رئيس التحرير
عصام كامل

بعد 7 عقود من الوحدة والقوة والتماسك نهاية زمن الاتحاد الأوروبي.. التشيك تعلن بداية الأزمة.. والتخلي عن إيطاليا الحدث الأهم

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

لم يشهد الاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه أزمة مثل التى يعيشها حاليا حيث كشفت عن هشاشته وعدم قدرته على الصمود في وجه الأحداث الطارئة العنيفة.

 

كورونا

وبحسب محللين أوروبيين ، فإن الاتحاد فشل في أول اختبار تعرض له من وقت نشأته ، بعد تركيز كل دولة على مصالحها الداخلية ، وعدم النظر إلى الجيران الآخرين الذين ربما يكونوا أشد تأثرًا بالأزمة وأشد احتياجا للسند وتقديم يد العون.

حيث شكلت الأزمة تهديدًا صريحًا لتماسك وقوة الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي اتخذت فيه الدول الأوروبية خطوات فردية ارتكزت على المصلحة الفردية دون مصلحة الجمع الأوروبي بما رفع الغطاء عن شكوك واقعية تتعلق بمدى إمكانية تماسكه في المستقبل خاصة وأن عددا من الدول الأوروبية وصفت مواجهتها مع الفيروس بأنها «حالة حرب» ولا يمكن التعامل معها إلا بالحشد الداخلي والانغلاق التام.

الأزمة

بوادر الأزمة ظهرت مع تحرك غامض من جانب دولة التشيك التي صادرت شحنة مساعدات طبية وأقنعة واقية في طريقها من الصين إلى إيطاليا ، الأمر الذي تسبب في صدمة لإيطاليا التي لم تتلق العون من جيرانها بل من الصين.

ورغم ذلك جرت محاولات لوقف ذلك العون إلا أن الحكومة التشيكية حاولت تدارك الأمر بالتعليق أن الأمر حدث عن طريق الخطأ ، وأطلقت تعهدًا بإعادة الشحنة لإيطاليا في أقرب وقت ممكن ، وقالت إن الواقعة جاءت خلال ملاحقة عدد من المتاجرين بالمعدات الطبية ، لكن الأمر أدى لإشعال غضب الإيطاليين ، وظهر المئات منهم في مقاطع فيديو يحرقون علم الاتحاد الأوروبي ، وردد العديد منهم مقولة «نحن سننقذ أنفسنا» على أنغام النشيد الوطني الإيطالي ، بالإضافة إلى قيام السياسي الإيطالى فابيو رامبيلى برفع علم الاتحاد الأوروبي من مكتبه واستبدله بعلم بلاده.

وظهر آخرون خلال استبدال علم الاتحاد الأوروبي وبدورها علقت صحيفة «فاتو كوتيديانو» على الأزمة تحت عنوان «كونتي يقول لأوروبا ميتة أن تذهب إلى الجحيم».

أوروبا القبيحة

في حين قالت صحيفة «لا ريبوبليكا» والمعروفة بتأييدها للاتحاد الأوروبي: «أوروبا قبيحة» ، من ناحية أخرى وجه رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا انتقادات لاذعة للحكومة الهولندية ووصف تصرفاتها بـ«التفاهة المتكررة» بسبب دفاعها عن تقليص ميزانية الاتحاد الأوروبي ، وساهم عمق الأزمة التي لم يسبق لها مثيل خلال المائة عام الأخيرة في فشل العديد من الدول مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا من التعامل معها.

وأصبح من الصعوبة أن تقدم دولة تعاني من الأزمة ، الدعم لدولة أخرى ، بما وضع الاتحاد الأوروبي في مأزق العجز عن تلبية طلبات الدول الأعضاء والتي تعد أكثر تضررا، على اعتبار أن الأزمة أكبر من حجم قدرة الاتحاد التقنية والاقتصادية إلى جانب النقص الحاد في المستوى الصحي لكبرى الدول الأوروبية الذي لم يسهم في الوصول لتوافق فيما يتعلق بآلية التعاون أو وضع إستراتيجية جماعية للمواجهة.

الوجود الروسي

ومن ضمن الدلائل على التصدع الكبير فيما بين دول الاتحاد الأوروبي ، ظهور مدرعات وسيارات روسية تسير في شوارع إيطالية حاملة المساعدات الطبية والأطقم ، بالإضافة إلى وصول عدد لا بأس به من الأطباء الكوبيين إلى إيطاليا لمساعدتها في محنتها ، في الوقت الذي أسقط فيه أحد الإيطاليين علم الاتحاد الأوروبي ورفع العلم الصيني مكانه ، وقبل أيام ، كشفت مصادر دبلوماسية عن تحذير شديد اللهجة أطلقه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزعماء الاتحاد الأوروبي ، جاء فيه أن الأزمة الأخيرة ، سينتج عنه بالطبع تهديد للدعائم الرئيسية التي يستند إليها الاتحاد الأوروبي وأن «المشروع الأوروبي في خطر»، ولكن نفس المصادر استبعدت انهيار الاتحاد الأوروبي وأنه سيكون على الاتحاد التعاون بعد الأزمة بشكل أكثر نجاحا وفعالية مع وضع خطة أو إستراتيجية دقيقة للتعامل مع الأزمات والكوارث فيما بعد وأن دول الاتحاد الأوروبي ترى أن الوحدة أفضل كثيرًا من الانقسام، وأظهرت وثائق مسربة من الاتحاد الأوروبي ، أن الحكومات الأعضاء ، وجهت رسالة لرئاسة الاتحاد، جاهزة للمواجهة ، وأنه لا يوجد ما يستدعي توجيه طلب بالحصول على مزيد من الإمدادات، قبل شهر واحد من تحول الفيروس إلى جائحة سيطرت على معظم الدول الأوروبية ، وكانت المفوضية الأوروبية قبل ذلك ببضعة أسابيع ، أكدت أن الاحتياجات في الدول الأعضاء تزيد عشر مرات على ما هو متاح في العادة ، بما يوضح أن بعض الحكومات الأوروبية أخطأت في تصورها للأزمة من البداية ، ولم تعد نفسها بالشكل الكافي للمواجهة.

من جانبه، قال السفير رخا أحمد حسن ، مساعد وزير الخارجية الأسبق: إن الأزمة الأخيرة كشفت عن أوجه قصور عديدة في منظومة العلاج في كل دول الاتحاد الأوروبي ولو بدرجات متفاوتة خاصة في مجال الأبحاث الطبية في البكتيريا والميكروبات والفيروسات ، وكذلك في بعض صناعة المعدات الطبية والتعقيم.

وأضاف مساعد وزير الخارجية الأسبق خلال حديثه لـ«فيتو» أن الأولوية في كل دولة كانت مواجهة الأزمة ومعالجة مواطنيها هذا من ناحية ، كما أن كل دول الاتحاد الأوروبي تركت الفيروس ينتشر على أساس أنه سيولد مناعة طبيعية لدى الأفراد خاصة الذين لديهم مناعة جيدة ، ولكن سرعة انتشار الفيروس وعدم وجود علاج له فاقم الأزمة وتحولت إلى جائحة صحية واقتصادية واجتماعية ، وأشار إلى أنه لا شك أن الأزمة سيكون لها تبعات سياسية في كل دولة ومحاسبة حكومتها على تقصيرها أو إهمالها أثناء الأزمة وعدم الاستعداد الكافى لها ، وستجد كل الدول الأعضاء أنه لا بد من التعاون لمواجهة الركود والأزمة الاقتصادية التي يصعب على كل دولة مواجهتها وحدها خاصة الدول التي كان لديها مشكلات اقتصادية من قبل أزمة كورونا، ويمثل الاتحاد الأوروبي إطارا جيدا لهذا التعاون على ضوء ما حققه من اندماج وتكامل اقتصادى وتجارى واستثمارى على مدى نحو 70 سنة.

وأوضح أنه سيكون من الصعب جدا بل شبه المستحيل على الأعضاء الأساسيين في الاتحاد بل حتى الأعضاء الجدد التضحية بهذا الإنجاز الكبير أمام تحديات التكتلات الاقتصادية الأخرى مثل البريكس والأسيان والنافتا وغيرها ، لافتا إلى أن الاتحاد الأوروبي سيركز في الأيام القادمة على كيفية التعاون لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي قد تستمر حتى النصف الثانى من عام 2022.  

نقلًا عن العدد الورقي...

الجريدة الرسمية