"يوسف البهتيمي".. "الشيخ الكامل".. أتقن الأحكام سماعًا وذاع صيته في إذاعات لندن وسوريا ونيودلهي والشرق الأدنى
نادرًا ما يجود الزمان بأصوات عذبة ، حباها الله الموهبة والطلاوة والحلاوة والعبقرية في قراءة القرآن الكريم ، تسحر قلوب من يستمع إليها بدون أن تشعر بها.
البهتيمي
ومن هذه الأصوات صاحب الحنجرة الفولاذية الشيخ كامل يوسف البهتيمي، الذي ولد في عام 1922م في بهتيم بشبرا في محافظة القليوبية ، وحفظ القرآن الكريم قبل بلوغه سن العاشرة ، وذاع صيته في قريته بحسن تلاوة القرآن الكريم ، كما كان قارئًا للسورة في مسجد القرية كل يوم جمعة.
أساتذته
وكان الشيخ البهتيمي يتخذ من الشيخين محمد سلامة ومحمد رفعت مثلًا أعلى له في قراءة القرآن الكريم ، ومع بداية عام 1952م استضافه الشيخ محمد الصيفي في منزله بالعباسية ، وبدأ يقدمه لجمهور القاهرة.
الشيخ البهتيمي لم يلتحق بأي من معاهد القرآن الكريم وتعليم القراءات ، بل لم يدخل أي مدرسة لتعليم العلوم العادية ، ولكنه استطاع من خلال الممارسة والخبرة والاستماع الجيد إلى القراء مثل المشايخ محمد رفعت ومحمد سلامة والصيفي وعلى حزين أن يتعلم منهم أحكام التلاوة.
الإذاعة
وفي أول نوفمبر عام 1953م تم اعتماده في الإذاعة ، بعدما نجح بتقدير امتياز أمام لجنة اختبار القراء ، وقد ذاع صيت الشيخ البهتيمي في محطات لندن وسوريا ونيودلهي والشرق الأدنى.
عن حكايته مع المرض الذي ألم به قبل رحيله يذكر ولده عصام البهتيمي في كتاب "عباقرة الإنشاد الديني" للكاتب محمد عوض ، أنه في عام 1967 م ذهب الشيخ كامل يوسف البهتيمي إلى مدينة بورسعيد تلبية لدعوة وجهت له لإحياء ليلة مأتم ، فحدث أن تلعثم لسانه أثناء القراءة، وعجز عن القدرة على مواصلة القراءة ، بل وعجز عن النطق ، وشعر بأن شيئا يقف في حلقه فثقل لسانه فيقول عصام: "قمنا بنقله إلى الفندق الذي كنا ننزل به وتم إسعافه سريعا ونقله إلى القاهرة ، وبعد تلك الحادثة بأسبوع واحد أصيب بشلل نصفي فتم علاجه واسترد عافيته".
محاولة اغتيال
وأكد عصام أنه قد قيل لهم فيما بعد أن ما حدث للشيخ البهتيمي ببورسعيد كان بمثابة محاولة فاشلة لقتله حيث وضع بعض الحاقدين له مواد سامة في فنجان قهوة كان قد تناوله قبل بدء التلاوة بالمأتم ورغم أن الشيخ استرد عافيته إلا أن صوته لم يعد بنفس القوة التي كان عليها عن ذي قبل.
وأضاف عصام: "مرت الشهور حتى فوجئنا بأبي يدخل علينا البيت ذات يوم بعد رجوعه من إحدى السهرات ، وهو في حالة إعياء شديد ، وقمنا باستدعاء طبيبه الخاص الدكتور مصطفى الجنزوري الذي قال لنا إنه مصاب بنزيف في المخ ، وبعدها بساعات قليلة فارق الشيخ كامل البهتيمي الحياة وأذكر أن الدكتور فرحات عمر الفنان المعروف بالدكتور ، قال لي مؤخرًا وبالحرف الواحد يا ابني أبوك مات مقتول".
ورحل الشيخ البهتيمي عن عمر يناهز الـ 47 عاما في عام 1969م لتفقد دولة التلاوة واحدًا من أهم قرائها عبر التاريخ.
عن الشيخ البهتيمي قال الشيخ محمد محمود الطبلاوي نقيب القراء: إن الشيخ كامل البهتيمي يتصف بقدرته الفائقة على الانتقال بين النغمات ، فكان يستخدم أكثر من نغم خلال القراءة بحسب تعبير الآيات التي كان يقرأها لتوصيل الإحساس إلى المستمع ، مشيرًا إلى أن البهتيمي كان يمتاز بالتعبير الصادق عن الآيات سواء كانت آيات عذاب أو رحمة.
وأضاف: "البهتيمي" كان له من اسمه نصيب قائلا: "هو بحق كامل في تلاوة القرآن الكريم" ولن يجود الزمان بمثل هذا الشيخ ، منوهًا إلى أن البهتيمى تعلم أحكام التلاوة سماعًا من خلال الاستماع لكبار قراء القرآن الكريم ، مضيفًا أنها كانت بمثابة تدريب عملي للشيخ البهتيمي على أحكام القراءة الصحيحة لأنه لم يدرسها نظريًا ، ولفت إلى أن هذه التدريبات العملية سواء الاستماع لكبار القراء أو التدريب على القراءة كانت سببًا في صنع صوت من أعذب الأصوات في قراءة القرآن الكريم.
وأشار إلى أن من أسس قراءة القرآن الكريم التقيد بأحكام التلاوة والتي كان يجيدها الشيخ كامل البهتيمي. وقال الموسيقار والملحن حلمي بكر: إن قراءة القرآن الكريم تختلف عن الغناء ، فالأساس فيها حسن التجويد وإخراج الألفاظ بشكل صحيح وإيصال معنى الآيات الكريمة إلى القارئ لفهمها لذلك قال الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ، مضيفًا أن الصوت العذب مطلوب أيضًا لجذب انتباه المستمع ليتدبر آيات القرآن الكريم ، لكن الأساس فيه خروج الألفاظ بالشكل الصحيح.
وأشار إلى أن الشيخ البهتيمي من أعظم قراء القرآن الكريم ، وأضاف أن قراءة القرآن الكريم يحكمها مقامات معينة تهدف لتوصيل المعنى للمستمع بأفضل وسيلة تعبيرية ، مشيرًا إلى أن كل شيخ يستخدم مقامًا معينًا لتوصيل كلام الله تعالى إلى المستمع بأسوب يجذب انتباهه ، ولفت إلى أن الشيخ كامل البهتيمي كان يتبع مقاما حزينا خاشعا يدعو إلى الندم والأسى ، وأكد أنه كان من أعظم قراء القرآن الكريم.