رئيس التحرير
عصام كامل

أخطاء تيار الإسلام السياسي تفاقم أزمة كورونا.. أردوغان تأخر في قرار إغلاق المساجد.. والطب البديل وضع إيران في مأزق

أردوغان
أردوغان

بعد كل أزمة كبرى تصبح هناك حتمية تاريخية تجبر الواقع على التغيير والانصياع للمعالم الجديدة وهو ما تفعله حاليًا الأزمة ‏الحالية التي يتنبأ كثير من الباحثين بصعود قوى دولية جديدة، وتغيير جذري في بنية الصراع العالمي، بجانب تغيير الكثير ‏من المفاهيم، تجاه الظواهر التي تشكل خطرًا داهما على البشرية، ومنها الإسلام السياسي، والتيارات الدينية المتطرفة، التي ستخضع ‏لعمليات إعادة هندسة ما بعد زوال الأزمة.

 

الإسلام السياسي

ويبقى السؤال إلى أي درجة تسببت تصرفات الإسلام السياسي في الحكم عليه بعدم الصلاحية، ‏وماذا سيحدث له في المستقبل، وقبل أن نقيم موقف التيارات السياسية غير المنظمة، يمكن النظر إلى كبيرهم الذي علمهم السحر، وأصبح لسان حالهم بعد وصوله إلى ‏الحكم حزب العدالة والتنمية، أو «إخوان تركيا» الذين جلبوا كارثة كبرى للبلاد، بسبب اختراقهم المؤسسة الدينية الرسمية، وما لذلك ‏من تداعيات سلبية، على الحرب في البلاد ضد الوباء القاتل.

 

ويمكن القول إن كل الإجراءات التي اتخذتها هذه المؤسسة، تكشف مدى خطورة الدين المسيس، بداية من دعوتهم لرءوس الإسلاميين ‏والتيارات الدينية، لاجتماع ومناقشة تحديات تركيا لمقاومة الفيروس التاجي الخطير، بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولكن العجيب عدم دعوتهم لأكبر منظمة طبية مهنية في البلاد الجمعية الطبية التركية المعروفة ‏اختصارا باسم "‏TTB‏" وكأن الإسلاميين سيواجهون الكارثة بالدعاء، والتضامن بين أبناء التيارات الدينية.

 

أردوغان

 المجتمعون اتخذوا قرارات كارثية، أولها السماح لآلاف الأتراك بالذهاب إلى مكة المكرمة، وبحلول 15 مارس أصبح الحجاج العائدون ‏البالغ عددهم 12 ألفا أكبر تهديد لانتشار الفيروس في تركيا، حيث تم فحص معظمهم في المطارات، وكان ذلك ضد نصيحة من تجمع ‏الـ "‏TTB‏" وخبراء طبيين آخرين.

 

وبعد عودة الحجاج الأتراك، عرفت البلاد حجم الكارثة، ما يقرب من 7 آلاف شخص، اشتبه الأطباء في إصاباتهم بالفيروس، وطالبوا ب‏إخضاعهم للحجر، وبدلا من احترام قرار الأطباء، استمروا في محاولة إثبات أهمية مشاركة السلطات الدينية في عملية صنع القرار، ‏واتخذوا قرارًا جديدًا بترك الحرية الكاملة لهم في العزل من عدمه.

 

وبالطبع كان قرارهم عدم الدخول في العزل، لينتشر هؤلاء في ‏طول البلاد وعرضها، وفي غضون أسبوع فقط، ارتفع عدد الحالات، من حالة واحدة مؤكدة إلى أكثر من ألف حالة، ولم ترتدع المؤسسة الدينية، ورفضت غلق المساجد، أسوة حتى بجميع البلدان الإسلامية، التي اتخذت قرارات واضحة بمنع التجمعات ‏حفاظا على الأرواح واحتراما لرأي العلماء والمتخصصين.

 

وقرر إخوان تركيا كعادتهم المزايدة على الجميع، وإبقاء المساجد مفتوحة، ‏بما في ذلك صلاة الجمعة التي تجذب نحو 18 مليون شخص كل أسبوع في البلاد، ومع تفشي الفيروس وتسارع وتيرته، وجدت ‏الحكومة نفسها مُجبرة على تعليق صلاة الجمعة قبل نحو أسبوعين فقط، وهو وقت متأخر للغاية، خاصة أنها كانت قد اتخذت قرارًا ‏بإغلاق الأماكن الترفيهية والثقافية بالفعل.

 

وبعد أن تجاوزت تركيا جميع البلدان الأخرى بمعدل زيادة الحالات راهن الإسلاميون على أردوغان، ولم يخلف ظنهم، خرج الرجل يعطي نصائحه في خطاب رسمي، ولم يختلف فيه عن خطاب أي ‏رجل دين أصولي، وبدلا من اتخاذ قرارات قوية، تلاعب بالدين وطالب الشعب باتخاذ الاحتياطات وترك الأمر على الله، وكان ذلك ‏ردًا عجيبًا من المسئول الأول في البلاد، على مطالب الأطباء، وتوصياتهم لمنع انتشار الفيروس، وتطبيق الحظر على التجمعات بما ‏فيها التحمعات الدينية، حتى لا يتسارع نشاطه في الأسابيع المقبلة بسبب تأخر رد الفعل الأولى.

 

سيطرة التيارات الدينية

هيمن الفكر الديني، على الخطاب الرسمي للإعلام التركي، وبالطبع استغل الإخوان والتيارات الدينية الأزمة، لإعطائها خلفيات ‏أخرى، وافتعال مزيد من النفوذ والهيمنة، واتخاذ المزيد من الإجراءات القمعية، وروجت التيارات الدينية رسائل جمعية، تؤكد أن ‏الفيروس جاء للبلاد بسبب "الزنا".

 

ووظف الإخوان الكثير من المنتمين إليهم، من جميع المجالات بما فيهم، بعض الأطباء ‏المتخصصين في علاج الأمراض المعدية، ولكن العقليات المتشبعة بالأصولية والانغلاق، خرجت على شاشة التليفزيون، لتؤكد أن الله ‏خلق هذا الفيروس لإعادة السكان إلى الطريق القويم، وبالطبع طريق الإسلاميين الداعين وسط الأزمة إلى العودة للكتاب والسنة.

 

 

ملء الفجوة

 نجح أردوغان في إعطاء الباع الأكبر للإسلاميين، لملء الفجوة التي خلقتها الحكومة، بسبب تآكل نظام الرعاية الصحية الذي اتضح ‏أنه غير مستعد تمامًا للتحدي الذي يواجهه.

 

كما بات واضحا أن الرئيس المنتمي للإسلام السياسي، وهو الوحيد من أنصاره الذي ‏جلس على سدة الحكم طوال عقدين من الزمان، يعرقل العلم وأصحابه، بما يشكل تهديدا مباشرًا لصحة الأمة، ما جعل الفيروس يفاقم ‏أزمة الحكم في تركيا، ويدفع بالإسلاميين إلى الخلفية، على عكس ما أرادوا، بعدما تزايدات الاعتراضات على هذا الأسلوب.

 

بل ‏واشتعلت الحرب بين عمدة إسطنبول المنتمي إلى المعارضة، الذي كشف خلل الإجراءات التي اتخذتها السلطة لمحاصرة الوباء من ‏البداية، وأثارت انقسامات خطيرة حول مدى شرعية استمرار هذا التطرف في قيادة البلاد.

 

إيران‏

في إيران، لم يكن الإسلام السياسي الشيعي بعيدا عن نفس الإشكاليات الصعبة، بعدما أعطت السلطة دفة الأمر لرجال الدين، الذين ‏أبقوا على الشعائر الدينية، بل ودعوا إليها، وكأنهم أقوى من الفيروس، فكانت النتيجة كارثية، في مدن الحج الشيعي مثل قم ومشهد، ‏واستسلمت السلطة مرغمة بعد تفشي الفيروس.

 

وأغلقت المزارات الروحية في البلاد، وهي المرة الأولى في تاريخ الجمهورية ‏الإسلامية التي اضطرت فيها الحكومة إلى إغلاق المساجد، وإلغاء خطب الجمعة وحظر الحج، خاصة أن الطقوس الدينية، تعتبرها ‏السلطة جزءًا أساسيًا من هويتها السياسية، وتعليقها يعني ضرب النظام السياسي في مقتل.

 

‏الطب البديل

كل وصفات الإسلاميين، التي روجت بكثافة عن الطب البديل، وما يسمى بالعلاجات الإسلامية، التي روجوا لها خلال العقود ‏الماضية فشلت ، ويبدو أن المجتمعات الإسلامية، كانت في حاجة لاختبار قاس مثل فيروس كورونا، لوضع حدود واضحة، بين الإيمان ‏والخرافة اللتين تجمعهما التيارات الدينية لإحكام قبضتها على المجتمعات الإسلامية. ‏

 

كورونا  وضع الإسلاميين في أزمة واضحة، بعد أن أدار الناس ظهورهم لهم، وأعادوا الاعتبار للجيوش البيضاء "الأطباء والعلماء" ‏الذين همشوا كثيرًا، وأصبح الكثير من المسلمين يرون تداعيات الفيروس، فرصة لعمل تحول ثقافي تدريجي للبلدان الإسلامية، ما ‏يمهد الطريق في النهاية لظهور عصر نهضة، لا مكان فيه للخرافة، ولا لأدعيائها، ولا المتاجرين بالدين من كل شكل ولون. ‏

 

مستقبل الإسلاميين 

الدكتورة أزادة زميراد، نائب رئيس قسم البحوث للشرق الأوسط وأفريقيا، بالمعهد الدولي للدراسات الاجتماعية، ترى أن ما بعد ‏الفيروس سيطرح الكثير من التساؤلات ليس فقط عن مستقبل الإسلاميين الذي يبدو مظلمًا تمامًا، ولكنه سيبحث أيضا كيفية تحصين ‏العلاقة بين الدين والدولة، حتى لاينفذوا من هذه الثقوب مرة أخرى.

 

وأوضحت أن الأزمة الحالية، تسببت في تفاقم حالة الانفصام بين التيارات الدينية التي وصلت للحكم فعليا، وبين الشعوب التي ‏يحكمونها، وتسريع حالة الصراع الداخلية بسبب ضغوط الحلول العقلانية التي تعادي منهجها، وبالتالي أصبح مستوى ثقة الجمهور ‏بالسلطات منخفضًا للغاية، وخاصة بعد تفشي الفيروس في دولة مثل تركيا، التي لجأت لعمل حملة قمع واسعة النطاق.

 

وأثبتت أن أي ‏دولة سيحكمها تيار ديني مهما وضع من مساحيق التجميع، سيكون أقل كثيرًا عن مستوى التحديات الكبيرة، وهي القناعة التي ‏وصلت إلى بعض قواعد التيارات الدينية نفسها، على حد قول زميراد، وتؤكد الخبيرة بالمعهد الدولي للدراسات الاجتماعية، أن الأزمة وضعت الإسلاميين في الخلفية.

 

وأعطت الأولوية لمتطلبات العلم، ‏بعدما فقدوا القدرة على انتهاج الطرق العلمية في حل الأزمات، مؤكدة أنه سيظل محفورًا في الأذهان مع كل ضحية جديدة، تحدي ‏القيادات الدينية التركية المؤدلجة، وخلفها كل تيارات الإسلام السياسي المؤيدة لها، لتوصيات الأطباء التي كانت قادرة على تحجيم ‏المرض من البداية، بنفس الدرجة التي سيتذكر بها الكثيرون، تسبب الأضرحة الشيعية، والتي جعلها الإسلام السياسي الشيعي واحة ‏دينية للخلاص من الفيروس، ودعوا للزحف إليها تحديا للعقل والمنطق، فكانت وسيلة لنشر العدوى بشكل خطير لجائحة افترست ‏أرواح الشعب، على حد قولها. ‏  

 

نقلًا عن العدد الورقي...

الجريدة الرسمية