هيلين كيلر.. أعجوبة الزمان
وصف البعض الصماء البكماء العمياء هيلين كيلر بـ«أعجوبة الزمان» و«المعاقة التي هزمت العوائق» و«معجزة الدهر التي اعتبرت من عجائب الدنيا في زمانها ولا تزال».
تخطت هيلين كل الحواجز والعوائق بفضل عزمها ومثابرتها وجدها الدائب المتواصل والمتنامي في الكفاح، فلم تتوان طيلة حياتها المديدة.. عن المثابرة والتطور والارتقاء، والسعي الدؤوب إلى الخروج من غياهب ظلمات الرؤية والعزل السماعي والعجز التخاطبي.
ولكن هذا الإطراء سوف يكون حتما ناقصا لو أغفلنا الأدوار المهمة والفاعلة والمؤثرة لمعلمتها آن سوليفان ولأبوي هيلين.. فهؤلاء لعبوا أدوارا بطولية في تحقيق المعجزة.
فقد كان هذا الثالوث ..المعلمة ووالدا هيلين.. متماسك الجوانب في شكل صلد، وفي تركيبة قوية، ومضمون ثابت، أسهمت جوانبه الثلاثة في تخليق شخصية وعظمة هيلين كيلر، لتصبح إحدى عجائب الوجود، وإن كانت المعلمة سوليفان.. هي صاحبة الفضل الأكبر في ذلك، فهي التي رافقت هيلين في مراحل عمرها الحساسة.. من طفلة مشاكسة وشبه منغلقة، إلى يافعة متعلمة، إلى شابة مثقفة، إلى سيدة ناضجة موفورة العطاء.. لتصبح هيلين.. رمز الأمل وقدوة لا مثيل لها، ليس فقط للمعاقين، بل ونبراسا لعموم الأسوياء، وغير الأسوياء.. في البشرية جمعاء.
وكان من العجيب حقا.. أن تلك الفتاة العمياء الصماء البكماء.. دأبت على تحسس الحياة بمختلف مناحيها وأبعادها.. لمسا وسماعا وتذوقا وتعايشا كاملا.. أكثر بكثير مما يتحقق عند كثير من الأسوياء، الذين لا يعانون إعاقة واحدة، من إعاقات هيلين كيلر.
بالرغم من الصعوبات الجمة في تعلم أي شيء في حياة هيلين.. إلا أن والديها لم يكتفيا بما يسمى «محو الأمية» وتعليم القراءة والكتابة، بل واصلا الاهتمام الحثيث والتوسع العميق بكل شيء يمكن أن تدرسه ابنتهما، حتى إن هيلين درست مختلف المواد بما في ذلك أدب شكسبير وغيره، بل والفنون الجميلة مثل: الموسيقى دراسة وحضورا واستماعا واستمتاعا، وتمكنت هيلين في المرحلة الجامعية من الغوص في بحور «الإلياذة» وقصة «تردي» الإغريقيتين.
تقول هيلين: قرأت أول قصة متكاملة في مايو 1887، فيما كنت في السابعة عشرة من عمري.. ومنذ ذلك الحين وحتى الآن-أى عام 1902- قمت بالتهام كل شيء في شكله المكتوب، وصل إلى متناول يدي، وإلى ملمس أصابعي .
ألقت هيلين كيلر المحاضرات في بلادها وخارجها، وزارت مصر في أواسط القرن العشرين، والتقت بعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.. رفيقها في مكافحة إعاقة البصر - وفي النبوغ، كما وصفت هيلين كيلر.. قصة حياتها في كتاب، من 23 فصلا، و152 صفحة بعنوان «قصة حياتي» في عام 1902، كشفت في صفحاته عن جانب من قصة كفاحها ونبوغها، وترجم الكتاب إلى العديد من اللغات، وأعيد طبعه مرات عدة، لأهميته.. ونكمل غدا.