إبراهيم العناني يكشف رحلة استقبال رمضان من بيت القاضي إلى دار الإفتاء
مرت رحلة استطلاع الرؤية في شهر رمضان بمراحل عديدة فبعد الاستطلاع بالعين المجردة استخدمت الوسائل العصرية ويصف المؤرخ إبراهيم العناني عضو اتحاد المؤرخين العرب احتفالات مصر قديما باستطلاع هلال شهر رمضان فيقول:
إن مصر تتميز باحتفالاتها في رمضان، فرمضان في مصر له طعم خاص يتميز بالبهجة والفرحة والسرور والأعلام والزينات، وكانت هذه الاحتفالات تبدأ برؤية هلال رمضان استعدادا لإعلان الصيام وتبدأ من يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، وكانت الاحتفالات كبيرة وعظيمة على مر التاريخ الإسلامي في مصر يحضرها جموع الناس وكبار رجال الدولة في العاصمة والمدن الكبرى، وفي عام 155 هجرية خرج أول قاضٍ لرؤية هلال رمضان ويدعى عبد الله ابن لهيعة، وأعدت له دكة على سفح جبل المقطم عرفت بدكة القضاة.
فلما كان العصر الفاطمي بنى قائدهم بدر الجمالي مسجدا على سفح المقطم اتخذ مئذنته مرصدا لرؤية هلال رمضان، كما سن الفاطميون أيضا ما يعرف بموكب رؤية هلال رمضان، وهي العادة التي استمرت إلى العصر المملوكي فكان القاضي يخرج ومعه القضاة أربعة كشهود ومعهم الشموع والفوانيس ويشاركهم المحتسب وكبار تجار العاصمة رؤساء الطوائف والحرف.
وفي هذا العصر تم نقل مكان الرؤية إلى منارة مدرسة المنصور قلاوون ــ المدرسة المنصورية في بين القصرين، فإذا تأكدوا من رؤيتها أضيأت الأنوار على الدكاكين ومآذن المساجد ويعود قاضي القضاة إلى داره وسط حملة المشاعل ثم تتفرق الطوائف معلنة الصيام.
وفي زمن الحملة الفرنسية كان قاضي القضاة يخرج من بيت القاضي مع القضاة والمشايخ لرؤية الهلال يحيط بهم جموع الشعب وعدد من الجنود الفرنسيين، وبمجرد ثبوت الرؤية تطلق المدافع والألعاب النارية من القلعة والأزبكية حتى يعلم الجميع بحلول الشهر الكريم ويبدأ النداء بالمنادي.
وقد أمر نابليون تقربا من المسلمين منع غير المسلمين من الطعام في نهار رمضان وأغلقت المطاعم لذلك، كما أقام بطارية مدفع بالإسكندرية فوق كوم الناضورة تحدث صوتا إيذانا بموعد الإفطار وأطلق عليه (كرة الزوال).
أما في عائلة محمد علي فقد عاد استطلاع الرؤية إلى المقطم واستمر بها حتى نقل الخديوي عباس حلمي الثاني مكان إثبات الرؤية إلى المحكمة الشرعية بباب الخلق.
وبعد ثباتها يمر موكب الرؤية أمام قصر البكري حيث يوجد نقيب الأشراف وكبار الأمراء فتعلو صيحات التهليل والتهاني بين الناس.
ومع إنشاء دار الإفتاء المصرية أواخر القرن التاسع عشر أسندت إليها مهمة استطلاع هلال رمضان والاحتفال به وتقوم الهيئة من خلال لجانها الشرعية والعلمية المنتشرة بالدولة ومرصد حلوان.
وتعلن الدار نتيجة الاستطلاع في احتفال يضم الإمام الأكبر والمفتون السابقون ووزير الأوقاف وسفراء الدول الإسلامية ورجال القضاء ويكون الجميع في ضيافة مفتي الديار المصرية وذلك بقاعة المؤتمرات الكبرى للأزهر الشريف بمدينة نصر.