحمه الله، ورفاقه..