نصوم فى رمضان لكن الفيروس نحن طعامه!
أولا وعاشرا، كل عام وأنتم بخير.. وأفضل الخير الآن ومع توالي ضربات الفيروس الفتاك، هو دوام الصحة والأمان. يجيء رمضان هذا العام ونحن فى خوف وترقب وفى وهم الإصابة..
أقسى ما فى الإصابة أن يخرج المصاب ولا يدري إن كان سيعود إلى بيته وأهله أم لا.. تلك هى الفكرة المتداولة، رغم أن الحقيقة والأرقام تتحدث عن ارتفاع أعداد المتعافين العائدين إلى بيوتهم، ممن تحولوا بفضل العلاج البروتوكولى من إيجابى إلى سلبى.
وطبعا رمضان غالى وكريم وبركة وكله أكل وشرب وسهر وخروج.. بعد انتهاء التراويح والتسابيح.. ذلك كله كان.. ذلك كله أصبح من الماضى..
اقرأ أيضا: تحويل الفاتورة على الصين
أن تملأ المعدة.. وأن تتمدد مستسلما لمسلسلات الإعلانات.. فيها دقائق درامية خاطفة.. إن تفتح البيت والمضيفة والاستراحة وألتراس والجنينة والمصطبة لكل من ألقى التحية وبارك الخير العميم فى الشهر الكريم.. ذلك كله صار من التاريخ..
أن تضع أولادك في السيارة أو على الحمارة، أو في التاكسى أو في القطار.. وتسافر البلد.. وتلتقون بربطة المعلم فرحين بالمائدة الحافلة الحاشدة بما لذ وبما طاب.. وصوت الملاعق يصارع أصوات المتكلمين وأصوات معلقي الاعلانات والتنويهات التليفزيونية.. وأن تسحب دخان السيجارة تعاود ضخ السموم النيكوتنية في شرايينك.. هانئا مطمئنا.
ذلك كله قد مضى وانقضى.. نحن في حقيقة الأمر تحت اختبار إلهى عظيم.. ومحنة ليس لها من دون الله كاشفة.. نحن البشر، فى سجن كبير بحجم الكرة الارضية. كوكب الأرض صار مصلحة سجون عملاقة. بيوتنا عنابر وحجراتنا زنازين. أما غرف الحبس الانفرادى فهى موجودة داخل تجاويف القلب تحت القفص الصدرى حيث تزدهر الأوهام وتترعرع ثمار الاكتئاب والحنظل والخنقة.
اقرأ أيضا: صورة طبق الأصل.. الوسواس القهرى
كان الاعتياد مملا.. نراه الآن نعمة أخذها الله منا.. كان تعبيرنا لا جديد تحت الشمس.. يعنى أننا فى زهق وأن التكرار خانق. ليتها دامت.. ذلك حالنا اليوم، فى كل مكان.. من المشارق إلى المغارب.
الليلة الخميس.. نتسحر، وننتوى الصوم.. ويهل علينا يوم الجمعة.. نستقبله بالرجاء والتصبر والأغلبية العظمى منا، بلا مبالغة، لديها يقين أن الله سيسحب مخلوقه المفترى البطاش عن عباده المؤمنين في الدنيا. ومع الغروب سيرتفع صوت المؤذن حزينا.. يرفع الآذان.. حتى إذا بلغ نداءه الباكى: ألا صلوا فى بيوتكم.. ألا صلوا في رحالكم..
انهمرت الدموع وإرتجت الصدور.. وإرتفعت الأيدي بالتضرع الى الله.. تدعوه إلى المغفرة والعفو عنا. لن تكون هناك صلوات تراويح بالمساجد.. ستكون بالبيت. لأن العدو يتربص بنا في الزحام .
الخبر الذى يجب ألا ننساه.. أن العدو سيبقى على احتلاله لأيامنا وأحلامنا واموالنا وذكرياتنا لأيام وشهور طويلة. ذلك تحذير منظمة الصحة العالمية. ناس كثيرون خففوا التباعد البدنى.. لكن الثمن سيكون تراكم الجثث.
اقرأ أيضا: تأملات فى الوباء: الدول.. سجون كبيرة
التعايش مع العدو ممكن إن كان ظاهرا مرئيا.. مجسدا.. تراه ويراك.. لكن التعايش مع وحش ضئيل خفى يراك ولاتراه.. ليس بالتعايش.. يمكن أن نسمية التحايل. نحن نتحايل عليه.. نراوغه.. إن فتتنا دهونه اللزجة بالماء والصابون حطت علينا من كف صافحتنا.. جاءنا من أكرة باب.. أو عناق لحوح مستهتر.. أو قبلة عناد.. أو زواج متعجل اللذة.. أو.. أو..
لا تعايش إذن.. ولا استسلام بالطبع.. بل نجاة بالابتعاد.. حتى لا نوفر له الطعام.. الذي هو نحن.. بكل ببساطة. ربما يستكين في رمضان بدعوات الطيبين.. ربما.. لكن المؤكد ان البقاء بالبيت يحرمه من الحياة على جثث المستهترين!